المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (196)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (196)]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا اللَّيْث ) بْن سَعْد ( عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد ) هُوَ الْأَنْصَارِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْهُ فِي بَاب الرَّجُل يُوَضِّئ صَاحِبه , وَأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَة مِنْ التَّابِعِينَ عَلَى الْوِلَاء. وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ اللَّيْث فَقَالَ : عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة بَدَل يَحْيَى بْن سَعِيد , وَسِيَاقه أَتَمّ , فَكَأَنَّ لِلَّيْثِ فِيهِ شَيْخَيْنِ. قَوْله : ( أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ) فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَر , وَفِي الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك عَلَى تَرَدُّد فِي ذَلِكَ مِنْ رُوَاته. وَلِمَالِك وَأَحْمَد وَأَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن زِيَاد عَنْ عُرْوَة بْن الْمُغِيرَة أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك بِلَا تَرَدُّد , وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْد صَلَاة الْفَجْر. قَوْله : ( فَاتَّبَعَهُ ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاة الْمَفْتُوحَة , وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيق مَسْرُوق عَنْ الْمُغِيرَة فِي الْجِهَاد وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَتْبَعهُ بِالْإِدَاوَةِ , وَزَادَ "" فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَته , ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَوَضَّأَ "" وَعِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ الْمُغِيرَة أَنَّ الْمَاء الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَخَذَهُ الْمُغِيرَة مِنْ أَعْرَابِيَّة صَبَّتْهُ لَهُ مِنْ قِرْبَة كَانَتْ جِلْد مَيْتَة , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ "" سَلْهَا فَإِنْ كَانَتْ دَبَغَتْهَا فَهُوَ طَهُور "" وَأَنَّهَا قَالَتْ : أَيْ : وَاَللَّه لَقَدْ دَبَغْتهَا. قَوْله : ( فَتَوَضَّأَ ) زَادَ فِي الْجِهَاد "" وَعَلَيْهِ جُبَّة شَامِيَّة "" وَلِأَبِي دَاوُدَ "" مِنْ صُوف مِنْ جِبَاب الرُّوم "" , وَزَادَ الْمُصَنِّف فِي الطَّرِيق الَّذِي فِي "" بَاب الرَّجُل يُوَضِّئ صَاحِبه "" : "" فَغَسَلَ وَجْهه وَيَدَيْهِ "" وَالْفَاء فِي فَغَسَلَ تَفْصِيلِيَّة , وَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ أَيْ : بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَة , لَا أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيّ عَلَى الِاقْتِصَار عَلَى فُرُوض الْوُضُوء دُون سُنَنه , لَا سِيَّمَا فِي حَال مَظِنَّة قِلَّة الْمَاء كَالسَّفَرِ , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا فَلَمْ يَذْكُرهَا الْمُغِيرَة , قَالَ : وَالظَّاهِر خِلَافه. قُلْت بَلْ فَعَلَهَا وَذَكَرَهَا الْمُغِيرَة , فَفِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن زِيَاد الْمَذْكُورَة "" أَنَّهُ غَسَلَ كَفَّيْهِ "" , وَلَهُ مِنْ وَجْه آخَر قَوِيّ "" فَغَسَلَهُمَا فَأَحْسَنَ غَسْلهمَا "" قَالَ : وَأَشُكّ أَقَالَ دَلَكَهُمَا بِتُرَابٍ أَمْ لَا. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَاد "" أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهه "" زَادَ أَحْمَد "" ثَلَاث مَرَّات , فَذَهَبَ يُخْرِج يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ , فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْت الْجُبَّة "" وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْه آخَر "" وَأَلْقَى الْجُبَّة عَلَى مَنْكِبَيْهِ "" وَلِأَحْمَد "" فَغَسَلَ يَده الْيَمِين ثَلَاث مَرَّات وَيَده الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات "" وَلِلْمُصَنِّفِ "" وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ "" وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ "" وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَته وَعَلَى الْخُفَّيْنِ "" وَسَيَأْتِي قَوْله "" إِنِّي أَدْخَلْتهمَا طَاهِرَتَيْنِ "" فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا. وَحَدِيث الْمُغِيرَة هَذَا ذَكَرَ الْبَزَّار أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ سِتُّونَ رَجُلًا , وَقَدْ لَخَّصْت مَقَاصِد طُرُقه الصَّحِيحَة فِي هَذِهِ الْقِطْعَة , وَفِيهِ مِنْ الْفَوَائِد الْإِبْعَاد عِنْد قَضَاء الْحَاجَة , وَالتَّوَارِي عَنْ الْأَعْيُن , وَاسْتِحْبَاب الدَّوَام عَلَى الطَّهَارَة لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَة أَنْ يَتْبَعهُ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِهِ وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ بِهِ حِين رَجَعَ , وَفِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة كَمَا شُرِحَ فِي بَابه , وَغَسْل مَا يُصِيب الْيَد مِنْ الْأَذَى عِنْد الِاسْتِجْمَار , وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي إِزَالَته بِغَيْرِ الْمَاء , وَالِاسْتِعَانَة عَلَى إِزَالَة الرَّائِحَة بِالتُّرَابِ وَنَحْوه. وَقَدْ يُسْتَنْبَط مِنْهُ أَنَّ مَا اِنْتَشَرَ عَنْ الْمُعْتَاد لَا يُزَال إِلَّا بِالْمَاءِ , وَفِيهِ الِانْتِفَاع بِجُلُودِ الْمَيْتَة إِذَا دُبِغَتْ , وَالِانْتِفَاع بِثِيَابِ الْكُفَّار حَتَّى تَتَحَقَّق نَجَاسَتهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الْجُبَّة الرُّومِيَّة وَلَمْ يَسْتَفْصِل , وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيّ عَلَى أَنَّ الصُّوف لَا يَنْجُس بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الْجُبَّة كَانَتْ شَامِيَّة وَكَانَتْ الشَّام إِذْ ذَاكَ دَار كُفْر وَمَأْكُول أَهْلهَا الْمَيْتَات , كَذَا قَالَ. وَفِيهِ الرَّدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخ بِآيَةِ الْوُضُوء الَّتِي فِي الْمَائِدَة لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَة الْمُرَيْسِيع وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّة فِي غَزْوَة تَبُوك , وَهِيَ بَعْدهَا بِاتِّفَاقٍ , وَسَيَأْتِي حَدِيث جَرِير الْبَجَلِيّ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي كِتَاب الصَّلَاة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَفِيهِ التَّشْمِير فِي السَّفَر , وَلُبْس الثِّيَاب الضَّيِّقَة فِيهِ لِكَوْنِهَا أَعْوَن عَلَى ذَلِكَ , وَفِيهِ الْمُوَاظَبَة عَلَى سُنَن الْوُضُوء حَتَّى فِي السَّفَر , وَفِيهِ قَبُول خَبَر الْوَاحِد فِي الْأَحْكَام وَلَوْ كَانَتْ اِمْرَأَة , سَوَاء كَانَ ذَلِكَ فِيمَا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ خَبَر الْأَعْرَابِيَّة كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ أَنَّ الِاقْتِصَار عَلَى غَسْل مُعْظَم الْمَفْرُوض غَسْله لَا يُجْزِئ لِإِخْرَاجِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْت الْجُبَّة وَلَمْ يَكْتَفِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُمَا بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ , وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوب تَعْمِيم مَسْح الرَّأْس لِكَوْنِهِ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَة وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْمَسْحِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ.



