المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (519)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (519)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ { يَتِرَكُمْ } وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا أَوْ أَخَذْتَ لَهُ مَالًا
قَوْلُهُ ( الَّذِي تَفُوتُهُ ) قَالَ اِبْنُ بَزِيزَةَ : فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ. قُلْت : وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ ( صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ , وَسَقَطَ لِلْأَكْثَرِ لَفْظُ صَلَاةٍ وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ فَكَأَنَّمَا. قَوْلُهُ ( وُتِرَ أَهْلَهُ ) هُوَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِوُتِرَ , وَأُضْمِرَ فِي وُتِرَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي فَاتَتْهُ , فَالْمَعْنَى أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) , وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتِرَكُمْ. اِنْتَهَى. وَقِيلَ وُتِرَ هُنَا بِمَعْنَى نُقِصَ , فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ , لِأَنَّ مَنْ رَدَّ النَّقْصَ إِلَى الرَّجُلِ نَصَبَ وَأَضْمَرَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ , وَمَنْ رَدَّهُ إِلَى الْأَهْلِ رَفَعَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى سُلِبَ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ , وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ فَيَكُونُ أَهْلَهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي أَيْضًا وَتَرْت الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْت لَهُ قَتِيلًا أَوْ أَخَذْت مَالَهُ , وَحَقِيقَةُ الْوَتْرِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ , فَعَلَى هَذَا فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَالِ مَجَازٌ , لَكِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْمَوْتُورُ هُوَ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِدَمِهِ , تَقُولُ مِنْهُ وُتِرَ وَتَقُولُ أَيْضًا وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ. وَقِيلَ الْمَوْتُورُ مَنْ أُخِذَ أَهْلُهُ أَوْ مَالُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ , فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بِذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ : غَمُّ الْإِثْمِ وَغَمُّ فَقْدِ الثَّوَابِ. كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمَوْتُورِ غَمَّانِ : غَمُّ السَّلْبِ , وَغَمُّ الطَّلَبِ بِالثَّأْرِ. وَقِيلَ : مَعْنَى وُتِرَ أُخِذَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَصَارَ وَتْرًا أَيْ فَرْدًا , وَيُؤَيِّدُ الَّذِي قَبْلَهُ رِوَايَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ "" وَهُوَ قَاعِدٌ "" , وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّغْلِيظُ عَلَى مَنْ تَفُوتُهُ الْعَصْرُ , وَأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهَا. وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ خَرَجَ جَوَابًا لِسَائِلٍ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَأُجِيبَ , فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إِلْحَاقَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ بِهَا. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ إِذَا عُرِفَتْ الْعِلَّةُ وَاشْتَرَكَا فِيهَا. قَالَ : وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فَلَا يَلْتَحِقُ غَيْرُ الْعَصْرِ بِهَا. اِنْتَهَى. وَهَذَا لَا يَدْفَعُ الِاحْتِمَالَ. وَقَدْ اِحْتَجَّ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَا رَوَاهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْره مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا "" مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً حَتَّى تَفُوتَهُ "" الْحَدِيثَ. قُلْت : وَفِي إِسْنَادِهِ اِنْقِطَاعٌ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ "" مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ "" فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى تَعْيِينِ الْعَصْرِ. وَرَوَى اِبْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا "" مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ "" وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ "" لَأَنْ يُوتَرَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ صَلَاةٍ "" وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَيْضًا تَرْجِيحُ تَوْجِيهِ رِوَايَةِ النَّصْبِ الْمُصَدَّرِ بِهَا , لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ "" مِنْ الصَّلَوَاتِ صَلَاةً مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ "" أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ , وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَزَادَ فِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ : قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ - يَعْنِي اِبْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ - مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ : الْعَصْرُ. وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَصَرَّحَ بِكَوْنِهَا الْعَصْرَ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ , وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ كَوْنَهَا الْعَصْرَ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِيهِ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ اِبْنِ عُمَرَ , فَالظَّاهِرُ اِخْتِصَاصُ الْعَصْرِ بِذَلِكَ , وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَفْوِيتِهَا إِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ "" قُلْت لِنَافِعٍ : حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ ؟ قَالَ : نَعَمْ "" وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي إِذَا كَانَ فَقِيهًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ , لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "" وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ "" وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَنُقِلَ عَنْ اِبْن وَهْبٍ أَنَّ الْمُرَادَ إِخْرَاجُهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ : إِنَّمَا أَرَادَ فَوَاتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ لَا فَوَاتَهَا بِاصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ بِمَغِيبِهَا. قَالَ : وَلَوْ كَانَ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا كُلِّهِ لَبَطَلَ اِخْتِصَاصُ الْعَصْرِ , لِأَنَّ ذَهَابَ الْوَقْتِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَنُوقِضَ بِعَيْنِ مَا اِدَّعَاهُ , لِأَنَّ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لَكِنْ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَصْرَ اِخْتَصَّتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْمُتَعَاقِبِينَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا , وَتَعَقَّبَهُ اِبْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْفَجْرَ أَيْضًا فِيهَا اِجْتِمَاعُ الْمُتَعَاقِبِينَ فَلَا يَخْتَصُّ الْعَصْرُ بِذَلِكَ , قَالَ : وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْتَصُّ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْفَضِيلَةِ. اِنْتَهَى. وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ "" مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ "" فَحَمَلَهُ عَلَى السَّاهِي , وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ لِمَنْ صَلَّى مَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ , وَقَدْ رُوِيَ بِمَعْنَى ذَلِكَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَسَفَ الْعَامِدِ أَشَدُّ , لِاجْتِمَاعِ فَقْدِ الثَّوَابِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ. قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى تَحْقِيرِ الدُّنْيَا وَأَنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهَا. وَقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : لَا يُوجَدُ حَدِيثٌ يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْحَدِيثِ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ) وَقَالَ : وَلَا يُوجَدُ حَدِيثٌ فِيهِ تَكْيِيفُ الْمُحَافَظَةِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ.



