«وما أنتم» يا مشركون «بمعجزين» الله هرباً «في الأرض» فتفوتوه «وما لكم من دون الله» أي غيره «من وليّ ولا نصير» يدفع عذابه عنكم.
صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
«صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» الصراطات تميزت بالإضافة ، فمنها صراط اللّه ، ومنها صراط العزيز ، ومنها صراط الرب ، ومنها صراط محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومنها صراط النعم ، وهو صراط الذين أنعمت عليهم ، فصراط اللّه هو الصراط العام الذي عليه تمشي جميع الأمور ، فيوصلها إلى اللّه ، فيدخل فيه كل شرع إلهي وموضوع عقلي ، فهو يوصل إلى اللّه ، فيعم الشقي والسعيد ، واللّه على صراط مستقيم ، والطريق لا يراد لنفسه ، وإنما يراد لغايته ، فالشريعة «صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» من الموازين «أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» وترجع لأنها على صراطه ، وهو غاية صراطه ، فلا بد للسالك عليه من الوصول إليه ، فتعم الرحمة الجميع ، فإن الرحمة سبقت الغضب ، فما دام الحق منعوتا بالغضب فالآلام باقية على أهل جهنم الذين هم أهلها ، فإذا زال الغضب الإلهي وامتلأت به النار ، ارتفعت الآلام ، وحكمت الرحمة ، وهذا الصراط هو الذي يقول فيه أهل اللّه : إن الطرق إلى اللّه على عدد أنفاس الخلائق ؛ وكل نفس إنما يخرج من القلب بما هو عليه القلب من الاعتقاد في اللّه .
(43) سورة الزخرف مكيّة
------------
(53) الفتوحات ج 2 /
646 - ج 3 /
410 - ج 2 /
166 ،
646 ،
166 -ح 3 / 411
قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} قرأ نافع وابن عامر {بما كسبت} بغير فاء. الباقون {فبما} بالفاء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم للزيادة في الحرف والأجر. قال المهدوي : إن قدرت أن {ما} الموصولة جاز حذف الفاء وإثباتها، والإثبات أحسن. وإن قدرتها التي للشرط لم يجز الحذف عند سيبويه، وأجازه الأخفش واحتج بقوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [
الأنعام : 121]. والمصيبة هنا الحدود على المعاصى؛ قاله الحسن. وقال الضحاك : ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب؛ قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} ثم قال : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؛ ذكره ابن المبارك عن عبدالعزيز بن أبي رواد. قال أبو عبيد : إنما هذا على الترك، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه إلا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شيء. ومما يحقق ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره؛ من ذلك حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : سمع قراءة رجل في المسجد فقال : (ما له رحمه الله ! لقد أذكرني آيات كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا). وقيل: {ما} بمعنى الذي، والمعنى الذي أصابكم فيما مضى بما كسبت أيديكم. وقال علي رضي الله عنه : هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل. وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه ! وقد روي هذا المعنى مرفوعا عنه رضي الله عنه، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم {وما من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الآية : (يا علي ما أصابكم من مرض أوعقوبة أوبلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم. والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه). وقال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر). وقال الحسن : دخلنا على عمران بن حصين فقال رجل : لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع؛ فقال عمران : يا أخي لا تفعل ! فوالله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله، قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير} فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر. وقال مُرَّة الهمذاني : رأيت على ظهر كف شريح قرحه فقلت : يا أبا أمية، ما هذا؟ قال : هذا بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. وقال ابن عون : إن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال : إني لا أعرف هذا الغم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة. وقال أحمد بن أبي الحواري قيل لأبى سليمان الداراني : ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم ؟ فقال : لأنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}. وقال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلا بها. وروي أن رجلا قال لموسى : يا موسى، سل الله لي حاجة يقضيها لي هو أعلم بها؛ ففعل موسى؛ فلما نزل إذ هو بالرجل قد مزق السبع لحمه وقتله؛ فقال موسى : ما بال هذا يا رب؟ فقال الله تبارك وتعالى له : (يا موسى إنه سألني درجة علمت أنه لم يبلغها بعمله فأصبته بما ترى لأجعلها وسيلة له في نيل تلك الدرجة). فكان أبو سليمان الداراني إذا ذكر هذا الحديث يقول : سبحان من كان قادرا على أن ينيله تلك الدرجة بلا بلوى ! ولكنه يفعل ما يشاء. قلت : ونظير هذه الآية في المعنى قوله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به} [
النساء : 123] وقد مضى القول فيه. قال علماؤنا : وهذا في حق المؤمنين، فأما الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة. وقيل : هذا خطاب للكفار، وكان إذا أصابهم شر قالوا : هذا بشؤم محمد؛ فرد عليهم وقال بل ذلك بشؤم كفركم. والأول اكثر وأظهر وأشهر. وقال ثابت البناني : إنه كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا. ثم فيها قولان : أحدهما : أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم، وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم. الثاني : أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والأطفال في غيرهم من والد ووالدة. {ويعفو عن كثير} أي عن كثير من المعاصي ألا يكون عليها حدود؛ وهو مقتضى قول الحسن. وقيل : أي يعفو عن كثير من العصاة ألا يعجل عليهم بالعقوبة. {وما أنتم بمعجزين في الأرض} أي بفائتين الله؛ أي لن تعجزوه ولن تفوتوه {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} تقدم في غير موضع.
وما أنتم- أيها الناس- بمعجزين قدرة الله عليكم، ولا فائتيه، وما لكم من دون الله مِن وليٍّ يتولى أموركم، فيوصل لكم المنافع، ولا نصير يدفع عنكم المضارَّ.
{ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ } أي: معجزين قدرة اللّه عليكم، بل أنتم عاجزون في الأرض، ليس عندكم امتناع عما ينفذه اللّه فيكم. { وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم، فيحصل لكم المنافع { وَلَا نَصِيرٍ } يدفع عنكم المضار.
( وما أنتم بمعجزين ) بفائتين ، ( في الأرض ) هربا يعني لا تعجزونني حيثما كنتم ولا تسبقونني ، ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) .
(وَما) حرف عطف وما نافية تعمل عمل ليس (أَنْتُمْ) اسمها (بِمُعْجِزِينَ) الباء حرف جر زائد ومجرور لفظا منصوب محلا خبر ما (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بمعجزين والجملة معطوفة على ما قبلها (وَما) الواو حرف عطف وما نافية (لَكُمْ) جار ومجرور خبر مقدم (مِنْ دُونِ) متعلقان بمحذوف حال (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (مِنْ) حرف جر زائد (وَلِيٍّ) مجرور لفظا مرفوع محلا مبتدأ (وَلا نَصِيرٍ) معطوف على من ولي والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Wama antum bimuAAjizeena fee alardi wama lakum min dooni Allahi min waliyyin wala naseerin
Ye cannot escape in the earth, for beside Allah ye have no protecting friend nor any helper.
Ve siz, yeryüzünde onu aciz bir hale getiremezsiniz ve size, Allah'tan başka ne bir dost vardır, ne bir yardımcı.
Vous ne pouvez pas échapper à la puissance d'Allah sur la terre; et vous n'avez en dehors d'Allah, ni maître ni défenseur.
Und nicht macht ihr (Uns) auf Erden zu schaffen. Und für euch gibt es anstelle von ALLAH weder Wali, noch Beistehenden.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الشورى (Ash-Shura - The Consultation) |
ترتيبها |
42 |
عدد آياتها |
53 |
عدد كلماتها |
860 |
عدد حروفها |
3431 |
معنى اسمها |
الشُّورَى: الْأَمْرُ الَّذِي يُتَشَاوَرُ فِيهِ، وَالمُرَادُ (بِالشُّورَى): مَبْدَأٌ فِي الإِسْلَامِ مَعْرُوفٌ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الشُّورَى)، وَتُسَمَّى سُورَةَ ﴿حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢﴾ |
مقاصدها |
تَعْلِيمُ المُسْلِمِينَ مَبْدَأَ الشُّورَى فِي مُعَامَلاتِهِمْ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الشُّورَى) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ٤﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ ...٥٣﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الشُّورَى) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (فُصِّلَتْ): خُتِمَتْ (فُصِّلَتْ) ببَيَانِ أَنَّ اللهَ وَوَحْيَهُ حَقٌّ؛ فَقَالَ: ﴿حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ ...٥٣﴾، وَافْتُتِحَتِ (الشُّورَى) بِالْوَحْيِ إِلَى الرُّسُلِ وَهُوَ حَقٌّ؛ فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢ كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣﴾. |