المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (414)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (414)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا
قَوْله : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى ) هُوَ الْقَطَّانُ , وَعُبَيْد اللَّه هُوَ اِبْن عُمَر الْعُمَرِيّ. قَوْله : ( مِنْ صَلَاتكُمْ ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ "" مِنْ "" لِلتَّبْعِيضِ , وَالْمُرَاد النَّوَافِل بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر مَرْفُوعًا "" إِذَا قَضَى أَحَدكُمْ الصَّلَاة فِي مَسْجِده فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاته "" , قُلْت : وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الِاحْتِمَال. وَقَدْ حَكَى عِيَاض عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَاهُ : اِجْعَلُوا بَعْض فَرَائِضكُمْ فِي بُيُوتكُمْ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُج إِلَى الْمَسْجِد مِنْ نِسْوَة وَغَيْرهنَّ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا لَكِنَّ الْأَوَّل هُوَ الرَّاجِح. وَقَدْ بَالَغَ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين فَقَالَ : لَا يَجُوز حَمْله عَلَى الْفَرِيضَة , وَقَدْ نَازَعَ الْإِسْمَاعِيلِيّ الْمُصَنِّف أَيْضًا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة فَقَالَ : الْحَدِيث دَالٌّ عَلَى كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْقَبْر لَا فِي الْمَقَابِر. قُلْت : قَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ "" الْمَقَابِر "" كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ "" لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر "" وَقَالَ اِبْن التِّين : تَأَوَّلَهُ الْبُخَارِيّ عَلَى كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر , وَتَأَوَّلَهُ جَمَاعَة عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا فِيهِ النَّدْب إِلَى الصَّلَاة فِي الْبُيُوت إِذْ الْمَوْتَى لَا يُصَلُّونَ , كَأَنَّهُ قَالَ : "" لَا تَكُونُوا كَالْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ , وَهِيَ الْقُبُور "". قَالَ : فَأَمَّا جَوَاز الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر أَوْ الْمَنْع مِنْهُ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يُؤْخَذ مِنْهُ ذَلِكَ. قُلْت : إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوق فَمُسَلَّمٌ , وَإِنْ أَرَادَ نَفْي ذَلِكَ مُطْلَقًا فَلَا , فَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْه اِسْتِنْبَاطه. وَقَالَ فِي النِّهَايَة تَبَعًا لِلْمَطَالِعِ : إِنْ تَأْوِيل الْبُخَارِيّ مَرْجُوح , وَالْأَوْلَى قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ إِنَّ الْمَيِّت لَا يُصَلَّى فِي قَبْره. وَقَدْ نَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ اِسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمَقْبَرَة لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ الصَّلَاة , وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْح السُّنَّة وَالْخَطَّابِيُّ , وَقَالَ أَيْضًا : يُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ وَطَنًا لِلنَّوْمِ فَقَطْ لَا تُصَلُّونَ فِيهَا فَإِنَّ النَّوْم أَخُو الْمَوْت وَالْمَيِّت لَا يُصَلِّي. وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : حَاصِل مَا يَحْتَمِلهُ أَرْبَعَة مَعَانٍ , فَذَكَرَ الثَّلَاثَة الْمَاضِيَة وَرَابِعهَا : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي بَيْته جَعَلَ نَفْسه كَالْمَيِّتِ وَبَيْته كَالْقَبْرِ. قُلْت : وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِم "" مَثَل الْبَيْت الَّذِي يُذْكَر اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْت الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ كَمَثَلِ الْحَيّ وَالْمَيِّت "". قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى النَّهْي عَنْ دَفْن الْمَوْتَى فِي الْبُيُوت فَلَيْسَ بِشَيْءٍ , فَقَدْ دُفِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْته الَّذِي كَانَ يَسْكُنهُ أَيَّام حَيَاته , قُلْت : مَا اِدَّعَى أَنَّهُ تَأْوِيل هُوَ ظَاهِر لَفْظ الْحَدِيث وَلَا سِيَّمَا إِنْ جَعَلَ النَّهْيَ حُكْمًا مُنْفَصِلًا عَنْ الْأَمْر. وَمَا اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى رَدّه تَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ فَقَالَ : لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصه. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْأَنْبِيَاء يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ. قُلْت : هَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مَعَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ أَبِي بَكْر مَرْفُوعًا "" مَا قُبِضَ نَبِيّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَض "" وَفِي إِسْنَاده حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه الْهَاشِمِيّ وَهُوَ ضَعِيف , وَلَهُ طَرِيق أُخْرَى مُرْسَلَة ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِل , وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيق سَالِم بْن عُبَيْد الْأَشْجَعِيّ الصَّحَابِيّ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق أَنَّهُ قِيلَ لَهُ "" فَأَيْنَ يُدْفَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : فِي الْمَكَان الَّذِي قَبَضَ اللَّه فِيهِ رُوحه , فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِض رُوحه إِلَّا فِي مَكَان طَيِّب "" إِسْنَاده صَحِيح لَكِنَّهُ مَوْقُوف. وَاَلَّذِي قَبْله أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُود. وَإِذَا حُمِلَ دَفْنُهُ فِي بَيْته عَلَى الِاخْتِصَاص لَمْ يَبْعُد نَهْي غَيْره عَنْ ذَلِكَ , بَلْ هُوَ مُتَّجَه ; لِأَنَّ اِسْتِمْرَار الدَّفْن فِي الْبُيُوت رُبَّمَا صَيَّرَهَا مَقَابِر فَتَصِير الصَّلَاة فِيهَا مَكْرُوهَة , وَلَفْظ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم أَصْرَحُ مِنْ حَدِيث الْبَاب وَهُوَ قَوْله "" لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر "" فَإِنَّ ظَاهِره يَقْتَضِي النَّهْي عَنْ الدَّفْن فِي الْبُيُوت مُطْلَقًا. وَاللَّهُ أَعْلَم.



