المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (132)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (132)]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ
قَوْله : ( لَا تُقْبَل ) كَذَا فِي رِوَايَتنَا بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاء لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي تَرْك الْحِيَل عَنْ إِسْحَاق بْن نَصْر , وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاق بِلَفْظِ "" لَا يَقْبَل اللَّه "" وَالْمُرَاد بِالْقَبُولِ هُنَا مَا يُرَادِف الصِّحَّة وَهُوَ الْإِجْزَاء , وَحَقِيقَة الْقَبُول ثَمَرَة وُقُوع الطَّاعَة مُجْزِئَة رَافِعَة لِمَا فِي الذِّمَّة. وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَان بِشُرُوطِهَا مَظِنَّة الْإِجْزَاء الَّذِي الْقَبُول ثَمَرَته عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ مَجَازًا , وَأَمَّا الْقَبُول الْمَنْفِيّ فِي مِثْل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلَاة "" فَهُوَ الْحَقِيقِيّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحّ الْعَمَل وَيَتَخَلَّف الْقَبُول لِمَانِعٍ , وَلِهَذَا كَانَ بَعْض السَّلَف يَقُول : لَأَنْ تُقْبَل لِي صَلَاة وَاحِدَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ جَمِيع الدُّنْيَا , قَالَهُ اِبْن عُمَر. قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ). قَوْله : ( أَحْدَثَ ) أَيْ : وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَث , وَالْمُرَاد بِهِ الْخَارِج مِنْ أَحَد السَّبِيلَيْنِ , وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَة بِأَخَصّ مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظ ; وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَقَعَانِ فِي أَثْنَاء الصَّلَاة أَكْثَر مِنْ غَيْرهمَا , وَأَمَّا بَاقِي الْأَحْدَاث الْمُخْتَلَف فِيهَا بَيْن الْعُلَمَاء - كَمَسِّ الذَّكَر وَلَمْس الْمَرْأَة وَالْقَيْء مِلْء الْفَم وَالْحِجَامَة - فَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ لَا يَرَى النَّقْض بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّف كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوء إِلَّا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ. وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا هُرَيْرَة اِقْتَصَرَ فِي الْجَوَاب عَلَى مَا ذُكِرَ لِعِلْمِهِ أَنَّ السَّائِل كَانَ يَعْلَم مَا عَدَا ذَلِكَ , وَفِيهِ بُعْد. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَان الصَّلَاة بِالْحَدَثِ سَوَاء كَانَ خُرُوجه اِخْتِيَارِيًّا أَمْ اِضْطِرَارِيًّا , وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوء لَا يَجِب لِكُلِّ صَلَاة لِأَنَّ الْقَبُول اِنْتَفَى إِلَى غَايَة الْوُضُوء , وَمَا بَعْدهَا مُخَالِف لِمَا قَبْلهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ قَبُول الصَّلَاة بَعْد الْوُضُوء مُطْلَقًا. قَوْله : ( يَتَوَضَّأ ) أَيْ : بِالْمَاءِ أَوْ مَا يَقُوم مَقَامه , وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ مَرْفُوعًا "" الصَّعِيد الطَّيِّب وَضُوء الْمُسْلِم "" فَأَطْلَقَ الشَّارِع عَلَى التَّيَمُّم أَنَّهُ وَضُوء لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامه , وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَبُولِ صَلَاة مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَتَوَضَّأَ أَيْ : مَعَ بَاقِي شُرُوط الصَّلَاة. وَاَللَّه أَعْلَم.