المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (506)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (506)]
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { تَتَفَيَّأُ } تَتَمَيَّلُ
قَوْلُهُ ( فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ ) فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَبَابَةَ , وَمُسَدَّدٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ , وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ , وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ أَيْضًا , كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بِلَالٌ. قَوْلُهُ ( ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ "" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا "" وَجَزَمَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِذِكْرِ الثَّالِثَةِ , وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي "" بَابِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِينَ "" فَإِنْ قِيلَ : الْإِبْرَادُ لِلصَّلَاةِ فَكَيْفَ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ بِهِ لِلْأَذَانِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ هَلْ هُوَ لِلْوَقْتِ أَوْ لِلصَّلَاةِ ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ , وَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لِلصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ عَنْ الْحُضُورِ إِلَى الْجَمَاعَةِ , فَالْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ لِغَرَضِ الْإِبْرَادِ بِالْعِبَادَةِ , قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْذِينِ هُنَا الْإِقَامَةُ. قُلْت : وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ "" فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ "" لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ "" فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُؤَذِّنَ "" وَفِيهِ "" ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ "" وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إِقَامَتَهُ كَانَتْ لَا تَتَخَلَّفُ عَنْ الْأَذَانِ لِمُحَافَظَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ , فَرِوَايَةُ "" فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ "" أَيْ أَنْ يُؤَذِّنَ ثُمَّ يُقِيمَ , وَرِوَايَةُ "" فَأَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ "" أَيْ ثُمَّ يُقِيمَ. قَوْلُهُ ( حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ ) هَذِهِ الْغَايَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ "" فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ "" أَيْ كَانَ يَقُولُ لَهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَبْرِدْ , أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَبْرِدْ أَيْ قَالَ لَهُ أَبْرِدْ إِلَى أَنْ تَرَى , أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ قَالَ لَهُ أَبْرِدْ فَأَبْرَدَ إِلَى أَنْ رَأَيْنَا , وَالْفَيْءُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ هُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الظِّلِّ , وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ : كُلُّ مَا اِجْتَمَعَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , وَهِيَ فِي الْغَالِبِ مُنْبَطِحَةٌ غَيْرُ شَاخِصَةٍ فَلَا يَظْهَرُ لَهَا ظِلٌّ إِلَّا إِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ وَقْتِ الظُّهْرِ , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَايَةِ الْإِبْرَادِ , فَقِيلَ : حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ , وَقِيلَ رُبْعَ قَامَةٍ , وَقِيلَ ثُلُثَهَا , وَقِيلَ نِصْفَهَا , وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَنَزَّلَهَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اِخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ , وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ , لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَمْتَدَّ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ , وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَذَانِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ "" حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ "" فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْمُسَاوَاةِ ظُهُورُ الظِّلِّ بِجَنْبِ التَّلِّ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَسَاوَاهُ فِي الظُّهُورِ لَا فِي الْمِقْدَارِ , أَوْ يُقَالُ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَلَعَلَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ. قَوْلُهُ ( وَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : يَتَفَيَّأُ : يَتَمَيَّلُ ) ) أَيْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ ) مَعْنَاهُ يَتَمَيَّلُ , كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْفَيْءَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ظِلٌّ مَائِلٌ مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى , وَتَتَفَيَّأُ فِي رِوَايَتِنَا بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَيْ الظِّلَالُ , وَقُرِئَ أَيْضًا بِالتَّحْتَانِيَّةِ , أَيْ الشَّيْءُ , وَالْقِرَاءَتَانِ شَهِيرَتَانِ. وَهَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَكَرِيمَةَ , وَقَدْ وَصَلَهُ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.



