موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الانسان: [الآية 7]

سورة الانسان
يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيرًا ﴿7﴾

تفسير الجلالين:

«يوفون بالنذر» في طاعة الله «ويخافون يوما كان شره مستطيرا» منتشرا.

تفسير الشيخ محي الدين:

يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)

لو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له ، من عدم مبالاة الحق بأهل الشقاء ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف اللّه نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ،

وقد قيل في أهل الشقاء (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فلو لا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .


(77) سورة المرسلات مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

جاء في نزول سورة المرسلات وغيرها أنها نزلت مرتين .

------------

(31) الفتوحات ج 3 / 463

تفسير ابن كثير:

وقوله : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي : يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من [ فعل ] الطاعات الواجبة بأصل الشرع ، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر .

قال الإمام مالك ، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن مالك ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ، رواه البخاري من حديث مالك .

ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد ، وهو اليوم الذي شره مستطير ، أي : منتشر عام على الناس إلا من رحم الله .

قال ابن عباس : فاشيا . وقال قتادة : استطار - والله - شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض .

قال ابن جرير : ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال . ومنه قول الأعشى :

فبانت وقد أسأرت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيرا

يعني : ممتدا فاشيا .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {يوفون بالنذر} أي لا يخلفون إذا نذروا. وقال معمر عن قتادة : بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات. وقال مجاهد وعكرمة : يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه. وقال الفراء والجرجاني : وفي الكلام إضمار؛ أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. والعرب قد تزيد مرة {كان} وتحذف أخرى. والنذر : حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه من شيء يفعله. وإن شئت قلت في حده : النذر : هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه. وقال الكلبي{يوفون بالنذر} أي يتممون العهود والمعنى واحد؛ وقد قال الله تعالى {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم}[الحج : 29] أي أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج. وهذا يقوي قول قتادة. وأن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله؛ قال القشيري. وروى أشهب عن مالك أنه قال {يوفون بالنذر} هو نذر العتق والصيام والصلاة. وروى عنه أبو بكر بن عبدالعزيز قال مالك. {يوفون بالنذر} قال : النذر : هو اليمين. قوله تعالى {ويخافون} أي يحذرون {يوما} أي يوم القيامة. {كان شره مستطيرا} أي عاليا داهيا فاشيا وهو في اللغة ممتدا؛ والعرب تقول : استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال : إذا امتد؛ قال الأعشى : وبانت وقد أسأرت في الفؤاد ** صدعا على نأيها مستطيرا ويقال : استطار الحريق : إذا انتشر. واستطار الفجر إذا انتشر الضوء. وقال حسان : وهان على سراء بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير وكان قتادة يقول : استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وقال مقاتل : كان شره فاشيا في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه. قوله تعالى {ويطعمون الطعام على حبه} قال ابن عباس ومجاهد : على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له. وقال الداراني : على حب الله. وقال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطعام. وكان الربيع بن خيثم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر. {مسكينا} أي ذا مسكنة. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هو الطواف يسألك مالك {ويتيما} أي من يتامى المسلمين. وروى منصور عن الحسن : أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر، فدعا ذات يوم بطعامه، وطلب اليتيم فلم يجده، وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام، فدعا له بسويق وعسل؛ فقال : دونك هذا، فوالله ما غبنت؛ قال الحسن وابن عمر : والله ما غبن. {وأسيرا} أي الذي يؤسر فيحبس. فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم. وقال قتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الأسير هو المحبوس. وكذا قال سعيد بن جبير وعطاء : هو المسلم يحبس بحق. وعن سعيد بن جبير مثل قول قتادة وابن عباس. قال قتادة : لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وأن أسراهم يومئذ لأهل الشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. وقال عكرمة : الأسير العبد. وقال أبو حمزة الثمالي : الأسير المرأة، يدل عليه قوله عليه السلام : (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم) أي أسيرات. وقال أبو سعيد الخدري : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} فقال : (المسكين الفقير، واليتيم الذي لا أب له، والأسير المملوك والمسجون) ذكره الثعلبي. وقيل : نسخ إطعام المسكين آية الصدقات؛ وإطعام الأسير آية السيف؛ قال سعيد بن جبير. وقال غيره : بل هو ثابت الحكم، وإطعام اليتيم والمسكين على التطوع، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلا أن يتخير فيه الإمام. الماوردي : ويحتمل أن يريد بالأسير الناقص العقل؛ لأنه في أسر خبله وجنونه، وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام؛ وهذا بر وإحسان. وعن عطاء قال : الأمير من أهل القبلة وغيرهم. قلت : وكأن هذا القول عام يجمع جميع الأقوال، ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا. والله أعلم. ومضى القول في المسكين واليتيم والأسير واشتقاق ذلك من اللغة في البقرة مستوفى والحمد لله. قوله تعالى {إنما نطعمكم لوجه الله} أي يقولون بألسنتهم للمسكين واليتيم والأسير {إنما نطعمكم} في الله جل ثناؤه فزعا من عذابه وطمعا في ثوابه. {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} {لا نريد منكم جزاء} أي مكافأة. {ولا شكورا} أي ولا أن تثنوا علينا بذلك؛ قال ابن عباس : كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين أطعموا. وعن سالم عن مجاهد قال : أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله جل ثناؤه منهم فأثنى به عليهم؛ ليرغب في ذلك راغب. وقال سعيد بن جبير حكاه عنه القشيري. وقيل : إن هذه الآية نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذرا فوفى به. وقيل : نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله عنهم؛ ذكره الماوردي. وقال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا. وقال أبو حمزة الثمالي : بلغني أن رجلا قال يا رسول الله أطعمني فإني والله مجهود؛ فقال : (والذي نفسي بيده ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب) فأتى رجلا من الأنصار وهو يتعشى مع امرأته فسأله؛ وأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالت المرأة : اطعمه واسقه. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتيم فقال : يا رسول الله! أطعمني فإني مجهود. فقال : (ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب) فاستطعم ذلك الأنصاري فقالت المرأة : أطعمه واسقه، فأطعمه. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم أسير فقال : يا رسول الله! أطعمني فإني مجهود. فقال : (والله ما معي ما أطعمك ولكن اطلب) فجاء الأنصاري فطلب، فقالت المرأة : أطعمه واسقه. فنزلت {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ذكره الثعلبي. وقال أهل التفسير : نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة. قلت : والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلا حسنا؛ فهي عامة. وقد ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصة علي وفاطمة وجاريتهما حديثا لا يصح ولا يثبت، رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} قال : مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب؛ فقالوا : يا أبا الحسن - ورواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبا الحسن - رجع الحديث إلى حديث ليث بن أبي سليم - لو نذرت عن ولديك شيئا، وكل نذر ليس له وفاء فليس بشيء. فقال رضي الله عنه : إن برأ ولداي صمت لله ثلاثة أيام شكرا. وقالت جارية لهم نوبية : إن برأ سيداي صمت لله ثلاثة أيام شكرا. وقالت فاطمة مثل ذلك. وفي حديث الجعفي فقال الحسن والحسين : علينا مثل ذلك فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي إلى شمعون بن حاريا الخيبري، وكان يهوديا، فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير، فجاء به، فوضعه ناحية البيت، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه. وفي حديث الجعفي : فقامت الجارية إلى صاع من شعير فخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرص، فلما مضى صيامهم الأول وضع بين أيديهم الخبز والملح الجريش؛ إذ أتاهم مسكين، فوقف بالباب وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد - في حديث الجعفي - أنا مسكين من مساكين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا والله جائع؛ أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي رضي الله عنه، فأنشأ يقول : فاطم ذات الفضل اليقين ** يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس المسكين ** قد قام بالباب له حنين يشكو إلى الله ويستكين ** يشكو إلينا جائع حزين كل امرئ بكسبه رهين ** وفاعل الخيرات يستبين موعدنا جنة عليين ** حرمها الله على الضنين وللبخيل موقف مهين ** تهوى به النار إلى سجين شرابه الحميم والغسلين ** من يفعل الخير يقم سمين ويدخل الجنة أي حين فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول : أمرك عندي يا ابن عم طاعه ** ما بي من لؤم ولا وضاعه غديت في الخبز له صناعه ** أطعمه ولا أبالي الساعه أرجو إذا أشبعت ذا المجاعه ** أن ألحق الأخيار والجماعه وأدخل الجنة لي شفاعه فأطعموه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم؛ فوقف بالباب يتيم فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة. أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي فأنشأ يقول : فاطم بنت السيد الكريم ** بنت نبي ليس بالزنيم لقد أتى الله بذي اليتيم ** من يرحم اليوم يكن رحيم ويدخل الجنة أي سليم ** قد حرم الخلد على اللئيم ألا يجوز الصراط المستقيم ** يزل في النار إلى الجحيم شرابه الصديد والحميم فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول : أطعمه اليوم ولا أبالي ** وأوثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهمُ أشبالي ** أصغرهم يقتل في القتال بكر بلا يقتل باغتيال ** يا ويل للقاتل مع وبال تهوي به النار إلى سفال ** وفي يديه الغل والأغلال كبولة زادت على الأكبال فأطعموه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح؛ فلما كانت في اليوم الثالث قامت إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل، فوضع الطعام بين أيديهم؛ إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! أطعموني فإني أسير محمد. فسمعه علي فأنشأ يقول : فاطم يا بنت النبي أحمد ** بنت نبي سيد مسود وسماه الله فهو محمد ** قد زانه الله بحسن أغيد هذا أسير للنبي المهتد ** مثقل في غله مقيد ينكو إلينا الجوع قد تمدد ** من يطعم اليوم يجده في غد عند العلي الواحد الموحد ** ما يزرع الزارع سوف يحصد أعطيه لا لا تجعليه أقعد فأنشأت فاطمة رضي الله تعالى عنها تقول : لم يبق مما جاء غير صاع ** قد ذهبت كفي مع الذراع ابناي والله هما جياع ** يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع ** يصطنع المعروف بابتداع عبل الذراعين شديد الباع ** وما على رأسي من قناع إلا قناعا نسجه أنساع فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الرابع، وقد قضى الله النذر أخذ بيده اليمنى الحسن، وبيده اليسرى الحسين، وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع؛ فلما أبصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة] فانطلقوا إليها وهي في محرابها، وقد لصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها من شدة الجوع، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال : [واغوثاه يا الله، أهل بيت محمد يموتون جوعا] فهبط جبريل عليه السلام وقال : السلام عليك، ربك يقرئك السلام يا محمد، خذه هنيئا في أهل بيتك. قال : (وما أخذ يا جبريل) فأقرأه {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} إلى قوله {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} قال الترمذي الحكيم أبو عبدالله في نوادر الأصول : فهذا حديث مزوق مزيف، قد تطرف فيه صاحبه حتى تشبه على المستمعين، فالجاهل بهذا الحديث يعض شفتيه تلهفا ألا يكون بهذه الصفة، ولا يعلم أن صاحب هذا الفعل مذموم؛ وقد قال الله تعالى في تنزيله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}[البقرة : 219] وهو الفضل الذي يفضل عن نفسك وعيالك، وجرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بأن [خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى]. [وابدأ بنفسك ثم بمن تعول] وافترض الله على الأزواج نفقة أهاليهم وأولادهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت] أفيحسب عاقل أن عليا جهل هذا الأمر حتى أجهد صبيانا صغارا من أبناء خمس أو ست على جوع ثلاثة أيام ولياليهن؟ حتى تضوروا من الجوع، وغارت العيون منهم؛ لخلاء أجوافهم، حتى أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهم من الجهد. هب أنه آثر على نفسه هذا السائل، فهل كان يجوز له أن يحمل أهله على ذلك؟! وهب أن أهله سمحت بذلك لعلي فهل جاز له أن يحمل أطفاله على جوع ثلاثة أيام بلياليهن؟! ما يروج مثل هذا إلا على حمقى جهال؛ أبى الله لقلوب متنبهة أن تظن بعلي مثل هذا. وليت شعري من حفظ هذه الأبيات كل ليلة عن علي وفاطمة، وإجابة كل واحد منهما صاحبه، حتى أداه إلى هؤلاء الرواة؟ فهذا وأشباهه من أحاديث أهل السجون فيما أرى بلغني أن قوما يخلدون في السجون فيبقون بلا حيلة، فيكتبون أحاديث في السمر وأشباهه، ومثل هذه الأحاديث مفتعلة، فإذا صارت إلى الجهابذة رموا بها وزيفوها، وما من شيء إلا له آفة ومكيدة، وآفة الدين وكيده أكثر.

التفسير الميسّر:

هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.

تفسير السعدي

وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى، { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } أي: منتشرا فاشيا، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك،


تفسير البغوي

"يوفون بالنذر"، هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك. قال قتادة: أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة، وغيرها من الواجبات، ومعنى النذر: الإيجاب.

وقال مجاهد وعكرمة: إذا نذروا في طاعة الله وفوا به.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه". "ويخافون يوماً كان شره مستطيراً"، فاشياً ممتداً، استطار الصبح، إذا امتد وانتشر. قال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وكورت الشمس والقمر، وفزعت الملائكة، وفي الأرض: فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء.


الإعراب:

(يُوفُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله و(بِالنَّذْرِ) متعلقان بالفعل والجملة مستأنفة و(وَيَخافُونَ) مضارع وفاعله و(يَوْماً) مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها و(كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) كان واسمها وخبرها والجملة صفة يوما.

---

Traslation and Transliteration:

Yoofoona bialnnathri wayakhafoona yawman kana sharruhu mustateeran

بيانات السورة

اسم السورة سورة الانسان (Al-Insan - The Man)
ترتيبها 76
عدد آياتها 31
عدد كلماتها 243
عدد حروفها 1065
معنى اسمها (الْإِنْسَانُ): مَعْرُوفٌ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الإِنْسَانِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ﴾ وَسُورَةَ ﴿ٱلدَّهۡرِ﴾
مقاصدها تَذْكِيرُ الْإِنْسَانِ بِنِعْمَةِ خَلْقِهِ وَمَصِيرِهِ لِلْاتِّعَاظِ وَالْاعْتِبَارِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها تُسَنُّ قِراءتُها فَجرَ الجُمُعَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَومَ الْجُمُعَةِ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ﴾». (رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسْلِم). مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (وَهَلْ أَتَى وَلاَ أُقْسِمُ بِيَومِ الْقِيامَةِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الإِنْسَانِ) بِآخِرِهَا: التَّذْكِيرُ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ ...٢٨﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْإِنْسَانِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقِيَامَةِ): خُتِمَتِ (الْقِيَامَةُ) بِتَذْكِيرِ الْإِنْسَانِ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: ﴿أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ ٣٧ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ٣٨﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْإِنْسَانُ) بِالْمَوضُوعِ نَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢﴾
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!