المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (274)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (274)]
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى ) هُوَ اِبْن سَعِيد الْقَطَّان وَحُمَيْد ) هُوَ الطَّوِيلُ وَبَكْر ) هُوَ ابْن عَبْدِ اللَّه الْمُزَنِيُّ وَأَبُو رَافِع ) الصَّائِغ وَهُوَ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ بَصْرِيُّونَ أَيْضًا وَحُمَيْد وَبَكْر وَأَبُو رَافِع ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق. قَوْله : ( فِي بَعْضِ طُرُق ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةٍ وَالْأَصِيلِيّ "" طُرُق "" وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ "" لَقِيتُهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ "" وَهِيَ تُوَافِقُ رِوَايَة الْأَصِيلِيّ. قَوْله : ( وَهُوَ جُنُبٌ ) يَعْنِي نَفْسه وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد "" وَأَنَا جُنُب "". قَوْله : ( فَانْخَنَسْتُ ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيّ وَالْحَمَوِيّ وَكَرِيمَة بِنُونٍ ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ثُمَّ نُون ثُمَّ سِين مُهْمَلَة وَقَالَ الْقَزَّاز : وَقَعَ فِي رِوَايَة "" فَانْبَخَسْتُ "" يَعْنِي بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة قَالَ : وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالصَّوَاب أَنْ يُقَالَ "" فَانْخَنَسْت "" يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ : وَالْمَعْنَى مَضَيْت عَنْهُ مُسْتَخْفِيًا وَلِذَلِكَ وُصِفَ الشَّيْطَان بِالْخَنَّاسِ وَيُقَوِّيه الرِّوَايَة الْأُخْرَى "" فَانْسَلَلْت "". اِنْتَهَى. وَقَالَ اِبْن بَطَّالٍ : وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ "" فَانْبَخَسْت "" يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ : وَلِابْنِ السَّكَنِ بِالْجِيمِ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اِثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) أَيْ جَرَتْ وَانْدَفَعَتْ وَهَذِهِ أَيْضًا رِوَايَة الْأَصِيلِيّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَابْن عَسَاكِر وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي "" فَانْتَجَسْت "" بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْقَانِيَّة ثُمَّ جِيم أَيْ اِعْتَقَدْت نَفْسِي نَجِسًا. وُوُجِّهَتْ الرِّوَايَة الَّتِي أَنْكَرَهَا الْقَزَّاز بِأَنَّهَا مَأْخُوذَة مِنْ الْبَخْسِ وَهُوَ النَّقْصُ أَيْ اِعْتَقَدَ نُقْصَان نَفْسِهِ بِجَنَابَتِهِ عَنْ مُجَالَسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيّ مِثْلُ رِوَايَةِ اِبْنِ السَّكَنِ وَقَالَ : مَعْنَى انْبَخَسْت مِنْهُ تَنَحَّيْت عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لِي مِنْ طَرِيق الرِّوَايَة غَيْر مَا تَقَدَّمَ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ الْأُولَى ثُمَّ هَذِهِ. وَقَدْ نَقَلَ الشُّرَّاحُ فِيهَا أَلْفَاظًا مُخْتَلِفَةً مِمَّا صَحَّفَهُ بَعْض الرُّوَاةِ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِذِكْرِهِ كَانْتَجَشْت بِشِين مُعْجَمَةٍ مِنْ النَّجْشِ وَبِنُونٍ وَحَاء مُهْمَلَة ثُمَّ مُوَحَّدَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة مِنْ الِانْحِبَاسِ. قَوْله : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَقَالَ : إِنَّ الْكَافِرَ نَجِس الْعَيْن وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَة النَّجَاسَة بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ ; لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَعَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَحُجَّتهمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاح نِسَاء أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُوم أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْل مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَة فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ بِنَجِس الْعَيْن إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْح مُسْلِم فَنَسَبَ الْقَوْل بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ فِي كِتَاب الْجَنَائِز إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اِسْتِحْبَاب الطَّهَارَةِ عِنْدَ مُلَابَسَة الْأُمُور الْمُعَظَّمَة وَاسْتِحْبَاب اِحْتِرَام أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَمُصَاحَبَتِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ. وَكَانَ سَبَبُ ذَهَابِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مَاسَحَهُ وَدَعَا لَهُ هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة فَلَمَّا ظَنَّ أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ الْجُنُبَ يَنْجُسُ بِالْحَدَثِ خَشِيَ أَنْ يُمَاسِحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ "" وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَة "" وَقَوْله "" سُبْحَانَ اللَّه "" تَعَجَّبَ مِنْ اِعْتِقَاد أَبِي هُرَيْرَة التَّنَجُّس بِالْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرُ ؟ وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِئْذَان التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ ; لِقَوْلِهِ "" أَيْنَ كُنْت ؟ "" فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ. وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَنْبِيهِ الْمَتْبُوع لِتَابِعِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ. وَفِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ اِبْن حِبَّانَ الرَّدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَنَوَى الِاغْتِسَال أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَنْجُسُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيّ عَلَى طَهَارَةِ عَرَق الْجُنُب ; لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَنْجُسُ بِالْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ. وَعَلَى جَوَازِ تَصَرُّف الْجُنُب فِي حَوَائِجِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ.



