المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (504)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (504)]
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ
قَوْله ( حَفِظْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ جَعْفَر الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ شَيْخ الْمُصَنِّفِ فِيهِ بِلَفْظ "" حَدَّثَنَا الزُّهْرِيّ "". قَوْله ( عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ ) كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَان عَنْهُ , وَرَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس السَّرَّاج عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ سُفْيَان عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَلَمَة أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا , وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْب اِبْن أَبِي حَمْزَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَلَمَة وَحْدَهُ , وَالطَّرِيقَانِ مَحْفُوظَانِ , فَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْث وَعَمْرو بْن الْحَارِث عِنْد مُسْلِم , وَمَعْمَر وَابْن جُرَيْجٍ عِنْدَ أَحْمَدَ , وَابْن أَخِي الزُّهْرِيّ وَأُسَامَة بْن زَيْد عِنْدَ السَّرَّاجِ , سِتَّتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد وَأَبِي سَلَمَة كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة. قَوْله ( وَاشْتَكَتْ النَّار ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ "" قَالَ وَاشْتَكَتْ النَّار "" وَفَاعِل قَالَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَبِلَ , وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا أَوْ مُعَلِّقًا. وَقَدْ أَفْرَدَهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَان , وَكَذَلِكَ السَّرَّاج مِنْ طَرِيقِ سُفْيَان وَغَيْرِهِ , وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّكْوَى هَلْ هِيَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ ؟ وَاخْتَارَ كُلًّا طَائِفَة. وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْه وَنَظَائِر , وَالْأَوَّل أَرْجَح , وَقَالَ عِيَاض : إِنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. قَالَ : وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِق بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى. وَقَالَ النَّوَوِيّ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ : حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ هُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ التوربشتي , وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ : شَكَوَاهَا مَجَاز عَنْ غَلَيَانِهَا ُ وَأَكْلُهَا بَعْضُهَا بَعْضًا مَجَاز عَنْ اِزْدِحَامِ أَجْزَائِهَا , وَتَنَفُّسُهَا مَجَاز عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا. وَقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِيرِ : الْمُخْتَارُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصَلَاحِيَّةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ ُ وَ; لِأَنَّ اِسْتِعَارَة الْكَلَام لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ , لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرهَا وَالتَّعْلِيل لَهُ وَالْإِذْن وَالْقَبُول وَالتَّنَفُّس وَقَصْره عَلَى اِثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيد مِنْ الْمَجَازِ خَارِج عَمَّا أُلِفَ مِنْ اِسْتِعْمَالِهِ. قَوْله ( بِنَفَسَيْنِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ , وَالنَّفَسِ مَعْرُوف وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْهَوَاءِ. قَوْله ( نَفَس فِي الشِّتَاءِ وَنَفَس فِي الصَّيْفِ ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا عَلَى الْبَدَلِ أَوْ الْبَيَانِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ. قَوْله ( أَشُدّ ) يَجُوزُ الْكَسْر فِيهِ عَلَى الْبَدَلِ , لَكِنَّهُ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيّ : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيره فَذَلِكَ أَشَدّ. وَقَالَ الطِّيبِي : جَعْل أَشَدّ مُبْتَدَأ مَحْذُوف الْخَبَر أَوْلَى , وَالتَّقْدِير أَشَدّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ النَّفَسِ. قُلْت : يُؤَيِّدُ الْأَوَّل رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَهُوَ أَشَدُّ , وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي رِوَايَة النَّسَائِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ , وَفِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ لَفّ وَنَشْر غَيْر مُرَتَّبٍ , وَهُوَ مُرَتَّبٌ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ. وَالْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّة الْبَرْدِ , وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ : وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرهمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ( تَنْبِيهَانِ ) : الْأَوَّل : قَضِيَّة التَّعْلِيل الْمَذْكُور قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْبَرْدِ , وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد ; لِأَنَّهَا تَكُونُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الصُّبْحِ فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ , فَلَوْ أُخِّرَتْ لَخَرَجَ الْوَقْت. الثَّانِي : النَّفَسُ الْمَذْكُور يَنْشَأُ عَنْهُ أَشَدُّ الْحَرِّ فِي الصَّيْفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ عَلَى أَشَدِّهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ شَدِيدِهِ أَيْضًا فَالْأَشَدِّيَّةُ تَحْصُلُ عِنْدَ التَّنَفُّسِ , وَالشِّدَّةُ مُسْتَمِرَّة بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْتَمِرُّ الْإِبْرَاد إِلَى أَنْ تَذْهَبَ الشِّدَّة , وَاللَّه أَعْلَمُ.



