«واستبقا الباب» بادر إليه يوسف للفرار وهي للتشبث به فأمسكت ثوبه وجذبته إليها «وقدَّت» شقت «قميصه من دبر وألفيا» وجدا «سيدها» زوجها «لدى الباب» فنزعت نفسها ثم «قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا» زنا «إلا أن يسجن» يحبس في سجن «أو عذاب أليم» مؤلم بأن يضرب.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ، يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ] فقدته قدا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فألفيا سيدها - وهو زوجها - عند الباب ، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها : ( ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) أي : فاحشة ، ( إلا أن يسجن ) أي : يحبس ، ( أو عذاب أليم ) أي : يضرب ضربا شديدا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {واستبقا الباب} قال العلماء : وهذا من اختصار القرآن المعجز الذي يجتمع فيه المعاني؛ وذلك أنه لما رأى برهان ربه هرب منها فتعاديا، هي لترده إلى نفسها، وهو ليهرب عنها، فأدركته قبل أن يخرج. {وقدت قميصه من دبر} أي من خلفه؛ قبضت في أعلى قميصه فتخرق القميص عند طوقه، ونزل التخريق إلى أسفل القميص. والاستباق طلب السبق إلى الشيء؛ ومنه السباق. والقد: القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولا؛ قال النابغة : تَقُّدُّ السَّلوقِيَّ المُضَاعَفَ نسجُه ** وتُوقدُ بالصُّفَّاح نار الحُباحب والقط: بالطاء يستعمل فيما كان عرضا. وقال المفضل بن حرب : قرأت في مصحف {فلما رأى قميصه عُطَّ من دبر} أي شق. قال يعقوب : العط الشق في الجلد الصحيح والثوب الصحيح. وحذفت الألف من {استبقا} في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها؛ كما يقال : جاءني عبدَ الله في التثنية؛ ومن العرب من يقول : جاءني عبدا الله بإثبات الألف بغير همز، يجمع بين ساكنين؛ لأن الثاني مدغم، والأول حرف مد ولين. ومنهم من يقول : عبدا الله بإثبات الألف والهمز، كما تقول في الوقف. الثانية: في الآية دليل على القياس والاعتبار، والعمل بالعرف والعادة؛ لما ذكر من قد القميص مقبلا ومدبرا، وهذا أمر انفرد به المالكية في كتبهم؛ وذلك أن القميص إذا جبذ من خلف تمزق من تلك الجهة، وإذا جبذ من قدام تمزق من تلك الجهة، وهذا هو الأغلب. قوله تعالى{وألفيا سيدها لدى الباب} أي وجدا العزيز عند الباب، وعني بالسيد الزوج، والقبط يسمون الزوج سيدا. يقال : ألفاه وصادفه ووارطه ووالطه ولاطه كله بمعنى واحد؛ فلما رأت زوجها طلبت وجها للحيلة وكادت فـ {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا} أي زنى. {إلا أن يسجن} تقول : يضرب ضربا وجيعا. و{ما جزاء} ابتداء، وخبره {أن يسجن}. {أو عذاب أليم} عطف على موضع {أن يسجن} لأن المعنى : إلا السجن. ويجوز أو عذابا أليما بمعنى : أو يعذب عذابا أليما؛ قاله الكسائي.
وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج، وأسرعت تحاول الإمساك به، وجذبت قميصه من خلفه؛ لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته، ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع.
ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص، ويهرب من الفتنة، فبادرت إليه، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه، فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال، ألفيا سيدها، أي: زوجها لدى الباب، فرأى أمرا شق عليه، فبادرت إلى الكذب، أن المراودة قد كانت من يوسف، وقالت: { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } ولم تقل "من فعل بأهلك سوءا" تبرئة لها وتبرئة له أيضا من الفعل.
وإنما النزاع عند الإرادة والمراودة { إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: أو يعذب عذابا أليما.
( واستبقا الباب ) وذلك أن يوسف لما رأى البرهان قام مبادرا إلى باب البيت هاربا ، وتبعته المرأة لتمسك الباب حتى لا يخرج يوسف فسبق يوسف وأدركته المرأة ، فتعلقت بقميصه من خلفه ، فجذبته إليها حتى لا يخرج .
( وقدت قميصه ) أي : فشقته ( من دبر ) أي : من خلف ، فلما خرجا لقيا العزيز وهو قوله :
( وألفيا سيدها لدى الباب ) أي : وجدا زوج المرأة قطفير عند الباب جالسا مع ابن عم لراعيل فلما رأته هابته ، و ( قالت ) سابقة بالقول لزوجها ( ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) يعني : الزنا ، ثم خافت عليه أن يقتله ، فقالت : ( إلا أن يسجن ) أي : يحبس ( أو عذاب أليم ) أي : ضرب بالسياط ، فلما سمع يوسف مقالتها .
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) الواو عاطفة وماض والألف فاعله والباب مفعوله والجملة معطوفة (وَقَدَّتْ) ماض وفاعله مستتر والجملة معطوفة (قَمِيصَهُ) مفعول به والهاء مضاف إليه (مِنْ دُبُرٍ) متعلقان بقدت (وَأَلْفَيا) الواو عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (سَيِّدَها) مفعول به والهاء مضاف إليه (لَدَى) ظرف مكان متعلقان بألفيا (الْبابَ) مضاف إليه (قالَتْ) ماض وفاعله مستتر والجملة مستأنفة (ما) نافية (جَزاءُ) مبتدأ (مِنْ) اسم موصول مضاف إليه (أَرادَ) ماض وفاعله مستتر والجملة صلة (بِأَهْلِكَ) متعلقان بأراد (سُوءاً) مفعول به (إِلَّا) أداة حصر (أَنْ) ناصبة (يُسْجَنَ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر وأن وما بعدها في تأويل المصدر في محل رفع خبر جزاء (أَوْ) عاطفة (عَذابٌ) معطوف على الخبر (أَلِيمٌ) صفة
Traslation and Transliteration:
Waistabaqa albaba waqaddat qameesahu min duburin waalfaya sayyidaha lada albabi qalat ma jazao man arada biahlika sooan illa an yusjana aw AAathabun aleemun
And they raced with one another to the door, and she tore his shirt from behind, and they met her lord and master at the door. She said: What shall be his reward, who wisheth evil to thy folk, save prison or a painful doom?
Derken ikisi de kapıya doğru koştu. Kadın, onun gömleğini arkadan boydan boya yırtmıştı ki tam bu sırada kapıdan çıkarlarken kadının kocasına kapı önünde rastladılar. Kadın, karına kötülük etmek isteyenin cezası, zindana atılmaktan, yahut elemli bir azaba uğratılmaktan başka ne olabilir ki dedi.
Et tous deux coururent vers la porte, et elle lui déchira sa tunique par derrière. Ils trouvèrent le mari [de cette femme] à la porte. Elle dit: «Quelle serait la punition de quiconque a voulu faire du mal à ta famille, sinon la prison, ou un châtiment douloureux?»
Beide rannten dann zur Tür und sie zerriß sein Hemd von hinten, dann stießen beide auf ihren Ehemann an der Tür. Sie sagte: "Was wäre die Bestrafung für denjenigen, der Verwerfliches deiner Ehefrau antun wollte, außer daß er ins Gefängnis geht oder qualvoller Peinigung unterzogen wird?!"
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |