موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بعض الحنابلة فضّلوا الأولياء على خواص الملائكة. واختلف العلماء أيضاً في تفضيل الأولياء على غير الخواص من الملائكة على فرق شتى.[1]

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن صالحي بني آدم أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور، لأن الإنسان يظهر فضله عند كمال أحواله في الآخرة والملك يتشابه أول أمره وآخره، وقال: "من هنا غلط من فضّل الملائكة على الأنبياء حيث نظر إلى أحوال الأنبياء وهم في أثناء الأحوال، قبل أن يصلوا إلى ما وُعدوا به في الدار الآخرة من نهايات الكمال."[2]

أما الشيخ محي الدين ابن العربي فيجزم أن الملائكة أفضل من الناس على الإطلاق، ويستشهد بقيام النبي صلى الله عليهم وسلم عندما رأى جنازة يهودي، فقيل له أنها جنازة يهودي، فقال: "أليس معها الملك"! فكان قيامه مع الملك قيام المفضول للفاضل "عندنا وعند من يرى أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق".[3]

ثم يذكر الشيخ محي الدين رضي الله عنه في مواضع كثيرة أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مبشّرة فسأله عن هذه المسألة فقال له أن الملائكة أفضل، فقال له ابن العربي: "يا رسول الله فان سئلت ما الدليل على ذلك فما أقول؟" فأشار إليه أن قد علمتم أني أفضل الناس، والله تعالى يقول في الحديث الصحيح: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم"،[4] وكم ذاكر لله تعالى فذكره الله في ملأٍ خيرٍ من ذلك الملأ الذي أنا فيهم. فيقول الشيخ محي الدين: "فما سُررت بشيءٍ سروري بهذه المسألة، فإنه كان على قلبي منها كثير". ويضيف الشيخ الأكبر أنه يمكن استنتاج ذلك أيضاً من تدبّر قوله تعالى في سورة الأحزاب: ((... هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... [43])).[5]

وهذه الرؤيا التي ذكرها الشيخ محي الدين رضي الله عنه في الفتوحات المكية أكثر من مرة، أنه رأى فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسأله فيها عن فضل الملائكة، كانت في دمشق في 20 ربيع الأول سنة 624، كما ذكر في كتاب المبشرات.

وبالتالي فإنّ ابن العربي يخالف في هذا الرأي أكثر المذاهب ولكنّه يوافق المعتزلة الذين عادة



[1] الحبائك في أخبار الملائك، الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي، دار التقريب-القاهرة، ص59.

[2] مجموع فتاوي ابن تيمية: ج11ص96. وقد فصل شيخ الإسلام هذه المسالة في مكان آخر: مجموع فتاوي ابن تيمية، كتاب مفصل اعتقاد السلف، فصل في التفضيل بين الملائكة والناس: ج4ص350.

[3] الفتوحات المكية: ج1ص527.

[4] ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري، أن الله سبحانه وتعالى قال: "أنا عند ظن عبدى بي، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرنى في نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". أخرجه البخاري في التوحيد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم 7405، وأخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 2675.

[5] الفتوحات المكية: ج2ص61.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!