المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (387)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (387)]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ و حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا
قَوْله : ( عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ عُمَر ) هُوَ مِنْ رِوَايَة صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ , لَكِنَّهُ صَغِيرٌ عَنْ كَبِيرٍ. قَوْله : ( وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث ) أَيْ وَقَائِع , وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآن عَلَى وَفْق مَا رَأَيْت , لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَب أَسْنَدَ الْمُوَافَقَة إِلَى نَفْسه , أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوث رَأْيه وَقِدَم الْحُكْم , وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصه الْعَدَد بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَة فِي أَشْيَاء غَيْر هَذِهِ مِنْ مَشْهُورهَا قِصَّة أُسَارَى بَدْر وَقِصَّة الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ , وَهُمَا فِي الصَّحِيح , وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ "" مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْر قَطّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَر إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآن فِيهِ عَلَى نَحْو مَا قَالَ عُمَر "" وَهَذَا دَالٌّ عَلَى كَثْرَة مُوَافَقَته , وَأَكْثَر مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَة عَشَر لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَب الْمَنْقُول , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى مَقَام إِبْرَاهِيم , وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى مَسْأَلَة الْحِجَاب فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب , وَعَلَى مَسْأَلَة التَّخْيِير فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم , وَقَوْله فِي هَذِهِ الرِّوَايَة "" وَاجْتَمَعَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَة عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُنَّ : عَسَى رَبّه إِلَخْ "" وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة زِيَادَة يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي بَاب عِشْرَة النِّسَاء فِي أَوَاخِر النِّكَاح. وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اللَّائِق إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث فِي الْبَاب الْمَاضِي وَهُوَ قَوْله : ( وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وَالْجَوَاب أَنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى حَدِيث اِبْن عُمَر لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوع ذَلِكَ مِنْ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ حَدِيث عُمَر هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِذَلِكَ , وَأَمَّا مُنَاسَبَته لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ التَّرْجَمَة مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا , فَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ فَسَّرَ مَقَام إِبْرَاهِيم بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِر , أَوْ بِالْحَرَمِ كُلّه فَمِنْ فِي قَوْله : ( مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم ) لِلتَّبْعِيضِ , وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَة , أَوْ بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم وَهُوَ الْأَظْهَر فَيَكُون تَعَلُّقه بِالْمُتَعَلِّقِ بِالْقِبْلَةِ لَا بِنَفْسِ الْقِبْلَة , وَقَالَ اِبْن رَشِيد : الَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ تَعَلُّق الْحَدِيث بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَة إِلَى مَوْضِع الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة ; لِأَنَّ عُمَر اِجْتَهَدَ فِي أَنْ اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمُصَلَّى إِلَى مَقَام إِبْرَاهِيم الَّذِي هُوَ فِي وَجْه الْكَعْبَة فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَات الْقِبْلَة بِالِاجْتِهَادِ , وَحَصَلَتْ مُوَافَقَته عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيب اِجْتِهَاد الْمُجْتَهِد إِذَا بَذَلَ وُسْعه وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن أَبِي مَرْيَم ) فِي رِوَايَة كَرِيمَة "" حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي مَرْيَم "" , وَفَائِدَة إِيرَاد هَذَا الْإِسْنَاد مَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيح بِسَمَاعِ حُمَيْدٍ مِنْ أَنَس فَأُمِنَ مِنْ تَدْلِيسه , وَقَوْله : ( بِهَذَا ) أَيْ إِسْنَادًا وَمَتْنًا , فَهُوَ مِنْ رِوَايَة أَنَس عَنْ عُمَر لَا مِنْ رِوَايَة أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفَائِدَة التَّعْلِيق الْمَذْكُور تَصْرِيح حُمَيْدٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَس , وَقَدْ تَعَقَّبَهُ بَعْضهمْ بِأَنَّ يَحْيَى بْن أَيُّوب لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ وَإِنْ خَرَّجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَات. وَأَقُول : وَهَذَا مِنْ جُمْلَة الْمُتَابَعَات , وَلَمْ يَنْفَرِد يَحْيَى بْن أَيُّوب بِالتَّصْرِيحِ الْمَذْكُور فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة يُوسُف الْقَاضِي عَنْ أَبِي الرَّبِيع الزُّهْرَانِيّ عَنْ هُشَيْم أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَس. وَاللَّهُ أَعْلَم.


