موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خلاصة وحدة الوجود وإشكالياتها

والخلاصة فإنّ العالم كثيرٌ في الظاهر واحد في الباطن وأصله الجوهر الفرد، والجوهر الفرد هو واحدٌ مركّبٌ في الظاهر وأحدٌ (أي لا يتجزّأ) في الباطن لأنّه يتشكّل من العنصر الأعظم الذي هو واحدٌ وأحدٌ، وهذا العنصر الأعظم هو مثل الحجر الأسود على الصورة الإلهيّة في العالم والتي منها يتشكّل كلّ شيء في الوجود. وهذا هو معنى قول الله تعالى في بداية سورة الحديد لمن فهم: ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [3])) ثم أتبعها بقوله: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [4])).

وبالتالي فإذا حقّقنا فإنّ ابن العربي يقول بوحدة الوجود ويقول بأحديّة الوجود رغم أنّه لم يصرّح بهذا التعبير حتى لا يُساء فهمه، ولكنّه لا يعارض بذلك القرآن الكريم ولا العقيدة الإسلامية بل يؤازرها. فبعكس ما يَفهم من ذلك أكثر المتعرّضين لوحدة الوجود، إن ابن العربي لا يقول أبداً أن الخالق والخلق شيءٌ واحد سبحان الله وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

وقد اختصر الله تعالى وحدة الوجود في القرآن الكريم في العديد من الآيات لمن تفكّر، مثل قوله تعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم))؛ فمن يتفكّر في معنى البسملة على ضوء ما ذكرناه أعلاه لا يجد سوى وحدة الوجود. وكذلك قول الله تعالى في بداية أوّل سورة من القرآن الكريم وهي الفاتحة التي نقرؤها في كلّ ركعة من كلّ صلاة، فيقول الله تعالى بعد "بسم الله الرحمن الرحيم": ((الحمد لله رب العالمين))، أي أنّ الحمد له سبحانه وليس لنا! فنحن عندما نقول الحمد لله نقصد بها "نحمدُ الله" وهذا خطأ، بل الحمد لله أي هو الحامد وهو المحمود، فهو الحامد نفسه بنفسه، ففي الحقيقة لا وجود لغيره، والعالم ليس سوى صور ومظاهر. ولذلك لمّا فصّلها الله تعالى في آيات أخرى كثيرة من القرآن الكريم كما يقول في سورة الإسراء مثلا: ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [44]))، فقال إنه كان (أي يكون، فهو دائماً) حليماً علينا لأنّنا لا نفقه تسبيح الأشياء بحمده، بل نحسب أننا نحن والأشياء الذين يسبّحون فنقول الحمد لله بمعنى نحمد الله، ولكن الحقيقة أنّ الله هو الحامد لا غيره لأنّه هو الظاهر وهو الباطن، ثم قال الله تعالى بعد ذلك "غفورا" أي يغفر أي يغطي ويستر هذه الأفعال التي نفعلها فننسبها لنا في حين أن الله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (الصافات، آية 96).

طبعاً هنا تنشأ إشكاليات كثيرة هي التي استوقفت الكثيرين وهي التي منعت ابن العربي من التصريح بهذا الكلام حتى لا يُساء فهمه. فمثلاً إذا كان لا وجود حقيقي إلا لله تعالى ولا فعل حقيقي إلا لله تعالى فكيف يكون الحساب ولماذا هناك ثواب وعقاب، هل نحن مخيّرون أم مسيّرون؟ وهذا موضوع يصعب الخوض فيه، ولكننا نقول هنا باختصار أن المشكلة تنشأ من المزج والخلط بين المستويات الوجودية المختلفة لأنّنا كثيراً ما لا ندقّق في الكلام الذي نقرؤه فلا نفهمه بتفاصيله. فنحن ما قلنا وابن العربي لم يقل



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!