المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (126)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (126)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ لَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا
قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُسَدَّد حَدَّثَنَا مُعْتَمِر ) كَذَا لِلْجَمِيعِ , وَذَكَرَ الْجَيَّانِيّ أَنَّ عَبْدُوسًا وَالْقَابِسِيّ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي زَيْد الْمَرْوَزِيِّ بِإِسْقَاطِ مُسَدَّد مِنْ السَّنَد , قَالَ : وَهُوَ وَهْم وَلَا يَتَّصِل السَّنَد إِلَّا بِذِكْرِهِ. اِنْتَهَى. وَمُعْتَمِر هُوَ اِبْن سُلَيْمَان التَّيْمِيُّ. وَالْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ إِلَّا مُعَاذًا , وَكَذَا الَّذِي قَبْله إِلَّا إِسْحَاق فَهُوَ مَرْوَزِيّ , وَهُوَ الْإِمَام الْمَعْرُوف بِابْنِ رَاهْوَيْهِ. قَوْله : ( ذُكِرَ لِي ) هُوَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاء لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَلَمْ يُسَمِّ أَنَس مَنْ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيع مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الطُّرُق , وَكَذَلِكَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عِنْد أَحْمَد ; لِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ عِنْد مَوْته بِالشَّامِ , وَجَابِر وَأَنَس إِذْ ذَاكَ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَشْهَدَاهُ وَقَدْ حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ أَحَد الْمُخَضْرَمِينَ كَمَا سَيَأْتِي عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْجِهَاد , وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى مَا فِي سِيَاقه مِنْ الزِّيَادَة ثَمَّ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذ أَيْضًا , فَيَحْتَمِل أَنْ يُفَسَّر الْمُبْهَم بِأَحَدِهِمَا. وَاَللَّه أَعْلَم. ( تَنْبِيه ) : أَوْرَدَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَاف هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْنَد أَنَس , وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيل أَنَس , وَكَانَ حَقّه أَنْ يَذْكُرهُ فِي الْمُبْهَمَات. وَاَللَّه الْمُوَفِّق. قَوْله : ( مَنْ لَقِيَ اللَّه ) أَيْ مَنْ لَقِيَ الْأَجَل الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّه يَعْنِي الْمَوْت. كَذَا قَالَهُ جَمَاعَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْبَعْث أَوْ رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الْآخِرَة. قَوْله : ( لَا يُشْرِك بِهِ ) اِقْتَصَرَ عَلَى نَفْي الْإِشْرَاك لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّوْحِيد بِالِاقْتِضَاءِ , وَيَسْتَدْعِي إِثْبَات الرِّسَالَة بِاللُّزُومِ , إِذْ مَنْ كَذَّبَ رَسُول اللَّه فَقَدْ كَذَّبَ اللَّه وَمَنْ كَذَّبَ اللَّه فَهُوَ مُشْرِك , أَوْ هُوَ مِثْل قَوْل الْقَائِل : مَنْ تَوَضَّأَ صَحَّتْ صَلَاته , أَيْ : مَعَ سَائِر الشَّرَائِط. فَالْمُرَاد مَنْ مَاتَ حَال كَوْنه مُؤْمِنًا بِجَمِيعِ مَا يَجِب الْإِيمَان بِهِ. وَلَيْسَ فِي قَوْله : "" دَخَلَ الْجَنَّة "" مِنْ الْإِشْكَال مَا تَقَدَّمَ فِي السِّيَاق الْمَاضِي ; لِأَنَّهُ أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون قَبْل التَّعْذِيب أَوْ بَعْده. فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذ عِنْد مَوْته تَأَثُّمًا مَعْنَى التَّأَثُّم التَّحَرُّج مِنْ الْوُقُوع فِي الْإِثْم وَهُوَ كَالتَّحَنُّثِ , وَإِنَّمَا خَشِيَ مُعَاذ مِنْ الْإِثْم الْمُرَتَّب عَلَى كِتْمَان الْعِلْم , وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مَنْع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِر بِهَا إِخْبَارًا عَامًّا لِقَوْلِهِ : "" أَفَلَا أُبَشِّر النَّاس "" فَأَخَذَ هُوَ أَوَّلًا بِعُمُومِ الْمَنْع فَلَمْ يُخْبِر بِهَا أَحَدًا , ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمَنْع إِنَّمَا هُوَ مِنْ الْإِخْبَار عُمُومًا , فَبَادَرَ قَبْل مَوْته فَأَخْبَرَ بِهَا خَاصًّا مِنْ النَّاس فَجَمَعَ بَيْن الْحُكْمَيْنِ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْع لَوْ كَانَ عَلَى عُمُومه فِي الْأَشْخَاص لَمَا أَخْبَرَ هُوَ بِذَلِكَ , وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل مَقَامه فِي الْفَهْم أَنَّهُ لَمْ يَمْنَع مِنْ إِخْبَاره. وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَاب بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر فِيهِ اِنْقِطَاع عَنْ مُعَاذ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة قَالَ : أَدْخِلُوا عَلَيَّ النَّاس. فَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : "" مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا جَعَلَهُ اللَّه فِي الْجَنَّة "" وَمَا كُنْت أُحَدِّثكُمُوهُ إِلَّا عِنْد الْمَوْت , وَشَاهِدِي عَلَى ذَلِكَ أَبُو الدَّرْدَاء. فَقَالَ : صَدَقَ أَخِي , وَمَا كَانَ يُحَدِّثكُمْ بِهِ إِلَّا عِنْد مَوْته. وَقَدْ وَقَعَ لِأَبِي أَيُّوب مِثْل ذَلِكَ , فَفِي الْمُسْنَد مِنْ طَرِيق أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَا أَيُّوب غَزَا الرُّوم فَمَرِضَ , فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ : سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا حَالِي هَذِهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ , سَمِعْته يَقُول : "" مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة "". وَإِذَا عُورِضَ هَذَا الْجَوَاب فَأُجِيبَ عَنْ أَصْل الْإِشْكَال بِأَنَّ مُعَاذًا اِطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُود مِنْ الْمَنْع التَّحْرِيم بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا هُرَيْرَة أَنْ يُبَشِّر بِذَلِكَ النَّاس , فَلَقِيَهُ عُمَر فَدَفَعَهُ وَقَالَ : اِرْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَة , وَدَخَلَ عَلَى أَثَره فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه لَا تَفْعَل , فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِل النَّاس , فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ. فَقَالَ : فَخَلِّهِمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِم. فَكَأَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ : "" أَخَاف أَنْ يَتَّكِلُوا "" كَانَ بَعْد قِصَّة أَبِي هُرَيْرَة , فَكَانَ النَّهْي لِلْمَصْلَحَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ , فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذ لِعُمُومِ الْآيَة بِالتَّبْلِيغِ. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( لَا ) هِيَ لِلنَّهْيِ لَيْسَتْ دَاخِلَة عَلَى "" أَخَاف "" , بَلْ الْمَعْنَى لَا تُبَشِّر , ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ : "" أَخَاف "". وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة "" إِنِّي أَخَاف "" بِإِثْبَاتِ التَّعْلِيل , وَلِلْحَسَنِ بْن سُفْيَان فِي مُسْنَده عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذ عَنْ مُعْتَمِر "" قَالَ : لَا , دَعْهُمْ فَلْيَتَنَافَسُوا فِي الْأَعْمَال , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَتَّكِلُوا "".