المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (434)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (434)]
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ
قَوْله : ( عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةِ ) كَذَا رَوَاهُ شُعَيْب , وَتَابَعَهُ إِسْحَاق بْن رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَرَوَاهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ : "" عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ "" بَدَلَ أَبِي سَلَمَة , أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ , وَتَابَعَهُ مَعْمَر عِنْدَ مُسْلِم وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد وَإِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عِنْدَ النَّسَائِيِّ , , وَهَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يَضُرُّ ; لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا مَعًا فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا , وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَقَّبُهَا الدَّارَقُطْنِيّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلْيُسْتَدْرَكْ عَلَيْهِ. وَفِي الْإِسْنَادِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ , وَهُوَ عَلَى شَرْطِ التَّتَبُّعِ أَيْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب "" مَرَّ عُمَر فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّان يُنْشِدُ فَقَالَ : كُنْت أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك. ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ : أَنْشُدُك اللَّهَ "" الْحَدِيثَ. وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَهُمْ مُرْسَلَة ; لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ الْمُرُورِ , وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعِيدًا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة بَعْدُ أَوْ مِنْ حَسَّان , أَوْ وَقْع لِحَسَّانَ اِسْتِشْهَاد أَبِي هُرَيْرَة مَرَّة أُخْرَى فَحَضَرَ ذَلِكَ سَعِيد , وَيُقَوِّيه سِيَاق حَدِيث الْبَاب فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةٍ سَمِعَ حَسَّان يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَة , وَأَبُو سَلَمَةٍ لَمْ يُدْرِكْ زَمَن مُرُور عُمَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ سَعِيد , فَدَلَّ عَلَى تَعَدُّد الِاسْتِشْهَاد , وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اِلْتِفَات حَسَّان إِلَى أَبِي هُرَيْرَة وَاسْتِشْهَاده بِهِ إِنَّمَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا ; لِأَنَّ "" ثُمَّ "" لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ , وَالْأَصْل عَدَم التَّعَدُّدِ وَغَايَته أَنْ يَكُونَ سَعِيد أَرْسَلَ قِصَّةَ الْمُرُورِ ثُمَّ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ اِسْتِشْهَاد حَسَّان لِأَبِي هُرَيْرَة وَهُوَ الْمَقْصُودُ ; لِأَنَّهُ الْمَرْفُوعُ , وَهُوَ مَوْصُولًا بِلَا تَرَدُّد. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله : ( يَسْتَشْهِدُ ) أَيْ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ , وَالْمُرَاد الْإِخْبَار بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الشَّهَادَة مُبَالَغَة فِي تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ. قَوْله : ( أَنْشُدُك ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ , أَيْ سَأَلْتُك اللَّه , وَالنَّشْد بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُون الْمُعْجَمَة التَّذَكُّر. قَوْله : ( أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) فِي رِوَايَةِ سَعِيد "" أَجِبْ عَنِّي "" فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُنَا بِالْمَعْنَى. قَوْله : ( أَيِّدْهُ ) أَيْ قَوِّهِ , وَرُوح الْقُدُسِ الْمُرَاد هَنَا جِبْرِيل , بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْبَرَاء عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِلَفْظِ "" وَجِبْرِيلُ مَعَك "" وَالْمُرَاد بِالْإِجَابَةِ الرَّدّ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ هَجَوْا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةٍ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ "" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصِبُ لِحَسَّان مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو الْكُفَّار , وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي "" الْأَطْرَافِ "" أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ تَعْلِيقًا نَحْوَهُ , وَأَتَمَّ مِنْهُ , لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِ , قَالَ اِبْن بَطَّال : لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ حَسَّان أَنْشَدَ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَكِنَّ رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيق سَعِيد تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّان "" أَجِبْ عَنِّي "" كَانَ فِي الْمَسْجِدِ , وَأَنَّهُ أَنْشَدَ فِيهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيّ أَرَادَ أَنَّ الشِّعْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ , بِدَلِيلِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّان عَلَى شِعْرِهِ , وَإِذَا كَانَ حَقًّا جَاز فِي الْمَسْجِدِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْحَقِّ , وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ الْخَبِيثِ وَاللَّغْوِ السَّاقِطِ. قُلْت : وَالْأَوَّلُ أَلْيَق بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ : إِنَّمَا اِخْتَصَرَ الْبُخَارِيّ الْقِصَّة لِاشْتِهَارِهَا وَلِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. اِنْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ قَالَ "" نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ "" وَإِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَى عَمْرو - فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ - وَفِي الْمَعْنَى عِدَّة أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَال فَالْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْن حَدِيث الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ , وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ : الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُد غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ. وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيث النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ اِبْنُ التِّينِ عَنْهُ , وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ طَرَدَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ دُخُولِ أَصْحَابِ الْحِرَابِ الْمَسْجِد وَكَذَا دُخُول الْمُشْرِكِ.



