موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تعطير الأنام في تعبير المنام

للشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي

 

 


تفسير معنى رؤية (مح?) في المنام

- (محمد

) نبينا

صلى

الله عليه وسلم ورد في الحديث الصحيح عنه أنه قال: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي". وفي رواية: "من رآني فقد رأى الحق". وفي رواية أنس رضي الله عنه: "من رآني في المنام فلن يدخل النار". وفي رواية: "لن يدخل النار من رآني في المنام". وفي رواية: "من رآني في منامه فقد رآني حقاً ولا ينبغي للشيطان أن يتصور بصورتي". وهناك روايات أخر غير هذا وقد اختلف العلماء في معنى الحديث فقال جماعة محل هذا إذا رآه صلى الله عليه وسلم في صورته التي كان عليها وبالغ بعضهم فقال في صورته التي قبض عليها ومن هؤلاء ابن سيرين رحمه الله تعالى فإنه صح عنه أنه كان إذا قصت عليه رؤياه قال للرائي صف لي الذي رأيته فإن وصف له صفة لم يعرفها قال لم تره ويؤيده حديث عاصم بن كليب ولفظه عند الحاكم بسند جيد قلت لابن عباس رضي الله عنهما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال صفه لي قال فذكرت الحسن ابن علي فشبهته به فقال رأيته ولا يعارضه خبر من رآني في المنام فقد رآني فإنني أرى في كل صورة لأنه ضعيف وقال آخرون ولا يشترط ذلك منهم ابن العربي رضي الله تعالى عنه قال ما حاصله رؤيته صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك للحقيقة وبغيرها إدراك للمثال فإن الصواب أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تغيرهم الأرض فإدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراكاً للمثال ومعنى قوله فسيراني تفسير ما رأى لأنه حق وغيب فكأنما رآني أي أنه لو رآني يقظة لطابق ما رآه نوماً فيكون الأول حقاً وحقيقة والثاني حقاً وتمثلاً هذا إن رآه بصفته المعروفة وإلا فهو مثال فإن رآه مقبلاً عليه مثلاً فهو خير للرائي وعكسه بعكسه ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال قوله فقد رآني وفقد رأى الحق يحتمل المراد به أن من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقاً ومن رآه بغير صورته كانت رؤياه تأويلاً وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه رآه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها وأجاب عنه بعض الحفاظ بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفي الثانية تحتاج إليه ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون رؤياه أضغاثاً وهو باطل إذ من المعلوم أنه يرى نوماً على حالته اللائقة به مخالفه لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شيء مما ينسب إليه عن ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في اليقظة فالصحيح أن رؤيته في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثاً بل هي حق في نفسها وإن رؤي بغير صفته إذ تصور تلك الصورة من قبل الله تعالى فعلم أن الصحيح بل الصواب كما قاله بعضهم أن رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كانت بصورته الحقيقية في وقت سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم تحتج إلى تأويل وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائي ومن ثم قال بعض علماء التعبير من رآه شيخاً فهو في غاية سلم ومن رآه شاباً فهو في غاية حرب ومن رآه مبتسماً فهو متمسك بسنته وقال بعضهم من رآه على هيئته وحاله كان دليلاً على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابساً كان دليلاً على سوء حال الرائي.

وقال ابن أبي حمرة رؤياه في صورة حسنة حسن في دين الرائي ومع شين أو نقص في بعض بدنه خلل في دين الرائي لأنه صلى الله عليه وسلم كالمرأة الصقيلة ينطبع فيها ما يقابلها وإن كانت ذات المرآة على أحسن حال وأكمله وهذه الفائدة الكبرى في رؤيته صلى الله عليه وسلم إذ بها يعرف حال الرائي ذكر هذا كله ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى في شرح شمائل الترمذي وكذلك سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن الشيطان لا يتمثل بالله ولا بآياته ولا بالأنبياء ولا بالملائكة عليهم السلام فمن رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يزل خفيف الحال وإن كان مهموماً فرج عنه أو مسجوناً خرج من سجنه وإذا رأى في مكان حصار أو غلاء فرج عنهم ورخصت أسعارهم وإن كانوا مظلومين نصروا أو خائفين آمنوا ورؤيته صلى الله عليه وسلم على ما وردت به السنة من صفاته التي لا يحسن واصف أن يعبر عنها فبشارة للرائي بحسن العاقبة في دينه ودنياه وعلى قدر ذاتك وصفاء مرآتك تنزل لك رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام فإن رآه مقبلاً عليه أو معلماً له أو مؤتماً به في صلاته أو طريق أو أنه أعطاه شيئاً حسناً أو كساه ملبوساً لائقاً أو وعده أو دعا له بخير فإن كان الرائي أهلاً للملك ملك وكان في زمنه عادلاً حاكماً بالحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان عالماً عمل بما علم وإن كان عابداً بلغ منازل أهل الكرامات وإن كان عاصياً تاب وأناب إلى الله تعالى وإن كان كافراً اهتدى وربما بلغ قصده من علم أو قراءة أو عمارة باطن مع أميته لقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} . وإن كان الرائي خائفاً أمن من ذي سلطان ورزق شفيعاً مقبولاً لأنه صاحب الشفاعة وإن كان الرائي على بدعة وضلالة فليتق الله في نفسه خصوصاً إن رآه معرضاً عنه وربما قدمت على الرائي بشارة مفرحة وتدل رؤيته صلى الله عليه وسلم على إظهار الحجج وصدق المقالة والوفاء بالعهد وربما نال من بين أهله وأقاربه مبلغاً لم يبلغه أحد منهم وربما حصلت له منهم العداوة والحسد والبغض وربما فارق أهله وانتقل من وطنه إلى غيره وربما أدركه اليتم من أبويه وقد تدل رؤيته صلى الله عليه وسلم على إظهار الكرامات لأن الظبي سلم عليه والبعير قبل قدميه وأسري به إلى السماء وكلمه الذراع وسعت الأشجار إليه وإن كان الرائي من الكحالين الذين يعالجون الأبصار بلغ في صناعته مبلغاً لم يبلغه أحد لأنه صلى الله عليه وسلم رد عين قتادة وإن كان الرائي في سفره وقد أجهد الناس العطش دل على نزول الغيث وانصباب الرحمة لأنه صلى الله عليه وسلم نبع الماء من بين أصابعه عند عدم الماء وكذلك إن كان الناس في جهد وقحط دل على الشبع والرخاء والبركة من حيث لا يحتسبون وإن رأته امرأة بلغت رتبة عظيمة وشهرة صالحة وعفة وأمانة في نفسها وصيانة وربما ابتليت بالضرائر ورزقت نسلاً صالحاً وإن كانت ذات مال أنفقته في طاعة الله تعالى ورؤيته صلى الله عليه وسلم تدل على الصبر على الأذى وإن رآه يتيم بلغ مبلغاً عظيماً وكذلك وإن كان غريباً وإن كان الرائي ممن يعالج الأبدان انتفع الناس بطبه وربما دلت رؤيته على نصر المؤمنين ودمار الكافرين خصوصاً إن كان معه أصحابه وإن رآه مديون قضى الله دينه وإن رآه مريض شفاه الله تعالى وإن رآه من لم يحج حج البيت الحرام وإن رآه محارب نصره الله تعالى وإن رآه ممتحن كفاه الله تعالى وإن رؤي في أرض أجدبت أخصبت إذا كان على هيئته وإن رآه شاحب اللون مهزولاً أو ناقصاً بعض الجوارح فذلك يدل على وهن الدين في ذلك المكان وظهور البدعة وكذلك إن رأى عليه كسوة رثة وإن رأى أنه شرب دمه صلى الله عليه وسلم حباً فيه خفية فإنه يستشهد في الجهاد وإن رأى أنه شربه علانية دل ذلك على نفاقه ودخل في دم أهل بيته وأعان على قتلهم وإن رآه راكباً فإنه يزور قبره راكباً وإن رآه راجلاً توجه إلى زيارته راجلاً وإن رآه قائماً استقام أمره وأمر إمام زمانه وإن رآه قد مات يموت من نسله رجل شريف.

- (ومن رأى) جنازته فإنه يحدث في تلك البقعة مصيبة فظيعة وإن رأى أنه شيع جنازته حتى قبره فإنه يميل إلى البدعة وإن رأى أنه قد زار قبره أصاب مالاً عظيماً وإن رأى أنه ابن النبي صلى الله عليه وسلم وليس هو من نسله دلت رؤياه على خلوص إيمانه ويقينه ورؤيا الرجل الواحد رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه لا يختص ببركته بل يعم جماعة المسلمين وإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطاه شيئاً من متاع الدنيا أو من طعام أو شراب فهو خير يناله بقدر ما أعطاه وإن كان ما أعطاه رديء الجوهر مثل البطيخ ونحوه فإنه ينجو من أمر عظيم إلا أنه يقع به أي وتعب وإن رأى أن عضواً من أعضائه صلى الله عليه وسلم عند صاحب الرؤيا قد أحرزه فإنه يدل على بدعة من شرائعه.

- (ومن رأى) أنه تحول في صورته صلى الله عليه وسلم أو لبس ثوباً من ثيابه أو دفع له خاتمه أو سيفه فإن كان طالباً للملك ناله ودانت له الأرض وإن كان في ذل وهوان أعزه الله وإن كان طالب علم نال من ذلك مراده وإن كان فقيراً استغنى أو عزباً تزوج ومن رآه في مكان خراب فإنه يعمر ببركته وإن رآه في داخل مكان جالساً فيه فإنه يكون في ذلك المكان آية وعبرة ومن رآه صلى الله عليه وسلم يؤذن في موضع كثر خصبه وعمارته ورجاله وإن رآه أقام الصلاة في مكان وصلى فيه اجتمع الأمر المتفرق بالمسلمين ومن رآه يكتحل فإنه يأمن بصلاح دينه وطلب حديثه وإن رأته حامل أو رآه بعلها فإن الحمل غلام ومن رآه حسناً زائد الحسن فإن ذلك زيادة في دين صاحب الرؤيا.

- (ومن رأى) لحيته الكريمة سوداء ليس فيها بياضاً فإنه ينال سروراً وخصباً عظيماً ومن رآه في صورة كهل فإنه يدل على قوة حاله ونصره على أعدائه وإن رآه صلى الله عليه وسلم أعظم ما يكون فإن الإمام تعظم رياسته وسلطانه وإن رأى عنقه غليظاً فإن الإمام حافظ لأمانة المسلمين وإن رأى أن صدره أوسع ما يكون وأحسن فإن الإمام يكون سخياً في عطاء الجند وإن رأى بطنه خالياً فإن الخزانة خالية لا مال فيها وإن رأى أصابعه اليمنى مضمومة فإن الإمام لا يعطي الأرزاق وصاحب الرؤيا لا يحج ولا يجاهد ولا ينفق على عياله وإن رأى يده اليسرى مضمومة فإن الإمام يحبس رزق أجناده وأموال الجهاد والصدقات وصاحب الرؤيا لا يؤدي الزكاة ويمنع السائل وإن رأى يده مفرجة الأصابع فإن الإمام يعطي الأرزاق وصاحب الرؤيا يحج ويجاهد وإن رأى يده قابضة أصابعها على كفها انعقدت أمور الإمام وأصابه هم وكذا صاحب الرؤيا.

- (ومن رأى) فخذه صلى الله عليه وسلم أعظم وأجمل وأكثر شعراً فإن عشيرته يقوون بالمكثرة والمال وإن رأى ساقيه طويلين طال عمر الإمام ومن رآه صلى الله عليه وسلم في عسكر وعليه سلاح وهم يضحكون ويعجبون فإن جيش المسلمين ينهزم في تلك السنة وإن رآه في عسكر قليل وسلاح غير تام وتظهر عليهم الذلة والخضوع فإن المسلمين ينتصرون على أعدائهم لقوله تعالى: {لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} .

- (ومن رأى) أنه صلى الله عليه وسلم يمشط رأسه ولحيته فإنه يدل على زوال هم صاحب الرؤيا وإن رآه في مسجده صلى الله عليه وسلم أو حرمه أو مكانه المعروف فإنه ينال قوة وعزاً ومن رآه يواخي بين الصحابة فإنه ينال علماً وفقهاً.

- (ومن رأى) قبره صلى الله عليه وسلم فإنه يستغني وينال مالاً وإن كان تاجراً ربح في تجارته وإن كان مسجوناً خلص.

- (ومن رأى) أنه أبو النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يفسد دينه ويضعف يقينه.

- (ومن رأى) أن واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمه زاد إيمانه فإن رأى أنه يمشي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فإنه متبع السنة.

- (ومن رأى) النبي صلى الله عليه وسلم ينظر في أمره فإنه يأمره بأداء حقوق امرأته.

- (ومن رأى) أنه يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يأمره بأداء زكاة ماله ومن رآه صلى الله عليه وسلم يأكل وحده فإن صاحب الرؤيا يمنع السائل ولا يتصدق فأمره بالصدقة وإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم بلا نعل فإنه تارك الصلاة مع الجماعة فأمره بالصلاة مع الجماعة ومن رآه لابساً خفيه فإنه يأمره بالجهاد في سبيل الله تعالى ومن رآه صافحه فإنه متبع سنته.

- (ومن رأى) دمه مخلوطاً بدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصاهر شريفاً أو يناكح العلماء وإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يناوله شيئاً من البقول فإنه ينجو من هم وإن ناوله شيئاً مما يستحب نوعه كالرطب والعسل فإنه يحفظ القرآن وينال العلم بقدر ما ناوله.

- (ومن رأى) النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

- (ومن رأى) النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه شيئاً فإنه ينال علماً ويتبع الحق فإن رده عليه فإنه يدخل في بدعة.

- (ومن رأى) النبي صلى الله عليه وسلم في صورة شاب طويل فإنه يكون في الناس فتنة وقتل وإن رآه هو شيخ كبير فإن الناس في عافية وإن رآه وهو آدم اللون فإنه يترك الصبأ ويحدث نفسه بالتوبة وإن رآه أبيض اللون فإنه يتوب إلى الله تعالى ويحسن عمله وتستقيم طريقته ومن رآه يعاتبه أو يجادله أو يرفع عليه صوته فإن ذلك بدع قد أحدثها في الدين.

- (ومن رأى) أنه يقبله فلينظر ماذا يروى عنه فليتثبت في ذلك.

- (ومن رأى) أنه مات في موضع من المواضع فإنه تموت السنة في ذلك الموضع.


zOhNDajd_xE

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!