موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة يس: [الآية 29]

سورة يس
إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَٰمِدُونَ ﴿29﴾

تفسير الجلالين:

«إن» ما «كانت» عقوبتهم «إلا صيحة واحدة» صاح بهم جبريل «فإذا هم خامدون» ساكنون ميتون.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) وَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)

[ الأمر الإلهي أمران ، بالواسطة وبرفع الوسائط ]

«إِنَّما أَمْرُهُ» الأمر أمران : أمر بواسطة ، وأمر برفع الوسائط ، فأمره سبحانه برفع الوسائط لا يتصوّر أن يعصى ، لأنه بكن ، إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن ، وما هو موصوف بلم يكن ما يتصور منه الإباية ، وإذا كان الأمر الإلهي بالواسطة فلا يكون بكن ، فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة ، وإنما يكون الأمر بما يدل على الفعل ، فيؤمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ،

فيقال له : أقم الصلاة ، وآت الزكاة ، فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر ، فيطيعه من شاء منهم ويعصيه من شاء منهم ، والإنسان لا يقدر على رفع ما تكون في نفسه ، فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان ، فكان الحكم لما تكون فيمن تكون ، فآمن ولا بد ، أو صلى ولا بد ، أو صام ولا بد ، على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به كن ، وقد يرد أمر الواسطة ولا يرد الأمر الإلهي ، فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها ، فيظهر كأنه عاص ، وإنما هو عاجز فاقد في الحقيقة ، لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن يتكون عنه ، فلا أطوع من الخلق لأوامر الحق ، أي لقبول ما أمر الحق بتكوينه فيه ، ولكن لا يشعرون ، وليست الأوامر التي أوجبنا طاعتها ، إلا الأوامر الإلهية ، لا الأوامر الواردة على ألسنة الرسل ، فإن الآمر من الخلق طائع فيما أمر ، لأنه لو لم يؤمر بأن يأمر ما أمر ، فلو أن الذي أمره يسمع المأمور بذلك الأمر أمره لامتثل ،


فإن أمر اللّه لا يعصى إذا ورد بغير الوسائط ، فالأمر الإلهي لا يخالف الإرادة الإلهية ، فإنها داخلة في حدّه وحقيقته ،

وإنما وقع الالتباس من تسميتهم صيغة الأمر - وليست بأمر - أمرا ، والصيغة مرادة بلا شك ، فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ الأوامر لا الأوامر ، فتعصى ، وقد يأمر الآمر بما لا يريد وقوع المأمور به ،

فما عصى أحد قط أمر اللّه «إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»

لم يكن للأعيان في حال عدمها شيء من النسب إلا السمع ، فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها لقبول الأمر الإلهي إذا ورد عليها بالوجود ، فلما أراد بها الوجود قال لها «كُنْ» فكانت وظهرت في أعيانها ، فكان الكلام الإلهي أول شيء أدركته من اللّه تعالى ، بالكلام الذي يليق به سبحانه ،

والأصل ثبوت العين لا وجودها ، ولم تزل بهذا النعت موصوفة ، وبقبولها سماع الخطاب إذا خوطبت منعوتة ، فهي مستعدة لقبول نعت الوجود ، مسارعة لمشاهدة المعبود ، فلما قال لها في حال عدمها «كُنْ» كانت ، فبانت بنفسها وما بانت

- بحث –

السماع الإلهي هو أول مراتب الكون ، وبه يقع الختام ، فأول وجود الكون بالسماع ، وآخر انتهائه من الحق السماع ، ويستمر النعيم في أهل النعيم والعذاب في أهل العذاب ، فأما في ابتداء كون كل مكوّن فإنما ظهر عن قول كن ، فأسمعه اللّه فامتثل ، فظهر عينه في الوجود وكان عدما ، فسبحان العالم بحال من قال له :كن فكان ، فأول شيء ناله الممكن مرتبة السماع الإلهي ، فإن كن صفة قول ، قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا) والسماع متعلقه القول . وأما في الانتهاء في حق الكفار (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) فخاطبهم وهم يسمعون ، وأما في حق أهل الجنة فبعد الرؤية والتجلي الذي هو أعظم النعم عندهم في علمهم ،

فيقول : [ هل بقي لكم شيء ؟ فيقولون : يا ربنا وأي شيء بقي لنا ؟

نجيتنا من النار ، وأدخلتنا الجنة ، وملكتنا هذا الملك ، ورفعت الحجاب بيننا وبينك فرأيناك ، وأي شيء بقي يكون عندنا أعظم مما نلناه ؟

فيقول سبحانه: رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا ]

فأخبرهم بالرضا ودوامه وهم يسمعون ، فذلك أعظم نعيم وجدوه ، فختم بالسماع كما بدأ ، ثم استصحبهم السماع دائما ما بين بدايتهم وغاية مراتب نعيمهم ، فطوبى لمن كانت له أذن واعية لما يورده الحق في خطابه .

------------

(82) الفتوحات ج 2 / 588 - ج 4 / 424 ، 430 - ج 1 / 168 ، 741 -ح 3 / 4

تفسير ابن كثير:

( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) قال : فأهلك الله ذلك الملك ، وأهلك أهل أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم يبق منهم باقية .

وقيل : ( وما كنا منزلين ) أي : وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم ، بل نبعث عليهم عذابا يدمرهم .

وقيل : المعنى في قوله : ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ) أي : من رسالة أخرى إليهم . قاله مجاهد وقتادة . قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ، ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) .

قال ابن جرير : والأول أصح ; لأن الرسالة لا تسمى جندا .

قال المفسرون : بعث الله إليهم جبريل ، عليه السلام ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم ، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد .

وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح ، عليه السلام ، كما نص عليه قتادة وغيره ، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره ، وفي ذلك نظر من وجوه :

أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله ، عز وجل ، لا من جهة المسيح ، كما قال تعالى : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ) إلى أن قالوا : ( ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين ) [ يس : 14 - 17 ] . ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح ، عليه السلام ، والله أعلم . ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم : ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) [ يس : 15 ] .

الثاني : أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح ; ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركة ، وهن القدس لأنها بلد المسيح ، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها ، والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين . ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطده . ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها ، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين ، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، فالله أعلم .

الثالث : أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف : أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ، ذكروه عند قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) [ القصص : 43 ] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن [ العظيم ] قرية أخرى غير أنطاكية ، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا . أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة ، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا حسين الأشقر ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السبق ثلاثة : فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب يس ، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب " ، فإنه حديث منكر ، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر ، وهو شيعي متروك ، [ والله أعلم ] .


تفسير الطبري :

قوله تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} هو حبيب بن مري وكان نجارا. وقيل : إسكافا. وقيل : قصارا. وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام، وهو ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما. ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره. قال وهب : وكان حبيب مجذوما، ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم، لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما استجابوا له، فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة الله فقال : هل من آية؟ قالوا : نعم، ندعو ربنا القادر فيفرج عنك ما بك. فقال : إن هذا لعجب! أدعو هذه الآلهة سبعين سنة تفرج عني فلم تستطع، فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا : نعم، ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر. فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به، كأن لم يكن به بأس، فحينئذ أقبل على التكسب، فإذا أمسى تصدق بكسبه، فأطعم عياله نصفا وتصدق بنصف، فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم. فـ {قال يا قوم اتبعوا المرسلين} الآية. وقال قتادة : كان يعبد الله في غار، فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى، فقال للمرسلين : أتطلبون على ما جئتم به أجرا؟ قالوا : لا ما أجرنا إلا على الله. قال أبو العالية : فاعتقد صدقهم وآمن بهم وأقبل على قومه فـ {قال يا قوم اتبعوا المرسلين}. {اتبعوا من لا يسألكم أجرا} أي لو كانوا متهمين لطلبوا منكم المال {وهم مهتدون} فاهتدوا بهم. {وما لي لا أعبد الذي فطرني} قال قتادة : قال له قومه أنت على دينهم؟! فقال :{وما لي لا أعبد الذي فطرني} أي خلقني. {وإليه ترجعون} وهذا احتجاج منه عليهم. وأضاف الفطرة إلى نفسه؛ لأن ذلك نعمة عليه توجب الشكر، والبعث إليهم؛ لأن ذلك وعيد يقتضي الزجر؛ فكان إضافة النعمة إلى نفسه اظهر شكرا، وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ أثرا. قوله تعالى: {أأتخذ من دونه آلهة} يعني أصناما. {إن يردني الرحمن بضر} يعني ما أصابه من السقم. {لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذوني} يخلصوني مما أنا فيه من البلاء {إني إذا} يعني إن فعلت ذلك {لفي ضلال مبين} أي خسران ظاهر. {إني آمنت بربكم فاسمعون} قال ابن مسعود : خاطب الرسل بأنه مؤمن بالله ربهم. ومعنى {فاسمعون} أي فأشهدوا، أي كونوا شهودي بالإيمان. وقال كعب ووهب : إنما قال ذلك لقومه إنى آمنت بربكم الذي كفرتم به. وقيل : إنه لما قال لقومه {اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرا} رفعوه إلى الملك وقالوا : قد تبعت عدونا؛ فطول معهم الكلام ليشغلهم بذلك عن قتل الرسل، إلى أن قال: {إني آمنت بربكم} فوثبوا عليه فقتلوه. قال ابن مسعود : وطئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبُه من دبره، وألقي في بئر وهي الرس وهم أصحاب الرس. وفي رواية أنهم قتلوا الرسل الثلاثة. وقال السدي : رموه بالحجارة وهو يقول : اللهم اهد قومي حتى قتلوه. وقال الكلبي : حفروا حفرة وجعلوه فيها، وردموا فوقه التراب فمات ردما. وقال الحسن : حرقوه حرقا، وعلقوه من سور المدينة وقبره في سور أنطاكية؛ حكاه الثعلبي. وقال القشيري : وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة، فإذا أعاد الله الجنة أدخلها. وقيل : نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه، فوالله ما خرجت روحه إلا إلى الجنة فدخلها؛ فذلك قوله: {قيل ادخل الجنة}. فلما شاهدها {قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي} أي بغفران ربي لي؛ فـ {ما} مع الفعل بمنزلة المصدر. وقيل : بمعنى الذي والعائد من الصلة محذوف. ويجوز أن تكون استفهاما فيه معنى التعجب، كأنه قال ليت قومي يعلمون بأي شيء غفر لي ربي؛ قال الفراء. واعترضه الكسائي فقال : لو صح هذا لقال بم من غير ألف. وقال الفراء : يجوز أن يقال بما بالألف وهو استفهام وأنشد فيه أبياتا. الزمخشري {بم غفر لي} بطرح الألف أجود، وإن كان إثباتها جائزا؛ يقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت. المهدوي : وإثبات الألف في الاستفهام قليل. فيوقف على هذا على {يعلمون}. وقال جماعة : معنى {قيل ادخل الجنة} وجبت لك الجنة؛ فهو خبر بأنه قد استحق دخول الجنة؛ لأن دخولها يستحق بعد البعث. قلت : والظاهر من الآية أنه لما قتل قيل له ادخل الجنة. قال قتادة : أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق؛ أراد قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران : 169] على ما تقدم في {آل عمران} بيانه. والله أعلم. قوله تعالى: {قال يا ليت قومي يعلمون} وهو مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قول عند ذلك الفوز العظيم الذي هو {بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} وقرئ {من المكرمين} وفي معنى تمنيه قولان : أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته. الثاني تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله. قال ابن عباس : نصح قومه حيا وميتا. رفعه القشيري فقال : وفي الخبر أنه عليه السلام قال في هذه الآية (إنه نصح لهم في حياته وبعد موته). وقال ابن أبي ليلى : سُبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب وهو أفضلهم، ومؤمن آل فرعون، وصاحب يس، فهم الصديقون؛ ذكره الزمخشري مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل. والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه. ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام. فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل النقمة على قومه، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم؛ فذلك قوله: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين} أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ولا نبي بعد قتله؛ قال قتادة ومجاهد والحسن. قال الحسن : الجند الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء. وقيل : الجند العساكر؛ أي لم أحتج في هلاكهم إلى إرسال جنود ولا جيوش ولا عساكر؛ بل أهلكهم بصيحة واحدة. قال معناه ابن مسعود وغيره. فقوله: {وما كنا منزلين} تصغير لأمرهم؛ أي أهلكناهم بصيحة واحدة من بعد ذلك الرجل، أو من بعد رفعه إلى السماء. وقيل: {وما كنا منزلين} على من كان قبلهم. الزمخشري : فان قلت فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ فقال: {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} [الأحزاب : 9]، وقال: {بثلاثةآلالف من الملائكة منزلين} [آل عمران : 124]. {بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران : 125]. قلت : إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكن الله فضل محمدا صلى الله عليه وسلم بكل شيء على سائر الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلا عن حبيب النجار، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحدا؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء، وكأنه أشار بقوله:{وما أنزلنا}. {وما كنا منزلين} إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعل لغيرك. {إن كانت إلا صيحة واحدة} قراءة العامة {واحدة} بالنصب على تقدير ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج {صيحة} بالرفع هنا، وفي قوله: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع} جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث؛ فكأنه قال : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة. وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف؛ كما تكون ما قامت إلا هند ضعيفا؛ من حيث كان المعنى ما قام أحد إلا هند. قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحة. قال النحاس : لا يمتنع شيء من هذا، يقال : ما جاءتني إلا جاريتك، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك. والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة، وقدره غيره : ما وقع عليهم إلا صيحة واحدة. وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب. وقرأ عبدالرحمن بن الأسود - ويقال إنه في حرف عبدالله كذلك - {إن كانت إلا زَقْيَة واحدة}. وهذا مخالف للمصحف. وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح، ومنه المثل : أثقل من الزواقي؛ فكان يجب على هذا أن يكون زقوة. ذكره النحاس. قلت : وقال الجوهري : الزقو والزقي مصدر، وقد زقا الصدى يزقو زقاء : أي صاح، وكل صائح زاق، والزقية الصيحة. قلت : وعلى هذا يقال : زقوة وزقية لغتان؛ فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها. والله أعلم. {فإذا هم خامدون} أي ميتون هامدون؛ تشبيها بالرماد الخامد. وقال قتادة : هلكى. والمعنى واحد.

التفسير الميسّر:

ما كان هلاكهم إلا بصيحة واحدة، فإذا هم ميتون لم تَبْقَ منهم باقية.

تفسير السعدي

{ إِنْ كَانَتْ } أي: كانت عقوبتهم { إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي: صوتا واحدا، تكلم به بعض ملائكة اللّه، { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم، وانزعجوا لتلك الصيحة، فأصبحوا خامدين، لا صوت ولا حركة، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح، وتجبرهم عليهم.


تفسير البغوي

ثم بين عقوبتهم فقال تعالى : ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) ، وقرأ أبو جعفر : صيحة واحدة بالرفع ، جعل الكون بمعنى الوقوع .

قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، ثم صاح بهم صيحة واحدة ( فإذا هم خامدون ) ميتون


الإعراب:

(إِنْ) نافية (كانَتْ) كان والتاء للتأنيث واسمها محذوف والجملة مستأنفة (إِلَّا) أداة حصر (صَيْحَةً) خبر كانت (واحِدَةً) صفة (فَإِذا) الفاء عاطفة وإذا الفجائية (هُمْ) مبتدأ (خامِدُونَ) خبر.

---

Traslation and Transliteration:

In kanat illa sayhatan wahidatan faitha hum khamidoona

بيانات السورة

اسم السورة سورة يس (Ya-Sin - Ya Sin)
ترتيبها 36
عدد آياتها 83
عدد كلماتها 733
عدد حروفها 2988
معنى اسمها (يسٓ): حَرْفَانِ لا يَعْلَمُ مَعْنَاهُمَا إِلاَّ اللهُ كَبَقِيَّةِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ فِي مُفْتَتَحِ بَعْضِ السُّوَر
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِمُفْتَتَحِ حُرُوفِ (يسٓ) دُونَ غَيرِهَا مِن سُوَرِ القُرْآنِ؛ فَسُمِّيَت بِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (يسٓ)، وَلَمْ تَثْبُتْ تَسْمِيَتُهَا بِـ(قَلْبِ القُرْآنِ)، وَ(الدَّافِعَةِ) و(القَاضِيَةِ) وَغَيْرِهَا
مقاصدها إِثْبَاتُ الأَرْكَانِ الثَّلاثَةِ للسُّورِ المَكِّيَّةِ، وهِيَ (وَحْدَانِيَّةُ اللهِ تَعَالَى، وَالرِّسَالَةُ، وَالبَعْثُ وَالنُّشُورُ)
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُولِهَا جُمـلَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَـحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها لَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ سِوَى أَثَرٍ موْقُوفٍ عَلَىَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَنْ قَرَأَ (يسٓ)، حِينَ يُصْبِحُ، أُعْطِيَ يُسْرَ يَوْمِهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهَا فِي صَدْرِ لَيْلِهِ، أُعْطِيَ يُسْرَ لَيْلَتِهِ حَتَّى يُصْبِحَ» (أَثَرٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ الدَّارَمِيّ
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يسٓ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مَسْأَلَةِ إِحْيَاءِ المَوتَى، فَقَالَ فِي أوَّلِهَا: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ ...١٢﴾، وَقَالَ في أَوَاخِرِهَا: ﴿قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ٧٩﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يسٓ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (فَاطِرٍ): لَمَّا دَعَا اللهُ تعَالَى المُشْرِكِينَ إِلَى الاعْتِبَارِ بِالأُمَمِ السَّابِقَةِ فِي أَوَاخِرِ (فَاطِرٍ)؛ بِقَولِهِ: ﴿أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ ...٤٤﴾، ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلا عَلَى عَاقِبَةِ بَعْضِهِم فِي أَوَائِلِ (يسٓ)؛ فَقَالَ: ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ١٣﴾... الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!