«فتوكل على الله» ثق به «إنك على الحق المبين» الدين البيِّن فالعاقبة لك بالنصر على الكفار ثم ضرب أمثالاً لهم بالموتى والصم والعمي فقال:
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
( فتوكل على الله ) أي : في أمورك ، وبلغ رسالة ربك ، ( إنك على الحق المبين ) أي : أنت على الحق المبين وإن خالفك من خالفك ، ممن كتبت عليه الشقاوة وحقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية ; ولهذا قال :
قوله تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} وذلك أنهم اختلفوا في كثير من الأشياء حتى لعن بعضهم فنزلت. والمعنى : إن هذا القرآن يبين لهم ما اختلفوا فيه لو أخذوا به، وذلك ما حرفوه من التوراة والإنجيل، وما سقط من كتبهم من الأحكام. {وإنه} يعني القرآن {لهدى ورحمة للمؤمنين}خص المؤمنين لأنهم المنتفعون به. {إن ربك يقضي بينهم بحكمه} أي يقضي بين بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه في الآخرة، فيجازي المحق والمبطل. وقيل : يقضي بينهم في الدنيا فيظهر ما حرفوه. {وهو العزيز} المنيع الغالب الذي لا يرد أمره {العليم} الذي لا يخفى عليه شيء. قوله تعالى: {فتوكل على الله} أي فوض إليه أمرك واعتمد عليه؛ فإنه ناصرك. {إنك على الحق المبين} أي الظاهر. وقيل : المظهر لمن تدبر وجه الصواب. {إنك لا تسمع الموتى}يعني الكفار لتركهم التدبر؛ فهم كالموتى لا حس لهم ولا عقل. وقيل : هذا فيمن علم أنه لا يؤمن. {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} يعني الكفار الذين هم بمنزلة الصم عن قبول المواعظ؛ فإذا دعوا إلى الخير أعرضوا وولوا كأنهم لا يسمعون؛ نظيره {صم بكم عمي} البقرة 18 كما تقدم. وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق وعباس عن أبي عمرو {ولا يسمع} بفتح الياء والميم {الصم} رفعا على الفاعل. الباقون {تسمع} مضارع أسمعت {الصم} نصبا. مسألة : وقد احتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية؛ فنظرت في الأمر بقياس عقلي ووقفت مع هذه الآية. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما أنتم بأسمع منهم) قال ابن عطية : فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين. قلت : ""روى البخاري"" رضي الله عنه؛ حدثني عبدالله بن محمد سمع روح بن عبادة قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه، قالوا : ما نُرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفير الركي، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؛ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؛ قال فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجسام لا أرواح لها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما. ""خرجه مسلم أيضا"". قال البخاري : حدثنا عثمان قال حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال : (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا) ثم قال : (إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق) ثم قرأت {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأت الآية. وقد عورضت هذه الآية بقصة بدر وبالسلام على القبور، وبما روي في ذلك من أن الأرواح تكون على شفير القبور في أوقات، وبأن الميت يسمع قرع النعال إذا انصرفوا عنه، إلى غير ذلك؛ فلو لم يسمع الميت لم يُسلَم عليه. وهذا واضح وقد بيناه في كتاب "التذكرة" قوله تعالى: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} أي كفرهم؛ أي ليس في وسعك خلق الإيمان في قلوبهم. وقرأ حمزة {وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم} كقوله {أفأنت تهدي العمي}. الباقون : بهادي العمي وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وفي "الروم" مثله. وكلهم وقف على بهادي بالياء في هذه السورة وبغير ياء في "الروم" اتباعا للمصحف، إلا يعقوب فإنه وقف فيهما جميعا بالياء. وأجاز الفراء وأبو حاتم : وما أنت بهاد العمي وهي الأصل. وفي حرف عبدالله {وما أن تهدي العمي}. {إن تسمع} أي ما تسمع. {إلا من يؤمن بآياتنا} قال ابن عباس : أي إلا من خلقته للسعادة فهم مخلصون في التوحيد.
فاعتمد -أيها الرسول- في كل أمورك على الله، وثق به؛ فإنه كافيك، إنك على الحق الواضح الذي لا شك فيه.
أي: اعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار وفي تبليغ الرسالة وإقامة الدين وجهاد الأعداء. { إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ } الواضح والذي على الحق يدعو إليه، ويقوم بنصرته أحق من غيره بالتوكل فإنه يسعى في أمر مجزوم به معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية. وأيضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء به ولا اشتباه، وإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم
"فتوكل على الله إنك على الحق المبين"، البين.
(فَتَوَكَّلْ) الفاء الفصيحة وأمر فاعله مستتر (عَلَى اللَّهِ) متعلقان بالفعل والجملة جواب شرط مقدر لا محل لها.
(إِنَّكَ) إن واسمها (عَلَى الْحَقِّ) متعلقان بمحذوف خبر إن (الْمُبِينِ) صفة الحق والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Fatawakkal AAala Allahi innaka AAala alhaqqi almubeeni
Therefor (O Muhammad) put thy trust in Allah, for thou (standest) on the plain Truth.
Ve artık dayan Allah'a, şüphe yok ki sen, apaçık gerçek yoldasın.
Place donc ta confiance en Allah, car tu es de toute évidence dans la vérité et le bon droit.
So übe Tawakkul ALLAH gegenüber! Du verfügst zweifelsohne über die eindeutige Wahrheit.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |