موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (479)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (479)]

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو مَعْمَرٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْوَارِثِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏يُونُسُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي صَالِحٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ ‏ ‏قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ ‏ ‏قَالَ رَأَيْتُ ‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ‏ ‏فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ‏ ‏يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ ‏ ‏بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ ‏ ‏أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ ‏ ‏أَبُو سَعِيدٍ ‏ ‏فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ ‏ ‏مَسَاغًا ‏ ‏إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ ‏ ‏أَبُو سَعِيدٍ ‏ ‏أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى فَنَالَ مِنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ‏ ‏مَرْوَانَ ‏ ‏فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏وَدَخَلَ ‏ ‏أَبُو سَعِيدٍ ‏ ‏خَلْفَهُ عَلَى ‏ ‏مَرْوَانَ ‏ ‏فَقَالَ مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ يَا ‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ‏


‏ ‏قَوْله : ( يُونُس ) ‏ ‏هُوَ اِبْن عُبَيْد , وَقَدْ قَرَنَ الْبُخَارِيّ رِوَايَته بِرِوَايَةِ سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , وَتَبَيَّنَ مِنْ إِيرَادِهِ أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ لَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ , وَلَفْظ الْمَتْن الَّذِي سَاقَهُ هُنَا هُوَ لَفْظُ سُلَيْمَانَ أَيْضًا لَا لَفْظُ يُونُس , وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَنَا ذَلِكَ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ سَاقَ الْحَدِيثَ فِي كِتَاب بَدْء الْخَلْقِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بِعَيْنِهِ , وَلَفْظ الْمَتْن مُغَايِر لِلَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا , وَلَيْسَ فِيهِ تَقْيِيد الدَّفْع بِمَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي إِلَى سُتْرَة. وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنَّ سُلَيْم بْن حَيَّانَ تَابَعَ يُونُس عَنْ حُمَيْدٍ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ. ‏ ‏قُلْت : وَالْمُطْلَقُ فِي هَذَا مَحْمُول عَلَى الْمُقَيَّدِ ; لِأَنَّ الَّذِي يُصَلِّي إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِهَا وَلَا سِيَّمَا إِنْ صَلَّى فِي مَشَارِع الْمُشَاة وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر التَّفْرِقَة بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي إِلَى سُتْرَةٍ وَإِلَى غَيْرِ سُتْرَة. وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا : وَلَوْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَوْ كَانَتْ وَتَبَاعَدَ مِنْهَا فَالْأَصَحّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ وَلَا يَحْرُمُ الْمُرُور حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ. ‏ ‏( تَنْبِيه ) : ‏ ‏ذَكَرَ أَبُو مَسْعُود وَغَيْره أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ لِسُلَيْمَانَ بْن الْمُغِيرَة شَيْئًا مَوْصُولًا إِلَّا هَذَا الْحَدِيث. ‏ ‏قَوْله : ( فَأَرَادَ شَابّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْط ) ‏ ‏وَقَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيْم أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَامِر الْأَسْلَمِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم قَالَ "" بَيْنَمَا أَبُو سَعِيد قَائِم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ الْوَلِيد اِبْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَدَفَعَهُ , فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَهُ "" هَذَا آخِر مَا أَوْرَدَهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَفِي تَفْسِير الَّذِي وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ الْوَلِيدُ هَذَا نَظَر ; لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ. زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ "" وَمَرْوَان يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ "" ا ه. وَمَرْوَانُ إِنَّمَا كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَة , وَلَمْ يَكُنْ الْوَلِيد حِينَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَان تَحَوَّلَ إِلَى الْجَزِيرَةِ فَسَكَنَهَا حَتَّى مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَة , وَلَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْن عَلِيٍّ وَمَنْ خَالَفَهُ. وَأَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ الْوَلِيدُ يَوْمئِذٍ شَابًّا , بَلْ كَانَ فِي عَشْر الْخَمْسِينَ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِيهِ : فَأَقْبَلَ اِبْنُ الْوَلِيدِ بْن عُقْبَةَ فَيَتَّجِهُ. وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق حَدِيث الْبَابِ عَنْ دَاوُد بْن قَيْس عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ فِيهِ "" إِذْ جَاءَ شَابّ "" وَلَمْ يُسَمِّهِ أَيْضًا. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ وَقَالَ فِيهِ "" فَذَهَبَ ذُو قَرَابَةٍ لِمَرْوَانَ "". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَلَاء فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيد فَقَالَ فِيهِ "" مَرَّ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بَنِي مَرْوَانَ "". وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ "" فَمَرَّ اِبْنٌ لِمَرْوَانَ "" وَسَمَّاهُ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَان بْن مُوسَى "" دَاوُد بْن مَرْوَان "" وَلَفْظه "" أَرَادَ دَاوُد بْن مَرْوَان أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيد وَمَرْوَان يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَةِ "" فَذَكَرَ الْحَدِيث ُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ اِبْن الْجَوْزِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَسْمِيَة الْمُبْهَم الَّذِي فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ دَاوُد بْن مَرْوَان , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْط وَلَيْسَ مَرْوَانُ مِنْ بَنِيهِ , بَلْ أَبُو مُعَيْط اِبْن عَمِّ وَالِد مَرْوَان ; لِأَنَّهُ أَبُو مُعَيْطِ بْن أَبِي عَمْرو بْن أُمَيَّة , وَوَالِد مَرْوَانَ هُوَ الْحَكَمُ بْن أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيَّة , وَلَيْسَتْ أُمّ دَاوُد وَلَا أُمّ مَرْوَانَ وَلَا أُمَّ الْحَكَم مِنْ وَلَدِ أَبِي مُعَيْط , فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَاوُد نُسِبَ إِلَى أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعَةِ أَوْ لِكَوْن جَدّه لِأُمِّهِ عُثْمَان بْن عَفَّان كَانَ أَخَا لِلْوَلِيدِ بْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط لِأُمِّهِ فَنُسِبَ دَاوُد إِلَيْهِ وَفِيهِ بُعْد , وَالْأَقْرَب أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ تَعَدَّدَتْ لِأَبِي سَعِيد مَعَ غَيْرِ وَاحِد , فَفِي مُصَنَّفِ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيد فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ "" فَأَرَادَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ "" الْحَدِيث , وَعَبْد الرَّحْمَن مَخْزُومِيّ مَا لَهُ مِنْ أَبِي مُعَيْطٍ نِسْبَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ‏ ‏قَوْله : ( فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا ) ‏ ‏بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ , أَيْ مَمَرًّا. وَقَوْلُهُ "" فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيد "" , أَيْ أَصَابَ مِنْ عِرْضِهِ بِالشَّتْمِ. ‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ مَالِك وَلِابْنِ أَخِيك ؟ ) ‏ ‏أَطْلَقَ الْأُخُوَّة بِاعْتِبَارِ الْإِيمَانِ , وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمَارَّ غَيْر الْوَلِيدِ ; لِأَنَّ أَبَاهُ عُقْبَة قُتِلَ كَافِرًا وَاسْتَدَلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الدَّفْع وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ , خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَلِابْنِ الرِّفْعَةِ فِيهِ بَحْثٌ سَنُشِيرُ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ‏ ‏قَوْله : ( فَلْيَدْفَعْهُ ) ‏ ‏, وَلِمُسْلِمٍ "" فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ "" قَالَ الْقُرْطُبِيّ : أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَلَطِيف الْمَنْع. ‏ ‏وَقَوْله : ( فَلْيُقَاتِلْهُ ) ‏ ‏أَيْ يَزِيدُ فِي دَفْعِهِ الثَّانِي أَشَدّ مِنْ الْأَوَّلِ. قَالَ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ , لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِقَاعِدَةِ الْإِقْبَال عَلَى الصَّلَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا وَالْخُشُوعِ فِيهَا ا ه. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَقِيقَة وَاسْتَبْعَدَ اِبْن الْعَرَبِيِّ ذَلِكَ فِي "" الْقَبَسِ "" وَقَالَ : الْمُرَادُ بِالْمُقَاتَلَةِ الْمُدَافَعَةِ. وَأَغْرَبَ الْبَاجِيُّ فَقَالَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد بِالْمُقَاتَلَةِ اللَّعْن أَوْ التَّعْنِيف. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُبْطِل , بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْيَسِيرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْعَنُهُ دَاعِيًا لَا مُخَاطِبًا , لَكِنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ يُخَالِفُهُ , وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ "" فَإِنْ أَبَى فَلْيَجْعَلْ يَدَهُ فِي صَدْرِهِ وَيَدْفَعْهُ "" وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّفْعِ بِالْيَدِ. وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَاتَلَةِ دَفْعٌ أَشَدّ مِنْ الدَّفْعِ الْأَوَّلِ , وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن عُمَر يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ إِذَا تَعَيَّنَتْ فِي دَفْعِهِ , وَبِنَحْوِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا : يَرُدُّهُ بِأَسْهَلِ الْوُجُوه ُ فَإِنْ أَبَى فَبِأَشَدَّ , وَلَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ. فَلَوْ قَتَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُ مُقَاتَلَتَهُ , وَالْمُقَاتَلَةَ الْمُبَاحَةَ لَا ضَمَانَ فِيهَا. وَنَقَلَ عِيَاض وَغَيْره أَنَّ عِنْدَهُمْ خِلَافًا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَنَقَلَ اِبْن بَطَّال وَغَيْره الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَشْيُ مِنْ مَكَانه لِيَدْفَعَهُ , وَلَا الْعَمَل الْكَثِير فِي مُدَافَعَتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُرُورِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَرَّ وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ; لِأَنَّ فِيهِ إِعَادَةً لِلْمُرُورِ , وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره أَنَّ لَهُ ذَلِكَ , وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا رَدَّهُ فَامْتَنَعَ وَتَمَادَى , لَا حَيْثُ يُقَصِّرُ الْمُصَلِّي فِي الرَّدِّ. وَقَالَ النَّوَوِيّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ هَذَا الدَّفْعِ , بَلْ صَرَّحَ أَصْحَابنَا بِأَنَّهُ مَنْدُوب. اِنْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِهِ أَهَّلُ الظَّاهِرِ , فَكَأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يُرَاجِعْ كَلَامَهُمْ فِيهِ أَوْ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ. ‏ ‏قَوْله : ( فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) ‏ ‏أَيْ فِعْلُهُ فِعْل الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّهُ أَبَى إِلَّا التَّشْوِيشَ عَلَى الْمُصَلِّي. وَإِطْلَاقُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمَارِدِ مِنْ الْإِنْسِ سَائِغ شَائِع وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى ( شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَقَالَ اِبْن بَطَّال : فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَاز إِطْلَاق لَفْظ الشَّيْطَانِ عَلَى مَنْ يَفْتِنُ فِي الدِّينِ , وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَسْمَاءِ , لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَصِيرَ الْمَارّ شَيْطَانًا بِمُجَرَّدِ مُرُورِهِ. اِنْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ "" الشَّيْطَانِ "" يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِنِّيِّ وَمَجَازًا عَلَى الْإِنْسِيِّ , وَفِيهِ بَحْث. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : فَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْطَانُ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ "" فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان "" وَنَحْوه لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر بِلَفْظ "" فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ "". وَاسْتَنْبَطَ اِبْن أَبِي جَمْرَة مِنْ قَوْلِهِ "" فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان "" أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ "" فَلْيُقَاتِلْهُ "" الْمُدَافَعَة اللَّطِيفَة لَا حَقِيقَةُ الْقِتَال , قَالَ : لِأَنَّ مُقَاتَلَة الشَّيْطَان إِنَّمَا هِيَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهَا , وَإِنَّمَا جَازَ الْفِعْلُ الْيَسِيرُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ , فَلَوْ قَاتَلَهُ حَقِيقَة الْمُقَاتَلَةِ لَكَانَ أَشَدّ عَلَى صَلَاتِهِ مِنْ الْمَارِّ. قَالَ : وَهَلْ الْمُقَاتَلَةُ لِخَلَلٍ يَقَعُ فِي صَلَاةِ الْمُصَلِّي مِنْ الْمُرُورِ , أَوْ لِدَفْعِ الْإِثْم عَنْ الْمَارِّ ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْره : بَلْ الْأَوَّل أَظْهَرُ ; لِأَنَّ إِقْبَالَ الْمُصَلِّي عَلَى صَلَاتِهِ أَوْلَى لَهُ مِنْ اِشْتِغَالِهِ بِدَفْع الْإِثْم عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود "" أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يَقْطَعُ نِصْفَ صَلَاتِهِ "" وَرَوَى أَبُو نُعَيْم عَنْ عُمَرَ "" لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَا يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا صَلَّى إِلَّا إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ "". فَهَذَانِ الْأَثَرَانِ مُقْتَضَاهُمَا أَنَّ الدَّفْعَ لِخَلَلٍ يَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ الْمُصَلِّي , وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَارِّ , وَهُمَا وَإِنْ كَانَا مَوْقُوفَيْنِ لَفْظًا فَحُكْمُهُمَا حُكْم الرَّفْعِ ; لِأَنَّ مِثْلَهُمَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْي. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!