المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (5)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (5)]
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْدَان ) هُوَ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان الْمَرْوَزِيّ أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا يُونُس هُوَ اِبْن يَزِيد الْأَيْلِيّ. قَوْله : ( أَخْبَرَنَا يُونُس وَمَعْمَر نَحْوه ) أَيْ : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك حَدَّثَ بِهِ عَبْدَان عَنْ يُونُس وَحْده , وَحَدَّثَ بِهِ بِشْر بْن مُحَمَّد عَنْ يُونُس وَمَعْمَر مَعًا , أَمَّا بِاللَّفْظِ فَعَنْ يُونُس وَأَمَّا بِالْمَعْنَى فَعَنْ مَعْمَر. قَوْله ( عُبَيْد اللَّه ) هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود الْآتِي فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْده. قَوْله : ( أَجْوَد النَّاس ) بِنَصْبِ أَجْوَد ; لِأَنَّهَا خَبَر كَانَ , وَقَدَّمَ اِبْن عَبَّاس هَذِهِ الْجُمْلَة عَلَى مَا بَعْدهَا - وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ - عَلَى سَبِيل الِاحْتِرَاس مِنْ مَفْهُوم مَا بَعْدهَا. وَمَعْنَى أَجْوَد النَّاس : أَكْثَر النَّاس جُودًا , وَالْجُود الْكَرَم , وَهُوَ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة. وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث سَعْد رَفَعَهُ "" إِنَّ اللَّه جَوَاد يُحِبّ الْجُود "" الْحَدِيث. وَلَهُ فِي حَدِيث أَنَس رَفَعَهُ "" أَنَا أَجْوَد وَلَد آدَم , وَأَجْوَدهمْ بَعْدِي رَجُل عَلِمَ عِلْمًا فَنَشَرَ عِلْمه , وَرَجُل جَادَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيل اللَّه "" وَفِي سَنَده مَقَال , وَسَيَأْتِي فِي الصَّحِيح مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس "" كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَع النَّاس وَأَجْوَد النَّاس "" الْحَدِيث. قَوْله : ( وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُون ) هُوَ بِرَفْعِ أَجْوَد هَكَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات , وَأَجْوَد اِسْم كَانَ وَخَبَره مَحْذُوف , وَهُوَ نَحْو أَخْطَب مَا يَكُون الْأَمِير فِي يَوْم الْجُمُعَة. أَوْ هُوَ مَرْفُوع عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأ مُضَاف إِلَى الْمَصْدَر وَهُوَ "" مَا يَكُون "" وَمَا مَصْدَرِيَّة وَخَبَره فِي رَمَضَان , وَالتَّقْدِير أَجْوَد أَكْوَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان , وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيّ فِي تَبْوِيبه فِي كِتَاب الصِّيَام إِذْ قَالَ "" بَاب أَجْوَد مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُون فِي رَمَضَان "" , وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ "" أَجْوَد "" بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون خَبَرهَا اِسْمهَا , وَأُجِيبَ بِجَعْلِ اِسْم كَانَ ضَمِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْوَد خَبَرهَا , وَالتَّقْدِير : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّة كَوْنه فِي رَمَضَان أَجْوَد مِنْهُ فِي غَيْره , قَالَ النَّوَوِيّ : الرَّفْع أَشْهَر , وَالنَّصْب جَائِز. وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن مَالِك عَنْهُ فَخَرَّجَ الرَّفْع مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه وَالنَّصْب مِنْ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ اِبْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ لِلرَّفْعِ خَمْسَة أَوْجُه , تَوَارَدَ اِبْن مَالِك مِنْهَا فِي وَجْهَيْنِ وَزَادَ ثَلَاثَة وَلَمْ يُعَرِّج عَلَى النَّصْب. قُلْت : وَيُرَجِّح الرَّفْع وُرُوده بِدُونِ كَانَ عِنْد الْمُؤَلِّف فِي الصَّوْم. قَوْله : ( فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن ) قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس , وَالْغِنَى سَبَب الْجُود. وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِر مُتَابَعَة سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده. فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود. وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى. قَوْله : ( فَلَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْفَاء لِلسَّبَبِيَّةِ , وَاللَّام لِلِابْتِدَاءِ وَزِيدَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأ تَأْكِيدًا , أَوْ هِيَ جَوَاب قَسَم مُقَدَّر. وَالْمُرْسَلَة أَيْ : الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث "" لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ "" وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر "" مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا "". وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي الْحَدِيث فَوَائِد : مِنْهَا الْحَثّ عَلَى الْجُود فِي كُلّ وَقْت , وَمِنْهَا الزِّيَادَة فِي رَمَضَان وَعِنْد الِاجْتِمَاع بِأَهْلِ الصَّلَاح. وَفِيهِ زِيَارَة الصُّلَحَاء وَأَهْل الْخَيْر , وَتَكْرَار ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَزُور لَا يَكْرَههُ , وَاسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان وَكَوْنهَا أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَذْكَار , إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْر أَفْضَل أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ. فَإِنْ قِيلَ : الْمَقْصُود تَجْوِيد الْحِفْظ , قُلْنَا الْحِفْظ كَانَ حَاصِلًا , وَالزِّيَادَة فِيهِ تَحْصُل بِبَعْضِ الْمَجَالِس , وَأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال رَمَضَان مِنْ غَيْر إِضَافَة غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَر بِالتَّأَمُّلِ. قُلْت : وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ اِبْتِدَاء نُزُول الْقُرْآن كَانَ فِي شَهْر رَمَضَان ; لِأَنَّ نُزُوله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جُمْلَة وَاحِدَة كَانَ فِي رَمَضَان كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس , فَكَانَ جِبْرِيل يَتَعَاهَدهُ فِي كُلّ سَنَة فَيُعَارِضهُ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَان إِلَى رَمَضَان , فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. وَبِهَذَا يُجَاب مَنْ سَأَلَ عَنْ مُنَاسَبَة إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ.