المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (410)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (410)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَوْله فِيهِ "" فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ "" كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ , وَلِلْبَاقِينَ "" أَرْبَع عَشْرَة "" وَهُوَ الصَّوَاب مِنْ هَذَا الْوَجْه , وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّد شَيْخ الْبُخَارِيّ وَفِيهِ "" وَقَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ أَهْل السِّيَر "" كَمَا سَيَأْتِي. وَقَوْله "" وَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّار "" هُمْ أَخْوَال عَبْد الْمُطَّلِب ; لِأَنَّ أُمّه سَلْمَى مِنْهُمْ , فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّزُول عِنْدهمْ لَمَّا تَحَوَّلَ مِنْ قُبَاء , وَالنَّجَّار بَطْن مِنْ الْخَزْرَج وَاسْمه تَيْم اللَّات بْنُ ثَعْلَبَة. قَوْله : ( مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوف ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَال , وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة "" مُتَقَلِّدِي السُّيُوف "" بِحَذْفِ النُّون , وَالسُّيُوف مَجْرُورَة بِالْإِضَافَةِ. قَوْله : ( وَأَبُو بَكْر رِدْفه ) كَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَنْوِيهَا بِقَدْرِهِ , وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْر نَاقَة هَاجَرَ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْهِجْرَة. قَوْله : ( وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّار حَوْله ) أَيْ جَمَاعَتهمْ , وَكَأَنَّهُمْ مَشَوْا مَعَهُ أَدَبًا. وَقَوْله : ( حَتَّى أَلْقَى ) أَيْ أَلْقَى رَحْله , وَالْفِنَاء النَّاحِيَة الْمُتَّسِعَة أَمَام الدَّار. قَوْله : ( وَأَنَّهُ أَمَرَ ) بِالْفَتْحِ عَلَى الْبِنَاء لِلْفَاعِلِ , وَقِيلَ رُوِيَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ. قَوْله : ( ثَامِنُونِي ) بِالْمُثَلَّثَةِ : اُذْكُرُوا لِي ثَمَنه لِأَذْكُرَ لَكُمْ الثَّمَن الَّذِي أَخْتَارهُ , قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْمُسَاوَمَة , فَكَأَنَّهُ قَالَ سَاوِمُونِي فِي الثَّمَن. قَوْله : ( لَا نَطْلُب ثَمَنه إِلَّا إِلَى اللَّه ) تَقْدِيره لَا نَطْلُب الثَّمَن , لَكِنَّ الْأَمْر فِيهِ إِلَى اللَّه , أَوْ "" إِلَى "" بِمَعْنَى مِنْ , وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ "" لَا نَطْلُب ثَمَنه إِلَّا مِنْ اللَّه "" وَزَادَ اِبْن مَاجَهْ "" أَبَدًا "". وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ثَمَنًا. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْل السِّيَر كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله : ( فَكَانَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَائِط الَّذِي بَنَى فِي مَكَانه الْمَسْجِد. قَوْله : ( وَفِيهِ خَرِب ) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : الْمَعْرُوف فِيهِ فَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَسْر الرَّاء بَعْدهَا مُوَحَّدَة جَمْع خَرِبَة كَكَلِم وَكَلِمَة. قُلْت : وَكَذَا ضُبِطَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ , وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا كَسْر أَوَّله وَفَتْح ثَانِيه جَمْع خَرِبَة كَعِنَبِ وَعِنَبَة , ولِلْكُشْمِيهَنِيّ "" حَرْث "" بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا مُثَلَّثَة , وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ رِوَايَة عَبْد الْوَارِث بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَة وَرِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ أَبِي التَّيَّاح بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَة , فَعَلَى هَذَا فَرِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ وَهْمٌ ; لِأَنَّ الْبُخَارِيّ إِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد الْوَارِث , وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ ضَبْطًا آخَر , وَفِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي مَعَ بَقِيَّة مَا فِيهِ فِي كِتَاب الْهِجْرَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْله فِي آخِره ( فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ "" فَاغْفِرْ الْأَنْصَار "" بِحَذْفِ اللَّام , وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ ضَمَّنَ اِغْفِرْ مَعْنَى اُسْتُرْ , وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّد بِلَفْظِ "" فَانْصُرْ الْأَنْصَار "". وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّصَرُّف فِي الْمَقْبَرَة الْمَمْلُوكَة بِالْهِبَةِ وَالْبَيْع , وَجَوَاز نَبْش الْقُبُور الدَّارِسَة إِذَا لَمْ تَكُنْ مُحْتَرَمَة , وَجَوَاز الصَّلَاة فِي مَقَابِر الْمُشْرِكِينَ بَعْد نَبْشهَا وَإِخْرَاج مَا فِيهَا , وَجَوَاز بِنَاء الْمَسَاجِد فِي أَمَاكِنهَا , قِيلَ وَفِيهِ جَوَاز قَطْع الْأَشْجَار الْمُثْمِرَة لِلْحَاجَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْله "" وَأَمَرَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ "" وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِمَّا لَا يُثْمِر إِمَّا بِأَنْ يَكُون ذُكُورًا وَإِمَّا أَنْ يَكُون طَرَأَ عَلَيْهِ مَا قَطَعَ ثَمَرَته. وَسَيَأْتِي صِفَة هَيْئَة بِنَاء الْمَسْجِد مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر وَغَيْره قَرِيبًا.



