المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (518)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (518)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى ( كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ) أَيْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ الْأُخْرَى , وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِهِ. قَوْلُهُ ( ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءَ ) كَأَنَّ أَنَسًا أَرَادَ بِالذَّاهِبِ نَفْسَهُ كَمَا تُشْعِرُ بِذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي الْأَبْيَضِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "" إِلَى قُبَاءَ "" وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ بَلْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ "" إِلَى الْعَوَالِي "" وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. قَالَ : وَقَوْلُ مَالِكٍ إِلَى قُبَاءَ وَهْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ اِبْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ "" إِلَى قُبَاءَ "" كَمَا قَالَ مَالِكٌ , نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ فَنِسْبَةُ الْوَهْمِ فِيهِ إِلَى مَالِكٍ مُنْتَقَدٌ , فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ وَهْمًا اِحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَ بِهِ مَالِكًا , وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ "" إِلَى الْعَوَالِي "" كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ , فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ وَتُوبِعَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ : الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْعَوَالِي , فَصَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ , لَكِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَخَصُّ لِأَنَّ قُبَاءَ مِنْ الْعَوَالِي وَلَيْسَتْ الْعَوَالِي كُلَّ قُبَاءَ , وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمَّا رَأَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ إِجْمَالًا حَمَلَهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُفَسَّرَةِ وَهِيَ رِوَايَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا "" ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ "" وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ قُبَاءَ , فَبَنَى مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا حَدَّثَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ , فَهَذَا الْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ الْجَزْمِ بِأَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ. وَأَمَّا اِسْتِدْلَالُ اِبْنِ بَطَّالٍ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مَالِكٍ بِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ , لِأَنَّ مَالِكًا أَثْبَتَهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ كَافَّةُ أَصْحَابِهِ , فَرِوَايَةُ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْهُ شَاذَّةٌ. فَكَيْفَ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ وَهْمٌ ؟ بَلْ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَهْمٌ فَهُوَ مِنْ مَالِكٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا ؟ أَوْ مِنْ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَهُ بِهِ ؟ وَالْأَوْلَى سُلُوكُ طَرِيقِ الْجَمْعِ الَّتِي أَوْضَحْنَاهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ اِبْنُ رَشِيدٍ : قَضَى الْبُخَارِيُّ بِالصَّوَابِ لِمَالِكٍ بِأَحْسَنِ إِشَارَةٍ وَأَوْجَزِ عِبَارَةٍ , لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَوَّلًا الْمُجْمَلَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحَدِيثِ مَالِكٍ الْمُفَسَّرِ الْمُعَيِّنِ. ( تَنْبِيهٌ ) : قُبَاءُ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ ( إِلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ ) أَيْ أَهْلَ قُبَاءَ وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي الْحَدِيثِ الْمُبَادَرَةُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِيلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَتَغَيَّرْ , فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.



