المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (431)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (431)]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ
قَوْله : ( أَخْبَرَنِي عَمْرو ) هُوَ اِبْن الْحَارِثِ وَبُكَيْرٌ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجِّ وَعُبَيْد اللَّهِ هُوَ اِبْنُ الْأَسْوَدِ. وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق : بُكَيْر وَعَاصِم وَعُبَيْد اللَّه وَثَلَاثَة مِنْ أَوَّلِهِ مِصْرِيُّونَ , وَثَلَاثَة مِنْ آخِرِهِ مَدَنِيُّونَ وَفِي وَسَطِهِ مَدَنِيّ سَكَن مِصْر وَهُوَ بُكَيْرٌ , فَانْقَسَمَ الْإِسْنَاد إِلَى مِصْرِيٍّ وَمَدَنِيّ. قَوْله : ( عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ ) وَقْع بَيَانُ ذَلِكَ عِنْد مُسْلِم حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ - وَهُوَ مِنْ صِغَار الصَّحَابَة - قَالَ "" لَمَّا أَرَادَ عُثْمَان بِنَاءَ الْمَسْجِدِ كَرِهَ النَّاس ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ "" أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ "" حِينَ بَنَى "" أَيْ حِينِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَان بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ. اِنْتَهَى. وَلَمْ يَبْنِ عُثْمَان الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ بُنْيَان الْمَسْجِد فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاق الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ. أَوْ الْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْض الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ. قَوْله : ( مَسْجِد الرَّسُولِ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ "" مَسْجِد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "" قَوْله : ( إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ ) حُذِفَ الْمَفْعُول لِلْعِلْمِ بِهِ , وَالْمُرَاد الْكَلَام بِالْإِنْكَارِ وَنَحْوه. ( تَنْبِيه ) : كَانَ بِنَاءَ عُثْمَان لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَة ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ , وَقِيلَ فِي آخِر سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ. فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنْ الْحَارِث بْن مِسْكِين عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِك أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَان عُثْمَان الْمَسْجِد : لَوَدِدْت أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَان. قَالَ مَالِك : فَكَانَ كَذَلِكَ. قُلْت : وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّل كَانَ تَارِيخ اِبْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخ اِنْتِهَائِهِ. قَوْله : ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا ) التَّنْكِير فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِير وَالصَّغِير , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَس عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا , وَزَاد اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَان "" وَلَوْ كَمَفْحَص قَطَاة "" وَهَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضًا عِنْدَ اِبْنِ حِبَّانَ وَالْبَزَّار مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. وَعِنْد أَبِي مُسْلِم الْكَجِّيّ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس , وَعِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَس وَابْن عُمَر وَعِنْد أَبِي نُعَيْم فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَرَوَاهُ اِبْن خُزَيْمَة مِنْ حَدِيثِ جَابِر بِلَفْظ "" كَمَفْحَص قَطَاة أَوْ أَصْغَر "" , وَحَمَلَ أَكْثَر الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ ; لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاة عَنْهُ لِتَضَع فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُد عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَاره لِلصَّلَاةِ فِيهِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَة جَابِر هَذِهِ. وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ , وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَة هَذَا الْقَدْر أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَة فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ حِصَّة كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْر , وَهَذَا كُلّه بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ , وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ مَوْضِع السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ الْجَبْهَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ , لَكِنَّ قَوْلَهُ "" بَنَى "" يُشْعِرُ بِوُجُودِ بِنَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أُمِّ حَبِيبَة "" مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا "" أَخْرَجَهُ سَمْوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ , وَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ "" مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اِسْمُ اللَّهِ "" أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَابْن حِبَّان وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْن عَبَسَة , فَكُلّ ذَلِكَ مُشْعِر بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَكَان الْمُتَّخَذ لَا مَوْضِعُ السُّجُود فَقَطْ , لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَة الْآخَر مَجَازًا , إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ , وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنْ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة نَحْو حَدِيث عُثْمَان وَزَاد : قُلْت وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ ؟ قَالَ نَعَمْ. وَلِلطَّبَرانِيّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِرْصَافَة وَإِسْنَادُهُمَا حَسَن. قَوْله : ( قَالَ بُكَيْرٍ حَسِبْت أَنَّهُ ) أَيْ شَيْخِهِ عَاصِمًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ. قَوْله : ( يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ ) أَيْ يَطْلُبُ بِهِ رِضَا اللَّهِ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِخْلَاصِ , وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ , وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا , وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا , فَإِنَّ كُلّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَان مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ "" مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا "" فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ , فَإِنَّ قَوْلَهُ "" لِلَّهِ "" بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ. فَائِدَة : قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اِسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيه كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِخْلَاصِ. اِنْتَهَى. وَمَنْ بَنَاهُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةٍ بْن عَامِر مَرْفُوعًا "" إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَة الْجَنَّة : صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ , وَالرَّامِيَ بِهِ , وَالْمُمِدَّ بِهِ "" فَقَوْله "" الْمُحْتَسِب فِي صَنْعَتِهِ "" أَيْ مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِعَانَةَ الْمُجَاهِدِ , وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ أَوْ بِأُجْرَة , لَكِنَّ الْإِخْلَاصَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ الْمُتَطَوِّعِ , وَهَلْ يَحْصُلُ الثَّوَاب الْمَذْكُور لِمَنْ جَعَلَ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ مَسْجِدًا بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِتَحْوِيطِهَا مِنْ غَيْرِ بَنَاءٍ , وَكَذَا مَنْ عَمَدَ إِلَى بِنَاءٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَوَقَفَهُ مَسْجِدًا ؟ إِنْ وَقَفْنَا مَعَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا , , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى فَنَعَمْ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ , وَكَذَا قَوْله "" بَنَى "" حَقِيقَة فِي الْمُبَاشِرِ بِشَرْطِهَا , لَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي دُخُولَ الْآمِرِ بِذَلِكَ أَيْضًا , وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى اِسْتِدْلَالِ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ , وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. قَوْله : ( بَنَى اللَّهُ ) إِسْنَاد الْبِنَاء إِلَى اللَّهِ مَجَاز , وَإِبْرَاز الْفَاعِلِ فِيهِ لِتَعْظِيمِ ذِكْرِهِ جَلَّ اِسْمُهُ أَوْ لِئَلَّا تَتَنَافَرَ الضَّمَائِر , أَوْ يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى بَانِي الْمَسْجِدِ. قَوْله : ( مِثْلَهُ ) صِفَة لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاء مِثْله , وَلَفْظ "" الْمِثْلِ "" لَهُ اِسْتِعْمَالَانِ : أَحَدُهُمَا الْإِفْرَاد مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنَا وَالْآخَر الْمُطَابَقَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( أُمَم أَمْثَالُكُمْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاء أَبْنِيَة مُتَعَدِّدَة , فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنْ اِسْتَشْكَلَ التَّقْيِيد بِقَوْلِهِ "" مِثْلَهُ "" مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالهَا , لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مَثْلَهُ , وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَاب الْحَسَنَة الْوَاحِدَة وَاحِد بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَضْلِ. وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا فَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدِ بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَيْهِ. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّة , وَالزِّيَادَة حَاصِلَة بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّة فَكَمْ مِنْ بَيْت خَيْر مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَة. أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَة مَنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مَنْ غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ , مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ , إِذْ مَوْضِع شِبْر فِيهَا خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ , وَقَدْ رَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث وَاثِلَة بِلَفْظ "" بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ "" وَلِلطَّبَرانِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَة بِلَفْظِ "" أَوْسَعَ مِنْهُ "" وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْه. وَقَالَ النَّوَوِيّ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوت الدُّنْيَا. قَوْله : ( فِي الْجَنَّةِ ) يَتَعَلَّقُ بِبَنَى , أَوْ هُوَ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ "" مِثْلَهُ "" , وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ , إِذْ الْمَقْصُودُ بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ , وَهُوَ لَا يَسْكُنُهُ إِلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



