المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 35]
سورة المائدة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212تفسير ابن كثير:
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بالطاعة كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) قال سفيان الثوري حدثنا أبي ، عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي القربة . وكذا قال مجاهد [ وعطاء ] وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد .
وقال قتادة : أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه . وقرأ ابن زيد : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) [ الإسراء : 57 ] وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه وأنشد ابن جرير عليه قول الشاعر :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل
والوسيلة : هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ، والوسيلة أيضا : علم على أعلى منزلة في الجنة ، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة ، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ، وقد ثبت في صحيح البخاري من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " .
حديث آخر في صحيح مسلم : من حديث كعب عن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة ، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة "
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صليتم علي فسلوا لي الوسيلة " . قيل : يا رسول الله ، وما الوسيلة؟ قال : " أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو " .
ورواه الترمذي عن بندار عن أبي عاصم عن سفيان - هو الثوري - عن ليث بن أبي سليم عن كعب قال : حدثني أبو هريرة به . ثم قال : غريب وكعب ليس بمعروف ، لا نعرف أحدا روى عنه غير ليث بن أبي سليم .
طريق أخرى : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا محمد بن نصر الترمذي حدثنا عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب عن ليث عن المعلى عن محمد بن كعب عن أبي هريرة رفعه قال : " صلوا علي صلاتكم ، وسلوا الله لي الوسيلة " . فسألوه وأخبرهم : " أن الوسيلة درجة في الجنة ، ليس ينالها إلا رجل واحد ، وأرجو أن أكونه " .
حديث آخر : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : أخبرنا أحمد بن علي الأبار حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله لي الوسيلة ، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا - أو : شفيعا - يوم القيامة " .
ثم قال الطبراني : " لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين " . كذا قال ، وقد رواه ابن مردويه : حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء فذكر بإسناده نحوه .
حديث آخر : روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية عن موسى بن وردان : أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الوسيلة درجة عند الله ، ليس فوقها درجة ، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه " .
حديث آخر : روى ابن مردويه أيضا من طريقين ، عن عبد الحميد بن بحر : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة " . قالوا : يا رسول الله ، من يسكن معك؟ قال : " علي وفاطمة والحسن والحسين " .
هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسن الدشتكي حدثنا أبو زهير حدثنا سعد بن طريف عن علي بن الحسين الأزدي - مولى سالم بن ثوبان - قال : سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة : يا أيها الناس ، إن في الجنة لؤلؤتين : إحداهما بيضاء ، والأخرى صفراء ، أما الصفراء فإنها إلى بطنان العرش ، والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة ، كل بيت منها ثلاثة أميال ، وغرفها وأبوابها وأسرتها وكأنها من عرق واحد ، واسمها الوسيلة ، هي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، والصفراء فيها مثل ذلك ، هي لإبراهيم ، عليه السلام ، وأهل بيته .
وهذا أثر غريب أيضا
وقوله : ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات ، أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم ، التاركين للدين القويم ، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة ، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة ، الحسنة مناظرها ، الطيبة مساكنها ، التي من سكنها ينعم لا ييأس ، ويحيا لا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهد العبد، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله، من معاصي القلب واللسان والجوارح، الظاهرة والباطنة. ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي [بها] ويستجيب الله له الدعاء. ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه، الجهاد في سبيله، وهو: بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال، والنفس، والرأي، واللسان، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد، لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات. ولأن من قام به، فهو على القيام بغيره أحرى وأولى { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إذا اتقيتم الله بترك المعاصي، وابتغيتم الوسيلة إلى الله، بفعل الطاعات، وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب، والنجاة من كل مرهوب، فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم.
تفسير البغوي
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا ) اطلبوا ، ( إليه الوسيلة ) أي : القربة ، فعيلة من توسل إلى فلان بكذا ، أي : تقرب إليه وجمعها وسائل ، ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) [ تلخيصه : امتثلوا أمر الله تنجوا ] .
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي منادى نكرة مقصودة واسم الموصول بدل والجملة صلة الموصول (اتَّقُوا اللَّهَ) فعل أمر وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) الجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما أو بالوسيلة بعدها والجملة معطوفة (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) الجملة معطوفة (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لعل واسمها وجملة تفلحون خبرها والجملة تعليلية.