المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (409)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (409)]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى ) هُوَ الْقَطَّانُ ( عَنْ هِشَام ) هُوَ اِبْن عُرْوَة. قَوْله : ( عَنْ عَائِشَة ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه "" أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ "". قَوْله : ( أَنَّ أُمّ حَبِيبَة ) أَيْ رَمْلَة بِنْت أَبِي سُفْيَان الْأُمَوِيَّة ( وَأُمّ سَلَمَة ) أَيْ هِنْد بِنْت أَبِي أُمَيَّة الْمَخْزُومِيَّة وَهُمَا مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتَا مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَة كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه. قَوْله : ( ذَكَرَتَا ) كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة , وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ "" ذَكَرَا "" بِالتَّذْكِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ. قَوْله : ( رَأَيْنَهَا ) أَيْ هُمَا وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا , ولِلْكُشْمِيهَنِيّ وَالْأَصِيلِيّ "" رَأَتَاهَا "" وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا فِي "" بَاب الصَّلَاة فِي الْبِيعَة "" مِنْ طَرِيق عَبْدَة عَنْ هِشَام أَنَّ تِلْكَ الْكَنِيسَة كَانَتْ تُسَمَّى مَارِيَة بِكَسْرِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء التَّحْتَانِيَّة , وَلَهُ فِي الْجَنَائِز مِنْ طَرِيق مَالِك عَنْ هِشَام نَحْوه , وَزَادَ فِي أَوَّله "" لَمَّا اِشْتَكَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "" وَمِنْ طَرِيق هِلَال عَنْ عُرْوَة بِلَفْظِ "" قَالَ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ "" وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جُنْدُب أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْو ذَلِكَ قَبْل أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ وَزَادَ فِيهِ "" فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ "". اِنْتَهَى. وَفَائِدَة التَّنْصِيص عَلَى زَمَن النَّهْي الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَمْر الْمُحْكَم الَّذِي لَمْ يُنْسَخ لِكَوْنِهِ 222 صَدَرَ فِي آخِر حَيَاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله : ( إِنَّ أُولَئِكِ ) بِكَسْرِ الْكَاف وَيَجُوز فَتْحُهَا. قَوْله : ( فَمَاتَ ) عَطْف عَلَى قَوْله "" كَانَ "" وَقَوْله "" بَنَوْا "" جَوَاب "" إِذَا "". قَوْله : ( وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَر ) وَلِلْمُسْتَمْلِي "" تِيك الصُّوَر "" بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّة بَدَل اللَّام , وَفِي الْكَاف فِيهَا وَفِي أُولَئِكِ مَا فِي أُولَئِكِ الْمَاضِيَة , وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَوَائِلهمْ لِيَتَأَنَّسُوا بِرُؤْيَةِ تِلْكَ الصُّوَر وَيَتَذَكَّرُوا أَحْوَالهمْ الصَّالِحَة فَيَجْتَهِدُوا كَاجْتِهَادِهِمْ , ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خُلُوف جَهِلُوا مُرَادهمْ وَوَسْوَسَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَنَّ أَسْلَافكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ هَذِهِ الصُّوَر وَيُعَظِّمُونَهَا فَعَبَدُوهَا , فَحَذَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الْمُؤَدِّيَة إِلَى ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَحْرِيم التَّصْوِير , وَحَمَلَ بَعْضهمْ الْوَعِيد عَلَى مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان لِقُرْبِ الْعَهْد بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان , وَأَمَّا الْآن فَلَا. وَقَدْ أَطْنَبَ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي رَدّ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَاب اللِّبَاس. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : لَمَّا كَانَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاء تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَة يَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاة نَحْوهَا وَاِتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا لَعَنَهُمْ وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ , فَأَمَّا مَنْ اِتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَار صَالِح وَقَصَدَ التَّبَرُّك بِالْقُرْبِ مِنْهُ لَا التَّعْظِيم لَهُ وَلَا التَّوَجُّه نَحْوه فَلَا يَدْخُل فِي ذَلِكَ الْوَعِيد وَفِي الْحَدِيث جَوَاز حِكَايَة مَا يُشَاهِدهُ الْمُؤْمِن مِنْ الْعَجَائِب , وَوُجُوب بَيَان حُكْم ذَلِكَ عَلَى الْعَالِم بِهِ , وَذَمّ فَاعِل الْمُحَرَّمَات , وَأَنَّ الِاعْتِبَار فِي الْأَحْكَام بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ. وَفِيهِ كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر سَوَاء كَانَتْ بِجَنْبِ الْقَبْر أَوْ عَلَيْهِ أَوْ إِلَيْهِ , وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ قَرِيبًا , وَيَأْتِي حَدِيث أَنَس فِي بِنَاء الْمَسْجِد مَبْسُوطًا فِي كِتَاب الْهِجْرَة , وَإِسْنَاده كُلّهمْ بَصْرِيُّونَ.


