المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (193)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (193)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا حَمَّاد ) هُوَ اِبْن زَيْد وَلَمْ يَسْمَع مُسَدَّد مِنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة. قَوْله : ( رَحْرَاح ) بِمُهْمَلَاتٍ الْأُولَى مَفْتُوحَة بَعْدهَا سُكُون أَيْ : مُتَّسِع الْفَم , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الرَّحْرَاح الْإِنَاء الْوَاسِع الصَّحْن الْقَرِيب الْقَعْر وَمِثْله لَا يَسَع الْمَاء الْكَثِير فَهُوَ أَدَلّ عَلَى عِظَم الْمُعْجِزَة. قُلْت : وَهَذِهِ الصِّفَة شَبِيهَة بِالطَّسْتِ , وَبِهَذَا يَظْهَر مُنَاسَبَة هَذَا الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ. وَرَوَى اِبْن خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَحْمَد بْن عَبْدَة عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد فَقَالَ بَدَل رَحْرَاح "" زُجَاج "" بِزَايٍ مَضْمُومَة وَجِيمَيْنِ , وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْوُضُوء مِنْ آنِيَّة الزُّجَاج ضِدّ قَوْل مَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُتَصَوِّفَة أَنَّ ذَلِكَ إِسْرَاف لِإِسْرَاعِ الْكَسْر إِلَيْهِ. قُلْت : وَهَذِهِ اللَّفْظَة تَفَرَّدَ بِهَا أَحْمَد بْن عَبْدَة , وَخَالَفَهُ أَصْحَاب حَمَّاد بْن زَيْد فَقَالُوا رَحْرَاح , وَقَالَ بَعْضهمْ "" وَاسِع الْفَم "" وَهِيَ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة عَنْ مُحَمَّد بْن مُوسَى وَإِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل وَأَحْمَد بْن عَبْدَة كُلّهمْ عَنْ حَمَّاد , وَكَأَنَّهُ سَاقَهُ عَلَى لَفْظ مُحَمَّد بْن مُوسَى , وَصَرَّحَ جَمْع مِنْ الْحُذَّاق بِأَنَّ أَحْمَد بْن عَبْدَة صَحَّفَهَا , وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى فِي رِوَايَته بِقَوْلِهِ "" أَحْسَبهُ "" فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتْقِنهُ , فَإِنْ كَانَ ضَبَطَهُ فَلَا مُنَافَاة بَيْن رِوَايَته وَرِوَايَة الْجَمَاعَة لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا وَصَفُوا هَيْئَته وَذَكَرَ هُوَ جِنْسه. وَفِي مُسْنَد أَحْمَد عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُقَوْقِس أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحًا مِنْ زُجَاج , لَكِنْ فِي إِسْنَاده مَقَال. قَوْله "" فَحَزَرْت "" بِتَقْدِيمِ الزَّاي أَيْ : قَدَّرْت , وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَة حُمَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ وَزِيَادَة , وَهُنَا قَالَ مَا بَيْن السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ , وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَكُنْ يَضْبِط الْعِدَّة بَلْ كَانَ يَتَحَقَّق أَنَّهَا تُنِيف عَلَى السَّبْعِينَ وَيَشُكّ هَلْ بَلَغَتْ الْعَقْد الثَّامِن أَوْ تَجَاوَزَتْهُ , فَرُبَّمَا جَزَمَ بِالْمُجَاوَزَةِ حَيْثُ يَغْلِب ذَلِكَ عَلَى ظَنّه. وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى رَدّ قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَاب الرَّأْي : إِنَّ الْوُضُوء مُقَدَّر بِقَدْرٍ مِنْ الْمَاء مُعَيَّن , وَوَجْه الدَّلَالَة أَنَّ الصَّحَابَة اِغْتَرَفُوا مِنْ ذَلِكَ الْقَدَح مِنْ غَيْر تَقْدِير ; لِأَنَّ الْمَاء النَّابِع لَمْ يَكُنْ قَدْره مَعْلُومًا لَهُمْ فَدَلَّ عَلَى عَدَم التَّقْدِير , وَبِهَذَا يَظْهَر مُنَاسَبَة تَعْقِيب الْمُصَنِّف هَذَا الْحَدِيث بِبَابِ الْوُضُوء بِالْمُدِّ , وَالْمُدّ إِنَاء يَسَع رِطْلًا وَثُلُثًا بِالْبَغْدَادِيِّ , قَالَهُ جُمْهُور أَهْل الْعِلْم , وَخَالَفَ بَعْض الْحَنَفِيَّة فَقَالُوا الْمُدّ رِطْلَانِ.



