المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (216)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (216)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ
قَوْله : ( عَنْ أُمِّ قَيْس ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : اِسْمُهَا جُذَامَة يَعْنِي بِالْجِيمِ وَالْمُعْجَمَة وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : اِسْمهَا آمِنَة وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَة بْن مِحْصَن الْأَسَدِيّ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَل كَمَا عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ اِبْن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْره وَغَيْر حَدِيثٍ آخَرَ فِي الطِّبِّ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قِصَّة لِابْنِهَا وَمَاتَ اِبْنُهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ. قَوْله : ( لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ ) الْمُرَاد بِالطَّعَامِ مَا عَدَا اللَّبَن الَّذِي يَرْتَضِعُهُ وَالتَّمْر الَّذِي يُحَنَّكُ بِهِ وَالْعَطَل الَّذِي يَلْعَقُهُ لِلْمُدَاوَاةِ وَغَيْرهَا فَكَانَ الْمُرَاد أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الِاغْتِذَاء بِغَيْرِ اللَّبَنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَام النَّوَوِيّ فِي شَرْحِ مُسْلِم وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ - تَبَعًا لِأَصْلِهَا - أَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ غَيْر اللَّبَن وَقَالَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ : الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ غَيْر اللَّبَنِ وَغَيْر مَا يُحَنَّكُ بِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَحَمَلَ الْمُوَفَّق الْحَمَوِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَوْله "" لَمْ يَأْكُلْ "" عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ : مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِجَعْلِ الطَّعَامِ فِي فِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّق بْن قُدَامَةَ وَغَيْره. وَقَالَ اِبْن التِّينِ : يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّتْ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ لِيُحَنِّكهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عُمُومِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْعَقِيقَةِ. قَوْله : ( فَأَجْلَسَهُ ) أَيْ وَضَعَهُ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ كَانَ لَمَّا وُلِدَ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجُلُوسُ حَصَلَ مِنْهُ عَلَى الْعَادَةِ إِنْ قُلْنَا كَانَ فِي سِنّ مَنْ يَحْبُو كَمَا فِي قِصَّةِ الْحَسَنِ. ) قَوْله : ( عَلَى ثَوْبِهِ ) أَيْ ثَوْب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَغْرَبَ اِبْن شَعْبَان مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ : الْمُرَادُ بِهِ ثَوْب الصَّبِيّ وَالصَّوَاب الْأَوَّل. قَوْله ( فَنَضَحَهُ ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق اللَّيْث عَنْ اِبْن شِهَابٍ "" فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ "" وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ اِبْن شِهَابٍ "" فَرَشَّهُ "" زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ "" عَلَيْهِ "". وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ - أَيْ بَيْنَ نَضَحَ وَرَشَّ - ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَانَ بِالرَّشِّ وَهُوَ تَنْقِيط الْمَاء وَانْتَهَى إِلَى النَّضْحِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَة مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَة مِنْ طَرِيقِ جَرِير عَنْ هِشَام "" فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ "" وَلِأَبِي عَوَانَةَ "" فَصَبَّهُ عَلَى الْبَوْلِ يُتْبِعُهُ إِيَّاهُ "". قَوْله : ( وَلَمْ يَغْسِلْهُ ) اِدَّعَى الْأَصِيلِيّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ كَلَامِ اِبْن شِهَابٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ اِنْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ "" فَنَضَحَهُ "" قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمَر عَنْ اِبْن شِهَابٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة قَالَ "" فَرَشَّهُ "" لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ اِنْتَهَى. وَلَيْسَ فِي سِيَاق مَعْمَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا اِدَّعَاهُ مِنْ الْإِدْرَاجِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ بِنَحْوِ سِيَاقِ مَالِك لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ "" وَلَمْ يَغْسِلْهُ "" وَقَدْ قَالَهَا مَعَ مَالِك اللَّيْثُ وَعَمْرو بْن الْحَارِث وَيُونُس بْن يَزِيد كُلُّهمْ عَنْ اِبْن شِهَابٍ أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَة وَالْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُمْ وَهُوَ لِمُسْلِمٍ عَنْ يُونُسَ وَحْدَهُ. نَعَمْ زَاد مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ : "" قَالَ اِبْن شِهَابٍ : فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُرَشَّ بَوْل الصَّبِيّ وَيُغْسَلَ بَوْل الْجَارِيَة "" فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة هِيَ الَّتِي زَادَهَا مَالِك وَمَنْ تَبِعَهُ لَأَمْكَنَ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ لَكِنَّهَا غَيْرُهَا فَلَا إِدْرَاجَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ اِبْن أَبِي شَيْبَة فَلَا اِخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَفْظ رِوَايَةِ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ اِبْن شِهَابٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا عَنْ مُسْلِم وَغَيْره وَبَيَّنَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِرِوَايَة مَالِك وَاَللَّه أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ : النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالصِّغَارِ وَتَحْنِيكِ الْمَوْلُود وَالتَّبَرُّكِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَحَمْلِ الْأَطْفَالِ إِلَيْهِمْ حَال الْوِلَادَة وَبَعْدهَا وَحُكْم بَوْل الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَا وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ هِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ : أَصَحُّهَا الِاكْتِفَاء بِالنَّضْحِ فِي بَوْل الصَّبِيّ لَا الْجَارِيَةِ , وَهُوَ قَوْلُ عَلِيّ وَعَطَاء وَالْحَسَن وَالزُّهْرِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن وَهْبٍ وَغَيْرهمْ وَرَوَاهُ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَصْحَابه هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ. وَالثَّانِي : يَكْفِي النَّضْح فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ , وَخَصَّصَ اِبْن الْعَرَبِيِّ النَّقْل فِي هَذَا بِمَا إِذَا كَانَا لَمْ يَدْخُلْ أَجْوَافَهُمَا شَيْء أَصْلًا. وَالثَّالِث : هُمَا سَوَاء فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّةُ قَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : اِتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَقَالُوا الْمُرَاد بِقَوْلِهَا "" وَلَمْ يَغْسِلْهُ "" أَيْ غَسْلًا مُبَالَغًا فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُبْعِدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَر - يَعْنِي الَّتِي قَدَّمْنَاهَا - مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَوْل الصَّبِيّ وَالصَّبِيَّة فَإِنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا قَالَ : وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ : مِنْهَا مَا هُوَ رَكِيك , وَأَقْوَى ذَلِكَ مَا قِيلَ : إِنَّ النُّفُوسَ أَعْلَقُ بِالذُّكُورِ مِنْهَا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي فَحَصَلَتْ الرُّخْصَة فِي الذُّكُورِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى الْمَحَلِّ. قُلْت : وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ هُنَا الْغَسْل. ( تَنْبِيهٌ : قَالَ الْخَطَّابِيّ : لَيْسَ تَجْوِيز مَنْ جَوَّزَ النَّضْح مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْل الصَّبِيّ غَيْر نَجِس وَلَكِنَّهُ لِتَخْفِيف نَجَاسَته. اِنْتَهَى. وَأَثْبَتَ الطَّحَاوِيّ الْخِلَافَ فَقَالَ : قَالَ قَوْمٌ بِطَهَارَة بَوْل الصَّبِيّ قَبْلَ الطَّعَامِ , وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ وَابْن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا عَنْ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيَّة وَلَا الْحَنَابِلَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذِهِ حِكَايَة بَاطِلَة اِنْتَهَى. وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيق اللَّازِم وَأَصْحَاب الْمَذْهَبِ أَعْلَم بِمُرَادِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.



