المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (316)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (316)]
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ هَذَا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
قَوْله : ( وَعَنْ عَمْرَة ) يَعْنِي كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَة , كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَفِي رِوَايَة أَبِي الْوَقْت وَابْن عَسَاكِر بِحَذْفِ الْوَاو فَصَارَ مِنْ رِوَايَة عُرْوَة عَنْ عَمْرَة , وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنَّ أَحْمَد بْن الْحَسَن الصُّوفِيّ حَدَّثَهُمْ بِهِ عَنْ خَلَف بْن سَالِم عَنْ مَعْن , وَالْمَحْفُوظ إِثْبَات الْوَاو وَأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ شَيْخَيْنِ عُرْوَة وَعَمْرَة كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَة , وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره مِنْ طُرُق عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عَمْرو بْنِ الْحَارِث , وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا , وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق اللَّيْث عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة وَحْده , وَمُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن سَعْد , وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق يُونُس كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَة وَحْدهَا , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : هُوَ صَحِيح مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة وَعَمْرَة جَمِيعًا. قَوْله : ( أَنَّ أُمّ حَبِيبَة ) هِيَ بِنْت جَحْش أُخْت زَيْنَب أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , وَهِيَ مَشْهُورَة بِكُنْيَتِهَا , وَقَدْ قِيلَ اِسْمهَا حَبِيبَة وَكُنْيَتهَا أُمّ حَبِيب بِغَيْرِ هَاء قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَتَبِعَهُ الْحَرْبِيّ وَرَجَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ , وَالْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة أُمّ حَبِيبَة بِإِثْبَاتِ الْهَاء , وَكَانَتْ زَوْج عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف كَمَا ثَبَتَ عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة عَمْرو بْن الْحَارِث. وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأ "" عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة أَنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش الَّتِي كَانَتْ تَحْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف كَانَتْ تُسْتَحَاض "" الْحَدِيث , فَقِيلَ هُوَ وَهْمٌ , وَقِيلَ بَلْ صَوَابٌ وَأَنَّ اِسْمهَا زَيْنَب وَكُنْيَتهَا أُمّ حَبِيبَة , وَأَمَّا كَوْنُ اِسْم أُخْتهَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَب فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ اِسْمهَا الْأَصْلِيّ , وَإِنَّمَا كَانَ اِسْمهَا بَرَّة فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي أَسْبَاب النُّزُول لِلْوَاحِدِيِّ أَنَّ تَغْيِيرَ اِسْمهَا كَانَ بَعْد أَنْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا بِاسْمِ أُخْتهَا لِكَوْنِ أُخْتهَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْكُنْيَة فَأُمِنَ اللَّبْس , وَلَهُمَا أُخْت أُخْرَى اِسْمهَا حَمْنَة بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْمِيم بَعْدهَا نُونٌ وَهِيَ إِحْدَى الْمُسْتَحَاضَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ , وَتَعَسَّفَ بَعْض الْمَالِكِيَّة فَزَعَمَ أَنَّ اِسْم كُلّ مِنْ بَنَات جَحْش زَيْنَب قَالَ : فَأَمَّا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , فَاشْتُهِرَتْ بِاسْمِهَا , وَأَمَّا أُمّ حَبِيبَة فَاشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا , وَأَمَّا حَمْنَة فَاشْتُهِرَتْ بِلَقَبِهَا , وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَى دَعْوَاهُ بِأَنَّ حَمْنَة لَقَبٌ. وَلَمْ يَنْفَرِد الْمُوَطَّأ بِتَسْمِيَةِ أُمّ حَبِيبَة زَيْنَب , فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب حَدِيث الْبَاب فَقَالَ "" أَنَّ زَيْنَب بِنْت جَحْش "" وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. قَوْله : ( اُسْتُحِيضَتْ سَبْع سِنِينَ ) قِيلَ فِيهِ حُجَّة لِابْنِ الْقَاسِم فِي إِسْقَاطه عَنْ الْمُسْتَحَاضَة قَضَاء الصَّلَاة إِذَا تَرَكَتْهَا ظَانَّة أَنَّ ذَلِكَ حَيْض ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهَا بِالْإِعَادَةِ مَعَ طُول الْمُدَّة , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهَا "" سَبْع سِنِينَ "" بَيَان مُدَّة اِسْتِحَاضَتهَا مَعَ قَطْع النَّظَر هَلْ كَانَتْ الْمُدَّة كُلّهَا قَبْل السُّؤَال أَوْ لَا فَلَا يَكُون فِيهِ حُجَّة لِمَا ذُكِرَ. قَوْله : ( فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِل ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ "" وَتُصَلِّي "" وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ , وَهَذَا الْأَمْر بِالِاغْتِسَالِ مُطْلَق فَلَا يَدُلّ عَلَى التَّكْرَار , فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ طَلَب ذَلِكَ مِنْهَا بِقَرِينَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا أَمَرَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِل وَتُصَلِّي , وَإِنَّمَا كَانَتْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة تَطَوُّعًا , وَكَذَا قَالَ اللَّيْث بْنُ سَعْد فِي رِوَايَته عِنْد مُسْلِم : لَمْ يَذْكُر اِبْن شِهَاب أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة , وَلَكِنَّهُ شَيْء فَعَلَتْهُ هِيَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُور قَالُوا : لَا يَجِب عَلَى الْمُسْتَحَاضَة الْغُسْل لِكُلِّ صَلَاة , إِلَّا الْمُتَحَيِّرَة , لَكِنْ يَجِب عَلَيْهَا الْوُضُوء. وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة "" أَنَّ أُمّ حَبِيبَة اُسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْتَظِر أَيَّام أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِل وَتُصَلِّي , فَإِذَا رَأَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ "". وَاسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبِيّ بِقَوْلِهِ لَهَا "" هَذَا عِرْق "" عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِب عَلَيْهَا الْغُسْل لِكُلِّ صَلَاة ; لِأَنَّ دَم الْعِرْق لَا يُوجِب غُسْلًا. وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَانِ بْن كَثِير وَابْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث "" فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاة "" فَقَدْ طَعَنَ الْحُفَّاظ فِي هَذِهِ الزِّيَادَة ; لِأَنَّ الْأَثْبَات مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوهَا , وَقَدْ صَرَّحَ اللَّيْث كَمَا تَقَدَّمَ عِنْد مُسْلِم بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَذْكُرهَا , لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة "" فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِل عِنْد كُلّ صَلَاة "" فَيُحْمَل الْأَمْر عَلَى النَّدْب جَمْعًا بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ , هَذِهِ وَرِوَايَة عِكْرِمَة , وَقَدْ حَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَة , وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَة عِكْرِمَة أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَظِر أَيَّام أَقْرَائِهَا , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق عِرَاك بْن مَالِك عَنْ عُرْوَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة "" فَقَالَ لَهَا اُمْكُثِي قَدْر مَا كَانَتْ تَحْبِسُك حَيْضَتُك "" وَلِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْره مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ وَابْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيث الْبَاب نَحْوه , لَكِنْ اِسْتَنْكَرَ أَبُو دَاوُدَ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ , وَأَجَابَ بَعْض مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْر مُمَيِّزَة بِأَنَّ قَوْله "" فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِل لِكُلِّ صَلَاة "" أَيْ مِنْ الدَّم الَّذِي أَصَابَهَا ; لِأَنَّهُ مِنْ إِزَالَة النَّجَاسَة وَهِيَ شَرْط فِي صِحَّة الصَّلَاة , وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : حَدِيث أُمّ حَبِيبَة مَنْسُوخ بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت أَبِي حُبَيْشٍ , أَيْ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْر بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاة لَا الْغُسْل , وَالْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْأَمْر فِي حَدِيث أُمّ حَبِيبَة عَلَى النَّدْب أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَم.



