المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (281)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (281)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ
قَوْله : ( عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار ) هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ خَارِج الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْجَيَّانِيّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْنِ السَّكَنِ عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَكَانَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصِيلِيّ إِلَّا أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى نَافِع وَكَتَبَ فَوْقَهُ "" عَبْد اللَّه بْن دِينَار "" قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا. اِنْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : الْحَدِيثُ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَحَدِيث نَافِع غَرِيب. اِنْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ كَذَلِكَ عَنْ نَافِع خَمْسَة أَوْ سِتَّة فَلَا غَرَابَةَ وَإِنْ سَاقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ فَمُرَاده مَا رَوَاهُ خَارِج الْمُوَطَّأ فَهِيَ غَرَابَة خَاصَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوَطَّأ نَعَمْ رِوَايَة الْمُوَطَّأ أَشْهَر. قَوْله : ( ذَكَرَ عُمَرُ بْن الْخَطَّاب ) مُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ اِبْن عُمَر كَمَا هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَرَوَاهُ أَبُو نُوح عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ فِيهِ عَنْ عُمَر , وَقَدْ بَيَّنَ النَّسَائِيّ سَبَب ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : أَصَابَ اِبْن عُمَر جَنَابَة فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَتَى عُمَر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ "" لِيَتَوَضَّأْ وَيَرْقُد "" وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِير فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ "" أَنَّهُ تُصِيبُهُ "" يَعُودُ عَلَى اِبْن عُمَر لَا عَلَى عُمَر وَقَوْله فِي الْجَوَابِ "" تَوَضَّأْ "" يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اِبْن عُمَر كَانَ حَاضِرًا فَوَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ. ) قَوْله : ( بِأَنَّهُ ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ وَلِلْبَاقِينَ "" أَنَّهُ "". قَوْله : ( فَقَالَ لَهُ ) سَقَطَ لَفْظ "" لَهُ "" مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيّ. قَوْله : ( تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ) فِي رِوَايَةِ أَبِي نُوح "" اِغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ تَوَضَّأْ ثُمَّ نَمْ "" وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ : يَجُوزُ تَقْدِيم الْوُضُوء عَلَى غَسْل الذَّكَر ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ يَرْفَعُ الْحَدَث وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ إِذْ الْجَنَابَةُ أَشَدّ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُوح أَنَّ غَسْلَهُ مُقَدَّم عَلَى الْوُضُوءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمَسَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسَّهُ يَنْقُضُ. وَقَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : جَاءَ الْحَدِيثُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ بِصِيغَة الشَّرْط وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ. وَقَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر إِلَى إِيجَابِهِ وَهُوَ شُذُوذ. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَاسْتَنْكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا النَّقْل وَقَالَ : لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيّ بِوُجُوبِهِ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَصْحَابه. وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ كَلَامَ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ لَا إِثْبَاتَ الْوُجُوبِ أَوْ أَرَادَ بِأَنَّهُ وَاجِب وُجُوبَ سُنَّة أَيْ مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَاب وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِ اِبْن حَبِيب : هُوَ وَاجِبٌ وُجُوب الْفَرَائِض وَهَذَا مَوْجُود فِي عِبَارَةِ الْمَالِكِيَّةِ كَثِيرًا وَأَشَارَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى تَقْوِيَةِ قَوْلِ اِبْن حَبِيب , وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ إِيجَاب الْوُضُوءِ عَنْ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ ثُمَّ اِسْتَدَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وَابْن خُزَيْمَة عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا "" إِنَّمَا أُمِرْتَ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ "" وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ. وَقَدْ قَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ اِبْن رُشْد الْمَالِكِيّ وَهُوَ وَاضِح. وَنَقَلَ الطَّحَاوِيّ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَتَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْنُبُ ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ قَالُوا إِنَّ أَبَا إِسْحَاق غَلِطَ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِبَيَان الْجَوَاز لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبه أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَيْ لِلْغُسْلِ , وَأَوْرَدَ الطَّحَاوِيّ مِنْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاق مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَنَحَ الطَّحَاوِيّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ التَّنْظِيف وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اِبْن عُمَر رَاوِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِع وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ تَقْيِيد الْوُضُوء بِالصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ فَيُعْتَمَدُ وَيُحْمَلُ تَرْك اِبْن عُمَر لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْر. وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الشَّرْعِيّ وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيق الْغُسْل فَيَنْوِيه فَيَرْتَفِعُ الْحَدَث عَنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَة عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَات عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس الصَّحَابِيّ قَالَ "" إِذَا أَجْنَب أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ "" وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ إِحْدَى الطِّهَارَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَقُومُ التَّيَمُّم مَقَامه. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَجْنَبَ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّم هُنَا عِنْد عُسْر وُجُود الْمَاءِ وَقِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُ يَنْشَطُ إِلَى الْعَوْدِ أَوْ إِلَى الْغُسْلِ وَقَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : نَصَّ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ ; لِأَنَّهَا لَوْ اِغْتَسَلَتْ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهَا بِخِلَاف الْجُنُب لَكِنْ إِذَا اِنْقَطَعَ دَمهَا اِسْتُحِبَّ لَهَا ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاسْتِحْبَاب التَّنْظِيف عِنْدَ النَّوْمِ قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ : وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْعُدُ عَنْ الْوَسَخِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَاف الشَّيَاطِين فَإِنَّهَا تَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.



