المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (303)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (303)]
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى ) هُوَ اِبْن مُوسَى الْبَلْخِيّ كَمَا جَزَمَ بِهِ اِبْن السَّكَن فِي رِوَايَته عَنْ الْفَرَبْرِيّ , وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هُوَ يَحْيَى بْن جَعْفَر , وَقِيلَ إِنَّهُ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي بَعْض النُّسَخ. قَوْله : ( عَنْ مَنْصُور بْن صَفِيَّة ) هِيَ بِنْت شَيْبَة بْن عُثْمَان بْن أَبِي طَلْحَة الْعَبْدَرِيّ , نُسِبَ إِلَيْهَا لِشُهْرَتِهَا , وَاسْم أَبِيهِ عَبْد الرَّحْمَن بْن طَلْحَة بْن الْحَارِث بْن طَلْحَة بْن أَبِي طَلْحَة الْعَبْدَرِيّ , وَهُوَ مِنْ رَهْط زَوْجَته صَفِيَّة , وَشَيْبَة لَهُ صُحْبَةٌ وَلَهَا أَيْضًا , وَقُتِلَ الْحَارِثُ بْن طَلْحَة بِأُحُدٍ , وَلِعَبْدِ الرَّحْمَن رُؤْيَة , وَوَقَعَ التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ فِي جَمِيع السَّنَد عِنْد الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده. قَوْله : ( أَنَّ اِمْرَأَة ) زَادَ فِي رِوَايَة وُهَيْب "" مِنْ الْأَنْصَار "" وَسَمَّاهَا مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي الْأَحْوَص عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر أَسْمَاء بِنْت شَكَلٍ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْكَاف الْمَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ اللَّام , وَلَمْ يُسَمِّ أَبَاهَا فِي رِوَايَة غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ إِبْرَاهِيم , وَرَوَى الْخَطِيب فِي الْمُبْهَمَات مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ شُعْبَة هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : أَسْمَاء بِنْت يَزِيد بْن السَّكَن بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّون الْأَنْصَارِيَّة الَّتِي يُقَال لَهَا خَطِيبَة النِّسَاء , وَتَبِعَهُ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي التَّلْقِيح وَالدِّمْيَاطِيّ وَزَادَ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي مُسْلِم تَصْحِيف ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَنْصَار مَنْ يُقَال لَهُ شَكَل , وَهُوَ رَدٌّ لِلرِّوَايَةِ الثَّابِتَة بِغَيْرِ دَلِيل , وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون شَكَل لَقَبًا لَا اِسْمًا , وَالْمَشْهُور فِي الْمَسَانِيد وَالْجَوَامِع فِي هَذَا الْحَدِيث أَسْمَاء بِنْت شَكَل كَمَا فِي مُسْلِم , أَوْ أَسْمَاء لِغَيْرِ نَسَب كَمَا فِي أَبِي دَاوُدَ , وَكَذَا فِي مُسْتَخْرَج أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ الطَّرِيق الَّتِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا الْخَطِيب , وَحَكَى النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم الْوَجْهَيْنِ بِغَيْرِ تَرْجِيح وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله : ( فَأَمَرَهَا كَيْف تَغْتَسِل قَالَ : خُذِي ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هُوَ بَيَان لِقَوْلِهَا "" أَمَرَهَا "" فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَكُون بَيَانًا لِلِاغْتِسَالِ , وَالِاغْتِسَال صَبّ الْمَاء لَا أَخْذ الْفِرْصَة ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ السُّؤَال لَمْ يَكُنْ عَنْ نَفْس الِاغْتِسَال ; لِأَنَّهُ مَعْرُوف لِكُلِّ أَحَد , بَلْ كَانَ لِقَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْجَوَاب الرَّافِعِيّ فِي شَرْح الْمُسْنَد وَابْن أَبِي جَمْرَة وُقُوفًا مَعَ هَذَا اللَّفْظ الْوَارِد مَعَ قَطْع النَّظَر عَنْ الطَّرِيق الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْد مُسْلِم الدَّالَّة عَلَى أَنَّ بَعْض الرُّوَاة اِخْتَصَرَ أَوْ اِقْتَصَرَ , وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله : ( فِرْصَة ) بِكَسْرِ الْفَاء وَحَكَى اِبْن سِيدَهْ تَثْلِيثهَا وَبِإِسْكَانِ الرَّاء وَإِهْمَال الصَّاد : قِطْعَة مِنْ صُوف أَوْ قُطْن أَوْ جِلْدَة عَلَيْهَا صُوف حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره , وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ فِي رِوَايَة أَبِي الْأَحْوَص "" قَرْصَة "" بِفَتْحِ الْقَاف , وَوَجَّهَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَقَالَ : يَعْنِي شَيْئًا يَسِيرًا مِثْل الْقَرْصَة بِطَرَفِ الْإِصْبَعَيْنِ. اِنْتَهَى. وَوَهِمَ مَنْ عَزَى هَذِهِ الرِّوَايَة لِلْبُخَارِيِّ , وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : هِيَ "" قَرْضَة "" بِفَتْحِ الْقَاف وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَة. وَقَوْله : "" مِنْ مَسْك "" بِفَتْحِ الْمِيم وَالْمُرَاد قِطْعَة جِلْد , وَهِيَ رِوَايَة مَنْ قَالَهُ بِكَسْرِ الْمِيم , وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضِيق يَمْتَنِع مَعَهُ أَنْ يَمْتَهِنُوا الْمِسْك مَعَ غَلَاء ثَمَنه. وَتَبِعَهُ اِبْن بَطَّالٍ. وَفِي الْمَشَارِق أَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات بِفَتْحِ الْمِيم. وَرَجَّحَ النَّوَوِيّ الْكَسْر وَقَالَ : إِنَّ الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْله "" فِرْصَة مُمَسَّكَة "" تَدُلّ عَلَيْهِ , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ "" مُمَسَّكَة "" أَيْ مَأْخُوذَة بِالْيَدِ , يُقَال أَمْسَكْته وَمَسَّكْتهُ. لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَام ظَاهِر الرِّكَّة ; لِأَنَّهُ يَصِير هَكَذَا : خُذِي قِطْعَة مَأْخُوذَة. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : صَنِيع الْبُخَارِيّ يُشْعِر بِأَنَّ الرِّوَايَة عِنْده بِفَتْحِ الْمِيم حَيْثُ جَعَلَ لِلْأَمْرِ بِالطِّيبِ بَابًا مُسْتَقِلًّا. اِنْتَهَى. وَاقْتِصَار الْبُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة عَلَى بَعْض مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ لَا يَدُلّ عَلَى نَفْي مَا عَدَاهُ , وَيُقَوِّي رِوَايَة الْكَسْر وَأَنَّ الْمُرَاد التَّطَيُّب مَا فِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق حَيْثُ وَقَعَ عِنْده "" مِنْ ذَرِيرَة "" , وَمَا اِسْتَبْعَدَهُ اِبْن قُتَيْبَة مِنْ اِمْتِهَان الْمِسْك لَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ شَأْن أَهْل الْحِجَاز مِنْ كَثْرَة اِسْتِعْمَال الطِّيب , وَقَدْ يَكُون الْمَأْمُور بِهِ مَنْ يَقْدِر عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيّ : وَالْمَقْصُود بِاسْتِعْمَالِ الطِّيب دَفْع الرَّائِحَة الْكَرِيهَة عَلَى الصَّحِيح. وَقِيلَ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ إِلَى الْحَبَل. حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ قَالَ : فَعَلَى الْأَوَّل إِنْ فَقَدَتْ الْمِسْك اِسْتَعْمَلَتْ مَا يَخْلُفهُ فِي طِيب الرِّيح , وَعَلَى الثَّانِي مَا يَقُوم مَقَامه فِي إِسْرَاع الْعُلُوق. وَضَعَّفَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ وَقَالَ : لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَاخْتَصَّتْ بِهِ الْمُزَوَّجَة. قَالَ : وَإِطْلَاق الْأَحَادِيث يَرُدُّهُ , وَالصَّوَاب أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبّ لِكُلِّ مُغْتَسِلَة مِنْ حَيْض أَوْ نِفَاس , وَيُكْرَهُ تَرْكه لِلْقَادِرَةِ , فَإِنْ لَمْ تَجِد مِسْكًا فَطِيبًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَمُزِيلًا كَالطِّينِ وَإِلَّا فَالْمَاء كَافٍ , وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَاب قَبْله أَنَّ الْحَادَّة تَتَبَخَّر بِالْقِسْطِ فَيَجْزِيهَا. قَوْله : ( فَتَطَهَّرِي ) قَالَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا "" تَوَضَّئِي "" أَيْ تَنَظَّفِي. قَوْله ( سُبْحَان اللَّه ) زَادَ فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة "" اِسْتَحْيَا وَأَعْرَضَ "" , وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ "" فَلَمَّا رَأَيْته اِسْتَحْيَا عَلَّمْتهَا "" وَزَادَ الدَّارِمِيُّ "" وَهُوَ يَسْمَع فَلَا يُنْكِر "". قَوْله : ( أَثَر الدَّم ) قَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد بِهِ عِنْد الْعُلَمَاء الْفَرْج , وَقَالَ الْمَحَامِلِيّ : يُسْتَحَبّ لَهَا أَنْ تُطَيِّبَ كُلّ مَوْضِع أَصَابَهُ الدَّم مِنْ بَدَنهَا , قَالَ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ , وَظَاهِر الْحَدِيث حُجَّة لَهُ. قُلْت : وَيُصَرِّح بِهِ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ "" تَتَبَّعِي بِهَا مَوَاضِع الدَّم "". وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد التَّسْبِيح عِنْد التَّعَجُّب , وَمَعْنَاهُ هُنَا كَيْف يَخْفَى هَذَا الظَّاهِر الَّذِي لَا يَحْتَاج فِي فَهْمه إِلَى فِكْر ؟ وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْكِنَايَات فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْعَوْرَاتِ. وَفِيهِ سُؤَال الْمَرْأَة الْعَالِم عَنْ أَحْوَالهَا الَّتِي يُحْتَشَمُ مِنْهَا , وَلِهَذَا كَانَتْ عَائِشَة تَقُول فِي نِسَاء الْأَنْصَار "" لَمْ يَمْنَعهُنَّ الْحَيَاء أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّين "". كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث , وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْم مُعَلَّقًا. وَفِيهِ الِاكْتِفَاء بِالتَّعْرِيضِ وَالْإِشَارَة فِي الْأُمُور الْمُسْتَهْجَنَة , وَتَكْرِير الْجَوَاب لِإِفْهَامِ السَّائِل , وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ مَعَ كَوْنهَا لَمْ تَفْهَمهُ أَوَّلًا ; لِأَنَّ الْجَوَاب بِهِ يُؤْخَذ مِنْ إِعْرَاضه بِوَجْهِهِ عِنْد قَوْله "" تَوَضَّئِي "" أَيْ فِي الْمَحَلّ الَّذِي يَسْتَحْيِي مِنْ مُوَاجَهَة الْمَرْأَة بِالتَّصْرِيحِ بِهِ , فَاكْتَفَى بِلِسَانِ الْحَال عَنْ لِسَان الْمَقَال , وَفَهِمَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ذَلِكَ عَنْهُ فَتَوَلَّتْ تَعْلِيمهَا. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّف فِي الِاعْتِصَام "" الْأَحْكَام الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ "". وَفِيهِ تَفْسِير كَلَام الْعَالِم بِحَضْرَتِهِ لِمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ إِذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ يُعْجِبهُ. وَفِيهِ الْأَخْذ عَنْ الْمَفْضُول بِحَضْرَةِ الْفَاضِل. وَفِيهِ صِحَّة الْعَرْض عَلَى الْمُحَدِّث إِذَا أَقَرَّهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَقِبه نَعَمْ , وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَط فِي صِحَّة التَّحَمُّل فَهْم السَّامِع لِجَمِيعِ مَا يَسْمَعهُ. وَفِيهِ الرِّفْق بِالْمُتَعَلِّمِ وَإِقَامَة الْعُذْر لِمَنْ لَا يَفْهَم. وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْء مَطْلُوب بِسَتْرِ عُيُوبه وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَة أَمْر الْمَرْأَة بِالتَّطَيُّبِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَة الْكَرِيهَة. وَفِيهِ حُسْن خُلُقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظِيم حِلْمه وَحَيَائِهِ. زَادَهُ اللَّه شَرَفًا.



