المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (54)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (54)]
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ
قَوْله : ( إِنَّك ) الْخِطَاب لِسَعْدٍ , وَالْمُرَاد هُوَ وَمَنْ يَصِحّ مِنْهُ الْإِنْفَاق. قَوْله : ( وَجْه اللَّه ) أَيْ : مَا عِنْد اللَّه مِنْ الثَّوَاب. قَوْله : ( إِلَّا أُجِرْت ) يَحْتَاج إِلَى تَقْدِير لِأَنَّ الْفِعْل لَا يَقَع اِسْتِثْنَاء. قَوْله : ( حَتَّى ) : هِيَ عَاطِفَة وَمَا بَعْدهَا مَنْصُوب الْمَحَلّ , وَمَا : مَوْصُولَة وَالْعَائِد مَحْذُوف. قَوْله : ( فِي فَم اِمْرَأَتك ) ولِلْكُشْمِيهَنِيّ "" فِي فِي اِمْرَأَتك "" وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هِيَ أَصْوَب لِأَنَّ الْأَصْل حَذْف الْمِيم بِدَلِيلِ جَمْعه عَلَى أَفْوَاه وَتَصْغِيره عَلَى فُوَيْه. قَالَ : وَإِنَّمَا يَحْسُن إِثْبَات الْمِيم عِنْد الْإِفْرَاد وَأَمَّا عِنْد الْإِضَافَة فَلَا إِلَّا فِي لُغَة قَلِيلَة ا ه. وَهَذَا طَرَف مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص فِي مَرَضه بِمَكَّة وَعِيَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَقَوْله "" أُوصِي بِشَطْرِ مَالِي "" الْحَدِيث. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْوَصَايَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَالْمُرَاد مِنْهُ هُنَا قَوْله "" تَبْتَغِي - أَيْ : تَطْلُب - بِهَا وَجْه اللَّه "" وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ النَّوَوِيّ أَنَّ الْحَظّ إِذَا وَافَقَ الْحَقّ لَا يَقْدَح فِي ثَوَابه لِأَنَّ وَضْع اللُّقْمَة فِي فِي الزَّوْجَة يَقَع غَالِبًا فِي حَالَة الْمُدَاعَبَة , وَلِشَهْوَةِ النَّفْس فِي ذَلِكَ مَدْخَل ظَاهِر. وَمَعَ ذَلِكَ إِذَا وَجَّهَ الْقَصْد فِي تِلْكَ الْحَالَة إِلَى اِبْتِغَاء الثَّوَاب حَصَلَ لَهُ بِفَضْلِ اللَّه. قُلْت : وَجَاءَ مَا هُوَ أَصْرَح فِي هَذَا الْمُرَاد مِنْ وَضْع اللُّقْمَة , وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ "" وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة. قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَيَأْتِي أَحَدنَا شَهْوَته وَيُؤْجَر ؟ قَالَ : نَعَمْ , أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَام ؟ "" الْحَدِيث. قَالَ : وَإِذَا كَانَ هَذَا بِهَذَا الْمَحَلّ - مَا فِيهِ مِنْ حَظّ النَّفْس - فَمَا الظَّنّ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا حَظّ لِلنَّفْسِ فِيهِ ؟ قَالَ : وَتَمْثِيله بِاللُّقْمَةِ مُبَالَغَة فِي تَحْقِيق هَذِهِ الْقَاعِدَة ; لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْأَجْر فِي لُقْمَة وَاحِدَة لِزَوْجَةٍ غَيْر مُضْطَرَّة فَمَا الظَّنّ بِمَنْ أَطْعَمَ لُقَمًا لِمُحْتَاجٍ , أَوْ عَمِلَ مِنْ الطَّاعَات مَا مَشَقَّته فَوْق مَشَقَّة ثَمَن اللُّقْمَة الَّذِي هُوَ مِنْ الْحَقَارَة بِالْمَحَلِّ الْأَدْنَى ا ه. وَتَمَام هَذَا أَنْ يُقَال : وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقّ الزَّوْجَة مَعَ مُشَارَكَة الزَّوْج لَهَا فِي النَّفْع بِمَا يُطْعِمهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّر فِي حُسْن بَدَنهَا وَهُوَ يَنْتَفِع مِنْهَا بِذَلِكَ , وَأَيْضًا فَالْأَغْلَب أَنَّ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَة يَقَع بِدَاعِيَةِ النَّفْس , بِخِلَافِ غَيْرهَا فَإِنَّهُ يَحْتَاج إِلَى مُجَاهَدَتهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.