موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (388)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (388)]

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنَا ‏ ‏مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏بَيْنَا النَّاسُ ‏ ‏بِقُبَاءٍ ‏ ‏فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ ‏ ‏أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ ‏ ‏الْكَعْبَةَ ‏ ‏فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى ‏ ‏الشَّأْمِ ‏ ‏فَاسْتَدَارُوا إِلَى ‏ ‏الْكَعْبَةِ ‏


‏ ‏قَوْله ( بَيْنَا النَّاس بِقُبَاءٍ ) ‏ ‏بِالْمَدِّ وَالصَّرْف وَهُوَ الْأَشْهَر , وَيَجُوز فِيهِ الْقَصْر وَعَدَم الصَّرْف وَهُوَ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث : مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ ظَاهِر الْمَدِينَة , وَالْمُرَاد هُنَا مَسْجِد أَهْل قُبَاء فَفِيهِ مَجَاز الْحَذْف , وَاللَّام فِي النَّاس لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيّ وَالْمُرَاد أَهْل قُبَاء وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ. ‏ ‏قَوْله : ( فِي صَلَاة الصُّبْح ) ‏ ‏وَلِمُسْلِمٍ "" فِي صَلَاة الْغَدَاة "" وَهُوَ أَحَد أَسْمَائِهَا , وَقَدْ نَقَلَ بَعْضهمْ كَرَاهِيَة تَسْمِيَتهَا بِذَلِكَ. وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاء الْمُتَقَدِّم فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاة الْعَصْر , وَالْجَوَاب أَنْ لَا مُنَافَاة بَيْن الْخَبَرَيْنِ ; لِأَنَّ الْخَبَر وَصَلَ وَقْت الْعَصْر إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِل الْمَدِينَة وَهُمْ بَنُو حَارِثَة وَذَلِكَ فِي حَدِيث الْبَرَاء , وَالْآتِي إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّاد بْن بِشْر أَوْ اِبْن نَهِيك كَمَا تَقَدَّمَ , وَوَصَلَ الْخَبَر وَقْت الصُّبْح إِلَى مَنْ هُوَ خَارِج الْمَدِينَة وَهُمْ بَنُو عَمْرو بْن عَوْف أَهْل قُبَاء وَذَلِكَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر , وَلَمْ يُسَمَّ الْآتِي بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ , وَإِنْ كَانَ اِبْن طَاهِر وَغَيْره نَقَلُوا أَنَّهُ عَبَّاد بْن بِشْر فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقّ بَنِي حَارِثَة فِي صَلَاة الْعَصْر , فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَبَّاد أَتَى بَنِي حَارِثَة أَوَّلًا فِي وَقْت الْعَصْر ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى أَهْل قُبَاء فَأَعْلَمهُمْ بِذَلِكَ فِي وَقْت الصُّبْح. وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى تَعَدُّدهمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيث أَنَس "" أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَة مَرَّ وَهُمْ رُكُوع فِي صَلَاة الْفَجْر "" فَهَذَا مُوَافِق لِرِوَايَةِ اِبْن عُمَر فِي تَعْيِين الصَّلَاة , وَبَنُو سَلَمَة غَيْر بَنِي حَارِثَة. ‏ ‏قَوْله : ( قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَة قُرْآنٌ ) ‏ ‏فِيهِ إِطْلَاق اللَّيْلَة عَلَى بَعْض الْيَوْم الْمَاضِي وَاللَّيْلَة الَّتِي تَلِيه مَجَازًا , وَالتَّنْكِير فِي قَوْله "" قُرْآن "" لِإِرَادَةِ الْبَعْضِيَّة , وَالْمُرَاد قَوْله : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِك فِي السَّمَاء ) الْآيَات. ‏ ‏قَوْله : ( وَقَدْ أُمِرَ ) ‏ ‏فِيهِ أَنَّ مَنْ يُؤْمَر بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْزَم أُمَّته , وَأَنَّ أَفْعَاله يُتَأَسَّى بِهَا كَأَقْوَالِهِ حَتَّى يَقُوم دَلِيل الْخُصُوص. ‏ ‏قَوْله : ( فَاسْتَقْبَلُوهَا ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة لِلْأَكْثَرِ أَيْ فَتَحَوَّلُوا إِلَى جِهَة الْكَعْبَة , وَفَاعِل "" اِسْتَقْبَلُوهَا "" الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ أَهْل قُبَاء. ‏ ‏وَقَوْله : ( وَكَانَتْ وُجُوههمْ إِلَخْ ) ‏ ‏تَفْسِير مِنْ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُور , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون فَاعِل اِسْتَقْبَلُوهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ , وَضَمِير "" وُجُوههمْ "" لَهُمْ أَوْ لِأَهْلِ قُبَاء عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ. وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ فَاسْتَقْبَلُوهَا بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَة بِصِيغَةِ الْأَمْر , وَيَأْتِي فِي ضَمِير وُجُوههمْ الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ , وَعَوْده إِلَى أَهْل قُبَاء أَظْهَرُ , وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ أَنَّهُ عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ "" وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة , أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا "" فَدُخُول حَرْف الِاسْتِفْتَاح يُشْعِر بِأَنَّ الَّذِي بَعْده أَمْرٌ لَا أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَبَر الَّذِي قَبْله , وَاللَّهُ أَعْلَم. وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّة التَّحَوُّل فِي حَدِيث ثُوَيْلَة بِنْت أَسْلَمَ عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضه قَرِيبًا وَقَالَتْ فِيهِ "" فَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء , فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام "". قُلْت : وَتَصْوِيره أَنَّ الْإِمَام تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانه فِي مُقَدَّم الْمَسْجِد إِلَى مُؤَخَّر الْمَسْجِد ; لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة اِسْتَدْبَرَ بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانه لَمْ يَكُنْ خَلْفه مَكَان يَسَع الصُّفُوف , وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَام تَحَوَّلَتْ الرِّجَال حَتَّى صَارُوا خَلْفه وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاء حَتَّى صِرْنَ خَلْف الرِّجَال , وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاة فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل تَحْرِيم الْعَمَل الْكَثِير كَمَا كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اُغْتُفِرَ الْعَمَل الْمَذْكُور مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَة الْمَذْكُورَة , أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْد التَّحْوِيل بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَة. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ حُكْم النَّاسِخ لَا يَثْبُت فِي حَقّ الْمُكَلَّف حَتَّى يَبْلُغهُ ; لِأَنَّ أَهْل قُبَاء لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ مَعَ كَوْن الْأَمْر بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَقَعَ قَبْل صَلَاتهمْ تِلْكَ بِصَلَوَاتٍ. وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَة وَلَمْ يُمْكِنْهُ اِسْتِعْلَام ذَلِكَ فَالْفَرْض غَيْر لَازِم لَهُ. وَفِيهِ جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَمَادَوْا فِي الصَّلَاة وَلَمْ يَقْطَعُوهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَجَحَ عِنْدهمْ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّل عَلَى الْقَطْع وَالِاسْتِئْنَاف , وَلَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد , كَذَا قِيلَ , وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عِنْدهمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سَابِق. ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَرَقِّبًا التَّحَوُّل الْمَذْكُور فَلَا مَانِع أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا صَنَعُوا مِنْ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّل. وَفِيهِ قَبُول خَبَر الْوَاحِد وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ وَنَسْخُ مَا تَقَرَّرَ بِطَرِيقِ الْعِلْم بِهِ ; لِأَنَّ صَلَاتهمْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس كَانَتْ عِنْدهمْ بِطَرِيقِ الْقَطْع لِمُشَاهَدَتِهِمْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَته , وَوَقَعَ تَحَوُّلهمْ عَنْهَا إِلَى جِهَة الْكَعْبَة بِخَبَرِ هَذَا الْوَاحِد , وَأُجِيب بِأَنَّ الْخَبَر الْمَذْكُور اِحْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِن وَمُقَدَّمَات أَفَادَتْ الْقَطْع عِنْدهمْ بِصِدْقِ ذَلِكَ الْمُخْبِر فَلَمْ يَنْسَخ عِنْدهمْ مَا يُفِيد الْعِلْم إِلَّا بِمَا يُفِيد الْعِلْم , وَقِيلَ : كَانَ النَّسْخ بِخَبَرِ الْوَاحِد جَائِزًا فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا مُنِعَ بَعْده , وَيَحْتَاج إِلَى دَلِيل. وَفِيهِ جَوَاز تَعْلِيم مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاة مَنْ هُوَ فِيهَا , وَأَنَّ اِسْتِمَاع الْمُصَلِّي لِكَلَام مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِد صَلَاته. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى تَعْيِين الْوَقْت الَّذِي حُوِّلَتْ فِيهِ الْقِبْلَة فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث الْبَرَاء فِي كِتَاب الْإِيمَان , وَوَجْه تَعَلُّق حَدِيث اِبْن عُمَر بِتَرْجَمَةِ الْبَاب أَنَّ دَلَالَته عَلَى الْجُزْء الْأَوَّل مِنْهَا مِنْ قَوْله "" أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة "" وَعَلَى الْجُزْء الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ صَلَّوْا فِي أَوَّل تِلْكَ الصَّلَاة إِلَى الْقِبْلَة الْمَنْسُوخَة جَاهِلِينَ بِوُجُوبِ التَّحَوُّل عَنْهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ مَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ فَيَكُون حُكْم السَّاهِي كَذَلِكَ , لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّق بَيْنهمَا بِأَنَّ الْجَاهِل مُسْتَصْحِبٌ لِلْحُكْمِ الْأَوَّل مُغْتَفَرٌ فِي حَقّه مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقّ السَّاهِي ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون عَنْ حُكْم اِسْتَقَرَّ عِنْده وَعَرَفَهُ. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!