المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (322)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (322)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ
قَوْله : ( عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم ) أَيْ اِبْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَرِجَاله سِوَى شَيْخ الْبُخَارِيّ مَدَنِيُّونَ. قَوْله : ( فِي بَعْض أَسْفَاره ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي التَّمْهِيد : يُقَال إِنَّهُ كَانَ فِي غَزَاة بَنِي الْمُصْطَلِق , وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي "" الِاسْتِذْكَار "" وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ اِبْن سَعْد وَابْن حِبَّانَ. وَغَزَاة بَنِي الْمُصْطَلِق هِيَ غَزْوَة الْمُرَيْسِيعِ , وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّة الْإِفْك لِعَائِشَة , وَكَانَ اِبْتِدَاء ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوع عِقْدهَا أَيْضًا , فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَة مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيَاقهمَا , وَاسْتَبْعَدَ بَعْض شُيُوخنَا ذَلِكَ قَالَ : لِأَنَّ الْمُرَيْسِيع مِنْ نَاحِيَة مَكَّة بَيْن قَدِيد وَالسَّاحِل , وَهَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ مِنْ نَاحِيَة خَيْبَر لِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيث "" حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْش "" وَهُمَا بَيْن الْمَدِينَة وَخَيْبَر كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ. قُلْت : وَمَا جَزَمَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ اِبْن التِّين فَإِنَّهُ قَالَ : الْبَيْدَاء هِيَ ذُو الْحُلَيْفَة بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَدِينَة مِنْ طَرِيق مَكَّة , قَالَ : وَذَات الْجَيْش وَرَاء ذِي الْحُلَيْفَة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْبَكْرِيّ فِي مُعْجَمه : الْبَيْدَاء أَدْنَى إِلَى مَكَّة مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة. ثُمَّ سَاقَ حَدِيث عَائِشَة هَذَا. ثُمَّ سَاقَ حَدِيث اِبْن عُمَر قَالَ "" بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا , مَا أَهَلَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْد الْمَسْجِد "" الْحَدِيث. قَالَ : وَالْبَيْدَاء هُوَ الشَّرَف الَّذِي قُدَّام ذِي الْحُلَيْفَة فِي طَرِيق مَكَّة. وَقَالَ أَيْضًا : ذَات الْجَيْش مِنْ الْمَدِينَة عَلَى بَرِيد , قَالَ : وَبَيْنهَا وَبَيْن الْعَقِيق سَبْعَة أَمْيَال , وَالْعَقِيق مِنْ طَرِيق مَكَّة لَا مِنْ طَرِيق خَيْبَر , فَاسْتَقَامَ مَا قَالَ اِبْن التِّين. وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده عَنْ سُفْيَان قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ فِيهِ "" إِنَّ الْقِلَادَة سَقَطَتْ لَيْلَة الْأَبْوَاء "" ا ه , وَالْأَبْوَاء بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة. وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن مُسْهِر فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ هِشَام قَالَ. "" وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَان يُقَال لَهُ الصُّلْصُل "" رَوَاهُ جَعْفَر الْفِرْيَابِيّ فِي كِتَاب الطَّهَارَة لَهُ وَابْن عَبْد الْبَرّ مِنْ طَرِيقه , وَالصُّلْصُل بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَة بَيْن الصَّادَيْنِ , قَالَ الْبَكْرِيُّ : هُوَ جَبَل عِنْد ذِي الْحُلَيْفَة , كَذَا ذَكَره فِي حَرْف الصَّاد الْمُهْمَلَة , وَوَهِمَ مُغَلْطَايْ فِي فَهْمِ كَلَامه فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة , وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ بَعْض الشُّرَّاح وَتَصَرَّفَ فِيهِ فَزَادَهُ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ , وَعُرِفَ مِنْ تَضَافُر هَذِهِ الرِّوَايَات تَصْوِيب مَا قَالَهُ اِبْن التِّين , وَاعْتَمَدَ بَعْضهمْ فِي تَعَدُّدِ السَّفَر عَلَى رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيِّ صَرِيحَة فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله : ( عِقْد ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة كُلّ مَا يُعْقَد وَيُعَلَّق فِي الْعُنُق , وَيُسَمَّى قِلَادَة كَمَا سَيَأْتِي , وَفِي التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث "" سَقَطَتْ قِلَادَة لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَة , فَأَنَاخَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ "" وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْد قُرْبهمْ مِنْ الْمَدِينَة. قَوْله : ( عَلَى اِلْتِمَاسه ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبه , وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَبْعُوث فِي طَلَبه أُسَيْد بْن حُضَيْرٍ وَغَيْره. قَوْله : ( وَلَيْسُوا عَلَى مَاء , وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ , وَسَقَطَتْ الْجُمْلَة الثَّانِيَة فِي الْمَوْضِع الْأَوَّل مِنْ رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ , وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَاز الْإِقَامَة فِي الْمَكَان الَّذِي لَا مَاء فِيهِ , وَكَذَا سُلُوك الطَّرِيق الَّتِي لَا مَاء فِيهَا , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمَدِينَة كَانَتْ قَرِيبَة مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى قَصْد دُخُولهَا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم بِعَدَمِ الْمَاء مَعَ الرَّكْب وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمَكَان لَا مَاء فِيهِ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْله "" لَيْسَ مَعَهُمْ مَاء "" أَيْ لِلْوُضُوءِ , وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِلشُّرْبِ فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعَهُمْ , وَالْأَوَّل مُحْتَمَل لِجَوَازِ إِرْسَال الْمَطَر أَوْ نَبْع الْمَاء مِنْ بَيْن أَصَابِعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ فِي مَوَاطِن أُخْرَى. وَفِيهِ اِعْتِنَاء الْإِمَام بِحِفْظِ حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قَلَّتْ , فَقَدْ نَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ثَمَن الْعِقْد الْمَذْكُور كَانَ اِثْنَيْ عَشَر دِرْهَمًا , وَيَلْتَحِق بِتَحْصِيلِ الضَّائِع الْإِقَامَة لِلُحُوقِ الْمُنْقَطِع وَدَفْن الْمَيِّت وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ مَصَالِح الرَّعِيَّة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى تَرْك إِضَاعَة الْمَال. قَوْله : ( فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْر ) فِيهِ شَكْوَى الْمَرْأَة إِلَى أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْج , وَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا شَكَوْا إِلَى أَبِي بَكْر لِكَوْنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا وَكَانُوا لَا يُوقِظُونَهُ. وَفِيهِ نِسْبَة الْفِعْل إِلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهِ لِقَوْلِهِمْ : صَنَعَتْ وَأَقَامَتْ , وَفِيهِ جَوَاز دُخُول الرَّجُل عَلَى اِبْنَته وَإِنْ كَانَ زَوْجهَا عِنْدهَا إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ حَالَةَ مُبَاشَرَةٍ. قَوْله : ( فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْر , وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُول ) فِي رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث فَقَالَ : حَبَسْت النَّاس فِي قِلَادَة , أَيْ بِسَبَبِهَا. وَسَيَأْتِي مِنْ الطَّبَرَانِيّ أَنَّ مِنْ جُمْلَة مَا عَاتَبَهَا بِهِ قَوْله "" فِي كُلّ مَرَّة تَكُونِينَ عَنَاء "". وَالنُّكْتَة فِي قَوْل عَائِشَة "" فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْر "" وَلَمْ تَقُلْ أَبِي ; لِأَنَّ قَضِيَّة الْأُبُوَّة الْحُنُوّ , وَمَا وَقَعَ مِنْ الْعِتَاب بِالْقَوْلِ وَالتَّأْنِيب بِالْفِعْلِ مُغَايِر لِذَلِكَ فِي الظَّاهِر , فَلِذَلِكَ أَنْزَلَتْهُ مَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فَلَمْ تَقُلْ أَبِي. قَوْله : ( يَطْعُنُنِي ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن , وَكَذَا فِي جَمِيع مَا هُوَ حِسِّيّ , وَأَمَّا الْمَعْنَوِيّ فَيُقَال يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ , هَذَا الْمَشْهُور فِيهِمَا , وَحُكِيَ فِيهِمَا الْفَتْح مَعًا فِي الْمَطَالِع وَغَيْرهَا , وَالضَّمّ فِيهِمَا حَكَاهُ صَاحِب الْجَامِع. وَفِيهِ تَأْدِيب الرَّجُل اِبْنَته وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَة كَبِيرَة خَارِجَة عَنْ بَيْته , وَيَلْحَق بِذَلِكَ تَأْدِيب مِنْ لَهُ تَأْدِيبه وَلَوْ لَمْ يَأْذَن لَهُ الْإِمَام. قَوْله : ( فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّك ) فِيهِ اِسْتِحْبَاب الصَّبْر لِمَنْ نَالَهُ مَا يُوجِب الْحَرَكَة أَوْ يَحْصُل بِهِ تَشْوِيش لِنَائِمٍ , وَكَذَا لِمُصَلٍّ أَوْ قَارِئ أَوْ مُشْتَغِل بِعِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ. قَوْله : ( فَقَامَ حِين أَصْبَحَ ) كَذَا أَوْرَدَهُ هُنَا , وَأَوْرَدَهُ فِي فَضْل أَبِي بَكْر عَنْ قُتَيْبَة عَنْ مَالِك بِلَفْظِ "" فَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ "" وَهِيَ رِوَايَة مُسْلِم وَرَوَاهُ الْمُوَطَّأ , وَالْمَعْنَى فِيهِمَا مُتَقَارِب ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قِيَامه مِنْ نَوْمه كَانَ عِنْد الصُّبْح , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ "" حَتَّى أَصْبَحَ "" بَيَان غَايَة النَّوْم إِلَى الصَّبَاح , بَلْ بَيَان غَايَة فَقْد الْمَاء إِلَى الصَّبَاح ; لِأَنَّهُ قَيَّدَ قَوْله "" حَتَّى أَصْبَحَ "" بِقَوْلِهِ "" عَلَى غَيْر مَاء "" أَيْ آلَ أَمْره إِلَى أَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْر مَاء , وَأَمَّا رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث فَلَفْظهَا "" ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتْ الصُّبْح "" فَإِنْ أُعْرِبَتْ الْوَاو حَالِيَّة كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِيقَاظ وَقَعَ حَال وُجُود الصَّبَاح وَهُوَ الظَّاهِر , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الرُّخْصَة فِي تَرْك التَّهَجُّد فِي السَّفَر إِنْ ثَبَتَ أَنَّ التَّهَجُّد كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ , وَعَلَى أَنَّ طَلَب الْمَاء لَا يَجِبُ إِلَّا بَعْد دُخُول الْوَقْت لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث بَعْد قَوْله وَحَضَرَتْ الصُّبْح "" فَالْتَمَسَ الْمَاء فَلَمْ يُوجَد "" وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوء كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْل نُزُول آيَة التَّيَمُّم وَلِهَذَا اِسْتَعْظَمُوا نُزُولهمْ عَلَى غَيْر مَاء. وَوَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْر فِي حَقّ عَائِشَة مَا وَقَعَ. قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَعْلُوم عِنْد جَمِيع أَهْل الْمَغَازِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَّا بِوُضُوءٍ , وَلَا يَدْفَع ذَلِكَ إِلَّا جَاهِل أَوْ مُعَانِد. قَالَ : وَفِي قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث "" آيَة التَّيَمُّم "" إِشَارَة إِلَى أَنَّ الَّذِي طَرَأَ إِلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْم حِينَئِذٍ حُكْم التَّيَمُّم لَا حُكْم الْوُضُوء. قَالَ : وَالْحِكْمَة فِي نُزُول آيَة الْوُضُوء - مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَل بِهِ - لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ. وَقَالَ غَيْره : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَوَّل آيَة الْوُضُوء نَزَلَ قَدِيمًا فَعَلِمُوا بِهِ الْوُضُوء , ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتهَا وَهُوَ ذِكْر التَّيَمُّم فِي هَذِهِ الْقِصَّة , وَإِطْلَاق آيَة التَّيَمُّم عَلَى هَذَا مِنْ تَسْمِيَة الْكُلّ بِاسْمِ الْبَعْض , لَكِنَّ رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّف أَخْرَجَهَا فِي التَّفْسِير تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ جَمِيعًا فِي هَذِهِ الْقِصَّة , فَالظَّاهِر مَا قَالَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ. قَوْله ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّم ) قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذِهِ مُعْضِلَة مَا وَجَدْت لِدَائِهَا مِنْ دَوَاء ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم أَيّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة. قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : هِيَ آيَة النِّسَاء أَوْ آيَة الْمَائِدَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : هِيَ آيَة النِّسَاء. وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَة الْمَائِدَة تُسَمَّى آيَة الْوُضُوء وَآيَة النِّسَاء لَا ذِكْر فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَه تَخْصِيصهَا بِآيَةِ التَّيَمُّم. وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيّ فِي أَسْبَاب النُّزُول هَذَا الْحَدِيث عِنْد ذِكْر آيَة النِّسَاء أَيْضًا , وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيع مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيّ مِنْ أَنَّ الْمُرَاد بِهَا آيَة الْمَائِدَة بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرو بْن الْحَارِث إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ "" فَنَزَلَتْ ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ) الْآيَة "". قَوْله : ( فَتَيَمَّمُوا ) يُحْتَمَل أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ فِعْل الصَّحَابَة , أَيْ فَتَيَمَّمَ النَّاسُ بَعْد نُزُول الْآيَة , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون حِكَايَة لِبَعْضِ الْآيَة وَهُوَ الْأَمْر فِي قَوْله : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) بَيَانًا لِقَوْلِهِ "" آيَة التَّيَمُّم "" أَوْ بَدَلًا. وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوب النِّيَّة فِي التَّيَمُّم ; لِأَنَّ مَعْنَى ( فَتَيَمَّمُوا ) اِقْصِدُوا كَمَا تَقَدَّمَ , وَهُوَ قَوْل فُقَهَاء الْأَمْصَار إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ , وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْلُ التُّرَاب وَلَا يَكْفِي هُبُوب الرِّيح بِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوء كَمَا لَوْ أَصَابَهُ مَطَرٌ فَنَوَى الْوُضُوء بِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ , وَالْأَظْهَر الْإِجْزَاء لِمَنْ قَصَدَ التُّرَاب مِنْ الرِّيح الْهَابَّة , بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقْصِد , وَهُوَ اِخْتِيَار الشَّيْخ أَبِي حَامِد. وَعَلَى تَعْيِينِ الصَّعِيد الطَّيِّب لِلتَّيَمُّمِ , لَكِنْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالصَّعِيدِ الطَّيِّب كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه قَرِيبًا , وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّم لِكُلِّ فَرِيضَة , وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهه وَمَا يَرُدّ عَلَيْهِ بَعْد أَرْبَعَة أَبْوَاب. ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَقَع فِي شَيْء مِنْ طُرُق حَدِيث عَائِشَة هَذَا كَيْفِيَّة التَّيَمُّم , وَقَدْ رَوَى عَمَّار بْن يَاسِر قِصَّتهَا هَذِهِ فَبَيَّنَ ذَلِكَ , لَكِنْ اِخْتَلَفَ الرُّوَاة عَلَى عَمَّار فِي الْكَيْفِيَّة كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُبَيِّنُ الْأَصَحّ مِنْهُ فِي بَاب التَّيَمُّم لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قَوْله : ( فَقَالَ أُسَيْد ) هُوَ بِالتَّصْغِيرِ ( اِبْن الْحُضَيْرِ ) بِمُهْمَلَة ثُمَّ مُعْجَمَة مُصَغَّرًا أَيْضًا , وَهُوَ مِنْ كِبَار الْأَنْصَار , وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْمَنَاقِب. وَإِنَّمَا قَالَ مَا قَالَ دُون غَيْره ; لِأَنَّهُ كَانَ رَأْس مَنْ بُعِثَ فِي طَلَبِ الْعِقْد الَّذِي ضَاعَ. قَوْله : ( مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتكُمْ ) أَيْ بَلْ هِيَ مَسْبُوقَة بِغَيْرِهَا مِنْ الْبَرَكَات , وَالْمُرَاد بِآلِ أَبِي بَكْر نَفْسه وَأَهْله وَأَتْبَاعه. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى فَضْل عَائِشَة وَأَبِيهَا وَتَكْرَار الْبَرَكَة مِنْهُمَا. وَفِي رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث "" لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ "" وَفِي تَفْسِير إِسْحَاق الْبُسْتِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا "" مَا كَانَ أَعْظَم بَرَكَة قِلَادَتك "" وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة الْآتِيَة فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه "" فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِك مِنْ أَمْر تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا "" وَفِي النِّكَاح مِنْ هَذَا الْوَجْه "" إِلَّا جَعَلَ اللَّه لَك مِنْهُ مَخْرَجًا , وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَة "" وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بَعْد قِصَّة الْإِفْك , فَيَقْوَى قَوْل مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَعَدُّدِ ضَيَاع الْعِقْد , وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن حَبِيب الْإِخْبَارِيّ فَقَالَ : سَقَطَ عِقْد عَائِشَة فِي غَزْوَة ذَات الرِّقَاع , وَفِي غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْمَغَازِي فِي أَيّ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ كَانَتْ أَوَّلًا. وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : كَانَتْ قِصَّة التَّيَمُّم فِي غَزَاة الْفَتْح. ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَة التَّيَمُّم لَمْ أَدْرِ كَيْف أَصْنَع... الْحَدِيث. فَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق ; لِأَنَّ إِسْلَام أَبِي هُرَيْرَة كَانَ فِي السَّنَة السَّابِعَة وَهِيَ بَعْدهَا بِلَا خِلَاف , وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْبُخَارِيّ يَرَى أَنَّ غَزْوَة ذَات الرِّقَاع كَانَتْ بَعْد قُدُوم أَبِي مُوسَى , وَقُدُومه كَانَ وَقْت إِسْلَام أَبِي هُرَيْرَة. وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى تَأَخُّرِ الْقِصَّة أَيْضًا عَنْ قِصَّة الْإِفْك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْر عِقْدِي مَا كَانَ , وَقَالَ أَهْل الْإِفْك مَا قَالُوا , خَرَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ النَّاس عَلَى اِلْتِمَاسه. فَقَالَ لِي أَبُو بَكْر : يَا بُنَيَّة فِي كُلّ سَفْرَة تَكُونِينَ عَنَاء وَبَلَاء عَلَى النَّاس ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم. قَالَ أَبُو بَكْر : إِنَّك لَمُبَارَكَةٌ , ثَلَاثًا. وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّدُ بْن حُمَيْدٍ الرَّازِّي , وَفِيهِ مَقَال. وَفِي سِيَاقه مِنْ الْفَوَائِد بَيَان عِتَاب أَبِي بَكْر الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيث الْبَاب , وَالتَّصْرِيح بِأَنَّ ضَيَاع الْعِقْد كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ , وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله : ( فَبَعَثْنَا ) أَيْ أَثَرنَا ( الْبَعِير الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ ) أَيْ حَالَةَ السَّفَر. قَوْله : ( فَأَصَبْنَا الْعِقْد تَحْته ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبه أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ. وَفِي رِوَايَة عُرْوَة فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه "" فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا "" أَيْ الْقِلَادَة. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي فَضْل عَائِشَة مِنْ هَذَا الْوَجْه وَكَذَا لِمُسْلِم "" فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابه فِي طَلَبهَا "" وَلِأَبِي دَاوُدَ "" فَبَعَثَ أُسَيْد بْن حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ "" وَطَرِيق الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْس مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ فِي بَعْض الرِّوَايَات دُون غَيْره , وَكَذَا أَسْنَدَ الْفِعْل إِلَى وَاحِد مُبْهَم وَهُوَ الْمُرَاد بِهِ , وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْد أَوَّلًا. فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتْ آيَة التَّيَمُّم وَأَرَادُوا الرَّحِيل وَأَثَارُوا الْبَعِير وَجَدَهُ أُسَيْد بْن حُضَيْرٍ , فَعَلَى هَذَا فَقَوْله فِي رِوَايَة عُرْوَة الْآتِيَة : "" فَوَجَدَهَا "" أَيْ بَعْد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْتِيش وَغَيْره. وَقَالَ النَّوَوِيّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ فَاعِل وَجَدَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ بَالِغ الدَّاوُدِيّ فِي تَوْهِيم رِوَايَة عُرْوَة , وَنُقِلَ عَنْ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْم فِيهَا عَلَى عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر , وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنهمَا وَلَا وَهْمَ. وَفِي الْحَدِيثَيْنِ اِخْتِلَاف آخَر وَهُوَ قَوْل عَائِشَة "" اِنْقَطَعَ عِقْدٌ لِي "" وَقَالَتْ فِي رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث "" سَقَطَتْ قِلَادَة لِي "" وَفِي رِوَايَة عُرْوَة الْآتِيَة عَنْهَا أَنَّهَا اِسْتَعَارَتْ قِلَادَة مِنْ أَسْمَاء يَعْنِي أُخْتهَا فَهَلَكَتْ أَيْ ضَاعَتْ , وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ إِضَافَة الْقِلَادَة إِلَى عَائِشَة لِكَوْنِهَا فِي يَدهَا وَتَصَرُّفِهَا , وَإِلَى أَسْمَاء لِكَوْنِهَا مِلْكهَا لِتَصْرِيحِ عَائِشَة فِي رِوَايَة عُرْوَة بِأَنَّهَا اِسْتَعَارَتْهَا مِنْهَا , وَهَذَا كُلّه بِنَاء عَلَى اِتِّحَاد الْقِصَّة. وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيّ فِي التَّفْسِير إِلَى تَعَدُّدِهَا حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيث الْبَاب فِي تَفْسِير الْمَائِدَة وَحَدِيث عُرْوَة فِي تَفْسِير النِّسَاء , فَكَانَ نُزُول آيَة الْمَائِدَة بِسَبَبِ عِقْد عَائِشَة , وَآيَة النِّسَاء بِسَبَبِ قِلَادَة أَسْمَاء , وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اِتِّحَاد الْقِصَّة أَظْهَرُ , وَاللَّهُ أَعْلَم. ( فَائِدَةٌ ) : وَقَعَ فِي رِوَايَة عَمَّار عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره فِي هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ الْعِقْد الْمَذْكُور كَانَ مِنْ جَزْع ظِفَار , وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّة الْإِفْك كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَالْجَزْع بِفَتْحِ الْجِيم وَسُكُون الزَّاي خَرَزٌ يَمَنِيٌّ. وَظِفَار مَدِينَة تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَاب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْد غُسْلهَا مِنْ الْمَحِيض , وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ السَّفَر بِالنِّسَاءِ وَاِتِّخَاذُهُنَّ الْحُلِيَّ تَجَمُّلًا لِأَزْوَاجِهِنَّ , وَجَوَاز السَّفَر بِالْعَارِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَا صَاحِبهَا.



