المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (545)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (545)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
قَوْله : ( يُحَدِّثُونَهُ ) أَيْ يُحَدِّثُونَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ. وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ. قَوْله : ( فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْح ) الْإِدْرَاكُ الْوُصُولُ إِلَى الشَّيْء , فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ , فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ الْوَقْت , فَإِذَا صَلَّى رَكْعَة أُخْرَى فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاته , وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَفْظُهُ "" مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْح رَكْعَة قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَرَكْعَة بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْس فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاة "" وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ اِبْن يَسَارٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ "" مَنْ صَلَّى رَكْعَة مِنْ الْعَصْر قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْس , ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ بَعْد غُرُوب الشَّمْس فَلَمْ يَفُتْهُ الْعَصْر "". وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصُّبْح , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ فِي "" بَاب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْر رَكْعَة "" مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهَا "" فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ "" , وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ "" مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاة فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاة كُلَّهَا , إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ "" , وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ "" مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنْ الصُّبْح قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْس فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى "". وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الرَّدّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ خَصَّ الْإِدْرَاكَ بِاحْتِلَامِ الصَّبِيِّ وَطُهْرِ الْحَائِضِ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ وَنَحْوِهَا , وَأَرَادَ بِذَلِكَ نُصْرَةَ مَذْهَبه فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْح رَكْعَة تَفْسُدُ صَلَاته لِأَنَّهُ لَا يُكْمِلُهَا إِلَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَة , وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ , قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ : مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ فِي صَلَاة الصُّبْح بَطَلَتْ صَلَاته , وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَنْ الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس , وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحَادِيث النَّهْي نَاسِخَةٌ لِهَذَا الْحَدِيث , وَهِيَ دَعْوَى تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيل , فَإِنَّهُ لَا يُصَار إِلَى النَّسْخ بِالِاحْتِمَالِ , وَالْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تُحْمَلَ أَحَادِيثُ النَّهْي عَلَى مَا لَا سَبَبَ لَهُ مِنْ النَّوَافِلِ , وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْصِيصَ , أَوْلَى مِنْ اِدِّعَاءِ النَّسْخِ , وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَة لَا يَكُون مُدْرِكًا لِلْوَقْتِ , وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفَاصِيلُ بَيْنَ أَصْحَاب الْأَعْذَار وَغَيْرهمْ , وَبَيْن مُدْرِكِ الْجَمَاعَة وَمُدْرِكِ الْوَقْتِ , وَكَذَا مُدْرِكُ الْجُمُعَةِ , وَمِقْدَارُ هَذِهِ الرَّكْعَة قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآن وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بِشُرُوطِ كُلِّ ذَلِكَ , وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : الْمُعْتَبَرُ فِيهَا أَخَفُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ , وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ , أَمَّا أَصْحَاب الْأَعْذَارِ - كَمَنْ أَفَاقَ مِنْ إِغْمَاء , أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْت هَذَا الْقَدْر كَانَتْ الصَّلَاة فِي حَقِّهِمْ أَدَاءً. وَقَدْ قَالَ قَوْم : يَكُون مَا أَدْرَكَ فِي الْوَقْت أَدَاءً وَبَعْدَهُ قَضَاءً , وَقِيلَ يَكُون كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا , وَالْمُخْتَار أَنَّ الْكُلّ أَدَاءٌ وَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّه تَعَالَى. وَنَقَلَ بَعْضهمْ الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ تَأْخِير الصَّلَاة حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا الْقَدْرُ. وَاَللَّه أَعْلَم. ( لَطِيفَةٌ ) : أَوْرَدَ الْمُصَنِّف فِي "" بَاب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْر "" طَرِيق أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَفِي هَذَا الْبَاب طَرِيق عَطَاء بْن يَسَارٍ وَمَنْ مَعَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي طَرِيق أَبِي سَلَمَةَ ذِكْرَ الْعَصْر , وَقَدَّمَ فِي هَذَا ذِكْرَ الصُّبْح فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا قَدَّمَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّقْدِيمُ مِنْ اِهْتِمَام. وَاَللَّه الْهَادِي لِلصَّوَابِ.



