موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وقد ورد مثل ذلك عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه قال: "أنا نقطة تحت الباء".[1] وقد ذكر الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي في كتاب "الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم"، أنه قد ورد في الحديث أن كلّ ما في "بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيْمِ" فهو في الباء، وكلّ ما في الباء فهو في النقطة التي تحت الباء.[2]

ويعتبر الشيخ الأكبر وغيره من العارفين بالله أن عالم الحروف هو عالم قائم بذاته وأن فيهم أقطاب وأوتاد وأبدال كما هو حال الأولياء من البشر. وفوق ذلك فإن الشيخ الأكبر يعتبر أن العالم على الحقيقة هو تركيب هذه الحروف التي هي مفرداته، وذلك أن الله يخلق بالقول للشيء "كن" فيكون، فالعالم كلُّه على الحقيقة هو كلمات الله تعالى التي لا تنفد، كما أن عيسى ابن مريم على الخصوص كلمته ألقاها إلى مريم. ويضيف الشيخ محي الدين أن الحروف رغم عددها فهي ترجع إلى بعضها البعض وكلها ترجع في النهاية إلى حرف الألف الذي هو القطب، فمنه تنشأ بقيّة الحروف كما هو الحال بالنسبة للقطب في العالم الإنساني. ومن أجل ذلك يعتبر الصوفية أن حرف الألف، والرقم واحد، يرمز لله تعالى، الذي خلق كل شيء. ولكن بالإضافة إلى حرف الألف فإن حرف الباء أيضاً له أهمية خاصة وذلك أنه يرمز إلى العقل الأول الذي هو القلم الأعلى الذي خلقه الله وأمره أن يكتب في اللوح المحفوظ ما يلقيه إليه من العلم بما يريد سبحانه أن يخلقه إلى يوم القيامة كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة.[3]

فلما كان العالم كلمات الله، والكلمات حروف، والحروف تتركب من بعضها البعض، وتعود في أصلها إلى حرف الألف الذي يرمز إلى الله تعالى الذي لا يمكن أن نراه سبحانه من حيث ذاته وإنما نشهده في العالم الذي خلقه من حيث أفعاله، فلما كان حرف الباء أقرب حرف إلى الألف، وهو يرمز كما قلنا إلى القلم الأعلى الذي يخلق الله به العالم، فمن أجل ذلك يعتبر الصوفية أن حرف الباء يصاحب كل شيء في



[1] راجع شرح فصوص الحكم للقيصري، ص36.

[2] "الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم"، تأليف: عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي، تحقيق: عاصم الكيالي، دار الكتب العلمية، 2003، ص108. ورواه الغروي في "الاسم الأعظم، أو، البسملة و الحمدلة"، تأليف محمد الغروي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1982، ص45، رقم 40. وفي كنز العمال: ج4 ص307، عن عمر بن الخطاب بمعناه.

[3] ورد العديد من الأحاديث بمعنى "أول ما خلق الله..." وهي في الحقيقة متطابقة رغم تباينها الظاهري. فورد في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له اكتب فقال وما أكتب قال اكتب القدر فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة." (كنز العمال: رقم 597، 15116، 15117، 15220، 15223، 15224...)، ووردت أحاديث أخرى كثيرة عن أول ما خلق الله تعالى، مثل: النور المحمدي، العرش، اللوح المحفوظ، الروح، العقل. والجمع بين هذه الأحاديث المختلفة أن هذه الأشياء التي خلقها الله تعالى أول شيء هي أسماء وصفات مختلفة للنور المحمدي، الذي خلق الله منه كل شيء، وقد ذكر أيضاً في القرآن بمسميات كثيرة منها: الإمام المبين، العدل، "كل شيء"، القلم، الحق في مثل قوله تعالى: (وما خلقنا السموات والأرض إلا بالحق)، ولذلك يسميه الشيخ محي الدين باسم: "الحق المخلوق به" و"الحقيقة المحمدية" (الفتوحات المكية: ج1ص119، 731، ج2ص60، 104، 283، 285، 310-313، 391، 396، 415، 488، ج3ص77، 92، 150، 354-355، 444، ج4ص211)، والله تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!