موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


البقاء

( ثم أبقيت ) قال الشيخ رضي اللّه عنه: اعلم أن نسبة البقاء عندنا أشرف في هذا الطريق من نسبة الفناء، لأن الفناء عن الأدنى في المنزلة أبدا عند الفاني، والبقاء بالأعلى في المنزلة أبدا عند الباقي، فإن البقاء هو الذي أفناك عن كذا فله القوة والسلطان فيك، فالبقاء نسبتك إلى الحق، وإضافتك إليه أعلى في هذا الطريق عند أهل اللّه تعالى فيما اصطلحوا، والفناء نسبتك إلى الكون فإنك تقول فنيت عن كذا،

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ونسبتك إلى الحق أعلى، فالبقاء في النسبة أولى لأنهما حالان مرتبطان، فلا يبقى في هذا الطريق إلا فان، ولا يفنى إلا باق، فالموصوف بالفناء لا يكون إلا في حال البقاء، والموصوف بالبقاء لا يكون إلا في حال الفناء، ففي نسبة البقاء شهود حق، وفي نسبة الفناء شهود خلق، لأنك لا تقول فنيت عن كذا إلا مع تعقلك بمن فنيت عنه، ونفس تعقلك هو نفس شهودك إياه، إذ لا بد من إحضاره في نفسك لتعلق حكم الفناء عنه به، وكذلك البقاء لا بد من شهود حق أنت باق به، ولا يكون البقاء في هذا الطريق إلا بالحق، فلا بد من شهود الحق، فإنه لا بد من إحضارك إياه في قلبك وتعقلك إياه، وحينئذ تقول بالحق بقيت، وهذه النسبة أشرف وأعلى لوجود المنسوب إليه، فحال البقاء أعلى من حال الفناء وإن تلازما وكانا لشخص في زمان واحد، فلا خفاء على ذي نظر سليم في الفرق بين النسبتين في الشرف والمنزلة، وشرح هذا المقام يتضمن شرح باب الفناء، وذلك أن تنظر في كل نوع من أنواع الفناء إلى السبب الذي أفناك عن كذا فهو الذي أنت باق معه، هذا جماع هذا الباب إلا أن هنا تحقيقا لا يكون في الفناء، وذلك أن البقاء نسبة لا تزول ولا تحول، حكمها ثابت حقا وخلقا، وهو نعت إلهي، والفناء نسبة تزول وهو نعت كياني لا مدخل له في حضرة الحق، وكل نعت ينسب إلى الجنابين فهو أتم وأعلى من النعت المخصوص بالجناب الكوني، إلا العبودة فإن نسبتها إلى الكون أتم وأعلى من نسبة الربوبية والسيادة إليه، فإن قلت: فالفناء راجع إلى العبودة ولازم لها، قلنا: لا يصح أن تكون كالعبودة فإن العبودة نعت ثابت لا يرتفع عن الكون، والفناء قد يفنيه عن عبودته وعن نفسه فحكمه يخالف حكم العبودة، وكل أمر يخرج الشيء عن أصله ويحجبه عن حقيقته فليس بذلك الشرف عند الطائفة، فإنه أعطاك الأمر على خلاف ما هو به فألحقك بالجاهلين، والبقاء حال العبد الثابت الذي لا يزول، فإنه من المحال عدم عينه الثابت كما أنه من المحال اتصاف عينه بأنه غير الوجود، بل الوجود نعته بعد إن لم يكن، وإنما قلنا هذا لأنه الحق، ولا يلزم أن تكون الصفة عين الموصوف بل هو محال، فالخلق باقي العين في ثبوته، ثابت الوجود في عبودته، دائم الحكم في ذلك،

إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ( 93 ) [ مريم: الآية 93 ] .

ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [ النّحل: الآية 96 ]

فنحن عنده وهو عندنا، فألحق النفاد والبقاء بمن ألحقته هذه الآية، والنفاد فناء والبقاء نعت الوجود من حيث جوهره،

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!