موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (232)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (232)]

‏ ‏وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ ‏ ‏لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ‏


‏ ‏قَوْله : ( الَّذِي لَا يَجْرِي ) ‏ ‏قِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ , وَقِيلَ اِحْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ يَجْرِي بَعْضه كَالْبِرَكِ وَقِيلَ اِحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَاءِ الدَّائِمِ ; لِأَنَّهُ جَارٍ مِنْ حَيْثُ الصُّورَة سَاكِن مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَان عَنْ أَبِي هُرَيْرَة الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهَا حَيْثُ جَاءَ فِيهَا بِلَفْظ "" الرَّاكِد "" بَدَلَ الدَّائِم وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ جَابِر وَقَالَ اِبْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الدَّائِمُ مِنْ حُرُوف الْأَضْدَاد يُقَالُ لِلسَّاكِنِ وَالدَّائِرِ وَمِنْهُ أَصَابَ الرَّأْسَ دُوَامٌ أَيْ دُوَارٌ وَعَلَى هَذَا فَقَوْله "" الَّذِي لَا يَجْرِي "" صِفَة مُخَصِّصَة لِأَحَد مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَك وَقِيلَ الدَّائِم وَالرَّاكِد مُقَابِلَانِ لِلْجَارِي لَكِنْ الَّذِي لَهُ نَبْع وَالرَّاكِد الَّذِي لَا نَبْعَ لَهُ. ‏ ‏) ‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ يَغْتَسِلُ ) ‏ ‏بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ اِبْن مَالِك : يَجُوزُ الْجَزْمُ عَطْفًا عَلَى يَبُولُنَّ ; لِأَنَّهُ مَجْزُوم الْمَوْضِع بِلَا النَّاهِيَةِ وَلَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِتَوْكِيدِهِ بِالنُّونِ. وَمَنَعَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ : لَوْ أَرَادَ النَّهْيَ لَقَالَ ثُمَّ لَا يَغْتَسِلَنَّ فَحِينَئِذٍ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا ; لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَا عَلَيْهِ شَيْء وَاحِد وَهُوَ الْمَاءُ. قَالَ : فَعُدُولُهُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْعَطْف بَلْ نَبَّهَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَالَ فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اِسْتِعْمَالُهُ. وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "" لَا يَضْرِبَنَّ أَحَدُكُمْ اِمْرَأَته ضَرْبَ الْأَمَةِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا "" فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَد بِالْجَزْمِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْي عَنْ الضَّرْبِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَآلِ حَالِهِ إِلَى مُضَاجَعَتِهَا فَتَمْتَنِعُ لِإِسَاءَتِهِ إِلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُوده. وَتَقْدِيرُ اللَّفْظِ ثُمَّ هُوَ يُضَاجِعُهَا. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ "" ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ "" وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْكِيد النَّهْي أَنْ لَا يُعْطَف عَلَيْهِ نَهْي آخَر غَيْر مُؤَكِّد ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى لَيْسَ لِلْآخَرِ. قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ إِذْ لَا تُضْمَرُ أَنْ بَعْد ثُمَّ وَأَجَازَهُ اِبْن مَالِك بِإِعْطَاءِ ثُمَّ حُكْمَ الْوَاو وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْجَمْع بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا وَضَعَّفَهُ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَيُؤْخَذُ النَّهْي عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَة النَّصْب وَيُؤْخَذُ النَّهْي عَنْ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ. قُلْت : وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ جَابِر عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ "" نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ "" وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظ "" لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ "" وَرَوَى أَبُو دَاوُد النَّهْي عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَلَفْظُهُ "" لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ "" وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْحَنَفِيَّةِ عَلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ; لِأَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ فَكَذَلِكَ الِاغْتِسَال وَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا مَعًا وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ فَيَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ فِيهِمَا. وَرُدَّ بِأَنَّهَا دَلَالَة اِقْتِرَان وَهِيَ ضَعِيفَة وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيمهَا فَلَا يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ فَيَكُونُ النَّهْي عَنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُنَجِّسَهُ وَعَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ لِئَلَّا يَسْلُبَهُ الطَّهُورِيَّة. وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْله فِي رِوَايَةِ مُسْلِم "" كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَة ؟ قَالَ : يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا "" فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِانْغِمَاسِ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْغَيْرِ الِانْتِفَاع بِهِ وَالصَّحَابِيُّ أَعْلَم بِمَوَارِدِ الْخِطَابِ مِنْ غَيْرِهِ. وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْر طَهُور , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْره خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَاءِ أَوْ يَبُولَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ يَصُبّهُ فِيهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهَذَا كُلّه مَحْمُول عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيل عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اِخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل مَنْ لَا يَعْتَبِرُ إِلَّا التَّغَيُّرَ وَعَدَمه وَهُوَ قَوِيّ لَكِنَّ الْفَصْلَ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدْ اِعْتَرَفَ الطَّحَاوِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ اِعْتَذَرَ عَنْ الْقَوْلِ بِهِ بِأَنَّ الْقُلَّةَ فِي الْعُرْفِ تُطْلَقُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَالْجَرَّةِ , وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْحَدِيثِ تَقْدِيرُهُمَا فَيَكُونُ مُجْمَلًا فَلَا يُعْمَلُ بِهِ , وَقَوَّاهُ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ لَكِنْ اِسْتَدَلَّ لَهُ غَيْرهمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْن سَلَّام : الْمُرَادُ الْقُلَّة الْكَبِيرَة إِذْ لَوْ أَرَادَ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ الْعَدَدِ. فَإِنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ قَدْرُ وَاحِدَة كَبِيرَة وَيُرْجَعُ فِي الْكَبِيرَةِ إِلَى الْعُرْفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ تَحْدِيدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ وَالْعِلْمُ مُحِيط بِأَنَّهُ مَا خَاطَبَ الصَّحَابَةَ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَ فَانْتَفَى الْإِجْمَال لَكِنْ لِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي مِقْدَارِهِمَا عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا اِبْن الْمُنْذِر ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْدِيدهمَا بِالْأَرْطَالِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْي عَلَى التَّنْزِيهِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِينَ فِي الْكَثِيرِ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا عَلَى قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ ; لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ. ‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ "" ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ "" وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ سِيرِينَ وَكُلّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُفِيدُ حُكْمًا بِالنَّصِّ وَحُكْمًا بِالِاسْتِنْبَاطِ قَالَهُ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظ "" فِيهِ "" تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الِانْغِمَاسِ بِالنَّصِّ وَعَلَى مَنْعِ التَّنَاوُلِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالرِّوَايَةَ بِلَفْظِ "" مِنْهُ "" بِعَكْسِ ذَلِكَ وَكُلُّهُ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاة النَّجَاسَة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!