موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


وستور ترفع وستور تسدل - [مطلب تسبيح الملائكة في الصور]

ولهم تسبيح مخصوص، تعرفه إذا سمعته، فلا تدهش، وسترى صورتك بينهم، ومنها تعرف وقتك الذي أنت فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

على كراسي ( وستور ترفع ) عنهم ( وستور تسدل ) عليهم وذلك لأن الواحد منا إذا عصى اللّه تعالى هنا تغيرت صورته هناك، فيسدل بينها وبين باقي الصور حجاب من الاسم الستار، حتى لا تعلم باقي الصور ما مرّ عليها من التغير الذي أثرت به المخالفة، فإذا تاب رجعت صورته إلى ما كانت عليه، فيرفع عنها الستر فتراها باقي الصور على أحسن حالة، وذلك من رحمة اللّه وكرمه، وهذه الستور هي من الإيمان، لأن معصية المؤمن محفوفة بثلاث طاعات الخوف قبل ارتكابها والخوف بعده، والإيمان بأنها معصية وهو الأصل في وجود الخوف والرجاء، فالمعصية من المؤمن محفوفة بثلاث طاعات فيه باطنة والطاعة ظاهرة، فإذا عادت عين المعصية عقوبة وعذابا وأرادت أن تقوم بالعاصي من حيث إنها عقوبة كما قامت به من حيث إنها معصية، لم تتمكن من ذلك لأنها محفوفة بثلاث طاعات لن يغلب عسر يسرين، فكيف بثلاثة فكانت الطاعات كالقفص، والمعصية كالطير المحبوس فيه، ألا ترى المؤمن إذا زنى خرج الإيمان منه فكان عليه كالظلة التي تقي صاحبها من حر الشمس فيقيه من العذاب الذي هو عين غضب الحق عليه أن يحل عليه، فإنه من يحلل عليه غضب الرب فقد هوى، والمؤمن لا يهوي لأن الإيمان يرفعه، ولو هوى لخلد في النار، فليست الحجب إلا للصور المؤمنة، وأما غيرها فهم على قسمين: إما معطل وهو لا حجاب له أصلا إلا أن يكون من محض المنة والجود، أو غير معطل وهو إما مشرك فحجابه من حيث إنه أثبت الوجود الحق أو غير مشرك، وهو إما من اتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو لا، فإن لم يكن فحجابه من حيث التوحيد النظري أو التقليدي، وإن كان فحجابه من حيث الخوف وإثبات الوجود الحق والتوحيد والإيمان، ويؤيد ما ذهبنا إليه من أن المعطل لا حجاب له، قول الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

مطلب تسبيح الملائكة في الصور

( ولهم ) أي لهذه الصور التي على صور صفة بني آدم ( تسبيح مخصوص تعرفه إذا سمعته ) وهو سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح، فإذا سمعته ( فلا تدهش، وسترى صورتك بينهم، ومنها تعرف وقتك الذي أنت فيه ) فإنك إن رأيت الستر قد انسدل على صورتك علمت أن وقتك المعصية، وإلا علمت أن وقتك الطاعة، والوقت في اصطلاح الشيخ رضي اللّه تعالى عنه عبارة عن حالة في زمن الحال لا

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تعلق له بالماضي ولا بالمستقبل. قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: أن بين السماء السابعة والفلك المكوكب كراسي عليها صور كصور المكلفين من الثقلين وستور مرفوعة بأيدي ملائكة مطهرة ليس لهم إلا مراقبة تلك الصور وبأيديهم تلك الستور، فإذا نظر الملك تلك الصورة قد سمجت وتغيرت عما كانت عليه من الحسن، أرسل الستر بينها وبين سائر الصور، فلا يعرفون ما طرأ، ولا يزال الملك مراقبا لتلك الصورة، فإذا رأى تلك الصورة قد زال عنها ذلك القبح وحسنت رفع الستر فظهرت في أحسن زينة، وتسبيح تلك الصور وهؤلاء الأرواح الموكلة بالستور ؛ سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

واعلم أنك إن لم تتقيد بهذا الكشف، رقيت إلى فلك البروج، وهو الأطلس، ثم إلى الكرسي، ثم إلى العرش، ثم إلى الشكل الكلي، ثم إلى الجسم الكلي، ثم إلى مستوى الكل، ثم إلى طبيعة الكل، ثم إلى النفس الكل، ثم إلى العقل الكل، ثم إلى اليدين، ثم إلى الوحدة وهو النهاية، والشيخ رضي اللّه تعالى عنه لم يذكر بعدما ذكره من كشف الصور، التي هي على صور بني آدم إلا سرير الرحمانية، وهو النفس وأستاذ كل شيء، وهو القلم الأعلى أعني العقل، والمحرك للقلم وهو اليدان، ثم ذكر السحق والمحق في الوحدة، وأعرض عما ذكرنا رعاية للاختصار، إذ المقصود من بيان المكاشفة ثوران شوقك وتقوية همتك، والغرض يحصل بما أورده من ذلك. نحن إن شاء اللّه نورد ما لم يورده الشيخ رضي اللّه تعالى عنه على أسلوب ما أورده، فإنه أورد ذلك في كتب غير هذه الرسالة.

فاعلم أنك إن لم تقف مع ما يكشف لك حالة وصولك إلى فلك الثوابت، ورأيت صورتك بين الصور على صور بني آدم، فسلمت عليك وسلمت عليها وعانقتها وعانقتك، وأردت الرقي إلى فلك البروج فإن صورتك تشيعك حتى تصل إليه، فإذا وصلت إليه تعلم أن التكوينات التي في الجنان من حركة هذا الفلك، وله الحركة اليومية في العلم الزماني، كما أن حركة الليل والنهار في الفلك الذي فيه جرم الشمس والتكوينات التي تكون في جهنم من حركة فلك الكواكب، وهو سقف جهنم، أعني مقعره، وسطحه أرض الجنة، والذي يسقط من الكواكب وينتشر ضوؤها فتبقى مظلمة وفعلها المودع فيها باق، وهذا كله سبب التبديل الذي يقع في

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جهنم، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها، كل ذلك بإذن الله تعالى مرتب الأشياء مراتبها وغير ذلك من علوم لا يسع الوقت لإيراد بعضها.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!