موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في بيان عالم الوقار والسكينة عند إبراهيم عليه السلام ]

فإن لم تقف معه رفع لك عن عالم الوقار والسكينة والثبات والمكر وغامضات الأسرار، وما شاكل هذا الفن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولا يغره إلا ويخطر له سبعون ألف خاطر في كل يوم لا يشعر بها إلا أهل اللّه تعالى، وهؤلاء الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور يجتمعون عند خروجهم منه مع الملائكة الذين خلقهم اللّه من خواطر القلوب، فإذا اجتمعوا بهم كان ذكرهم الاستغفار إلى يوم القيامة انتهى كلامه رضي اللّه تعالى عنه وإلى ما نقلناه من كلامه هذا أشار بقوله.

مطلب في بيان عالم الوقار والسكينة عند إبراهيم عليه السلام ( فإن لم تقف معه ) أي مع ما يكشف لك عنه في السماء السادسة ( رفع لك عن عالم الوقار والسكينة ) التي هي من أخص أحوال إبراهيم عليه السلام

( والثبات ) على الحق في جميع الأحوال ( والمكر ) الخفي والجلي ( وغامضات ) من ( الأسرار ) المتعلقة بالملة الحنيفية وهي ملة إبراهيم عليه السلام لأنه كان حنيفا مسلما

( وما شاكل هذا الفن ) من الاستدراج والخديعة والكيد، فتعلم أسبابها وعللها وكيفية الخلاص منها، وتعلم أن كل أمر علمي يكون في اليوم المتعلق بهذه السماء أعني يوم السبت فمن روحانية الخليل، وكل أثر علوي يكون فيه من النار والهواء فمن روحانية زحل، وكل أثر سفلي يكون في الماء والتراب فمن حركة فلكه، وتعلم علم الثبات والتمكين والديمومة والبقاء،

وتعلم حقيقة البدل الذي يستمد من حقيقة الخليل، وكيف يحفظ اللّه به الإقليم الأول، ويكون الناظر إليك في هذه السماء الاسم الرب وهو ربها، والاسم المتكلم وهو رب يوم السبت، وحرف الياء المعجمة بنقطتين من تحت ومنزلة الخرثان وسورة طه، ومن هذه السماء فرضت صلاة الصبح هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

وقال رضي اللّه تعالى عنه بعد ما أوردناه من كلامه فيما جرى بينه وبين موسى عليه السلام، ثم ودعته وانصرفت فنزلت بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فسلمت عليه فرد وسهل ورحب. فقلت: يا أبتي لم قلت فعله كبيرهم ؟ قال: لأنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها. قلت: فإشارتك بهذا قال: أنت تعلمها. قلت: إني أعلم أنها إشارة ابتداء وخبرها محذوف يدل عليه قولك بل فعله كبيرهم وفاسألوهم إقامة للحجة عليهم منهم. فقال: ما زدت على ما كان عليه

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمر. قلت: فما قولك في الأنوار الثلاثة أكان عن اعتقاد قال: لا، بل عن تعريف لإقامة الحجة على القوم. ألا ترى ما قال الحق في ذلك وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ [ الأنعام: الآية 83 ]

وما كان اعتقاد القوم في الإله إلا أنه نمروذ بن كنعان، ولم تكن تلك الأنوار آلهتهم ولا كان نمروذ إلها عندهم لهم وإنما كانوا يرجعون في عبادتهم لما نحتوه آلهة لا إليه

ولذلك لما قال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [ البقرة: الآية 258 ]

لم يجرؤ نمروذ أن ينسب الإحياء والإماتة لآلهتهم التي وضعها لهم لئلا يفتضح. فقال: أنا أحيي وأميت فعدل إلى نفسه تنزيها لآلهتهم عندهم حتى لا يتزلزل الحاضرون. ولما علم إبراهيم عليه السلام قصور أفهام الحاضرين عما جاء به وأنه لو فصله لطال المجلس فعدل إلى الأقرب في أفهامهم، فذكر حديث إتيان اللّه تعالى بالشمس من المشرق وطلبه أن يأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر. فقلت له: هذا إعجاز من اللّه كونه بهت فيما له فيه مقال وإن كان فاسدا، لأنه لو قاله قيل له: قد كانت الشمس طالعة من المشرق وأنت لم تكن وأكد به من تقدمه بالسن بالبديهة فقال: وما المقال فقلت: يقول ما نفعل الأمر بحكمك ولا نبطل الحكمة لأجلك قال: صدقت. فكان بهته إعجازا من اللّه سبحانه حتى يعلم الحاضرون أن إبراهيم عليه السلام على الحق، ولم يكن للنمروذ أن يدعي الألوهية، ثم رأيت البيت المعمور فإذا به قلبي وإذا بالملائكة التي تدخله كل يوم تجلي الحق له الذي وسعه في سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، فهو يتجلى فيها لقلب عبده ولو تجلى دونها لأحرقت سبحات وجهه عالم الخلق من ذلك العبد.

انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

مطلب في بيان سدرة المنتهى والبيت المعمور واعلم أنك إن لم تقف مع هذا كله رقيت بهمتك إلى سدرة المنتهى

قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: إن الاسم الرب الذي هو رب السماء السابعة أعطى السدرة نبقها وخضرتها ونورها، وأعطى الاسم الرحمن من نفسه عرفها،

كما قالت الجنة عرفها لهم يعني بالنفس من العرف وهو الرائحة، ومن الاسم اللّه أصولها وزقومها لأهل جهنم، وقد جلل اللّه تعالى هذه السدرة بنور الهوية فلا تصل عين إلى مشاهدتها فتحدها أو تصفها، والنور الذي كساها نور أعمال العباد ونبقها على عدد نسم السعداء لا بل على عدد أعمال السعداء لا بل هي عين أعمال السعداء،

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما في جنة الأعمال قصر ولا طاق إلا وغصن من أغصان هذه السدرة داخل فيه، وفي ذلك الغصن من النبق على قدر ما في العمل الذي هذا الغصن صورته من الحركات، وما من ورقة في ذلك الغصن إلا وهي من الحسن بقدر ما حضر هذا العبد مع اللّه في ذلك العمل، وأوراق الغصن بعدد الأنفاس في ذلك العمل، وشوك هذه السدرة كله لأهل الشقاء وأصولها فيهم، والشجرة واحدة ولكن تعطي أصولها النقيض مما تعطيه فروعها من كل نوع، فكل ما وصفنا به الفروع خذ النقيض في الأصول، وهذا كثير الوقوع في علم النبات كما حكي أن أبا العلاء ابن زهر وكان من أعلم الناس بالطب وأبا بكر بن الصايغ وكان دونه في معرفة الحشائش فركبا يوما فمرا بحشيشه فقال ابن زهر لغلامه: اقطع لنا من هذه الحشيشة فاستنشقها أبو بكر فرعف من حينه، فما ترك شيئا يمكن أن يقطع به الرعاف إلا وعمله وما نفع حتى كاد يهلك،

وأبو العلاء يبتسم ويقول: يا أبا بكر عجزت قال: نعم

فقال أبو العلاء بن زهر لغلامه: استخرج أصول تلك الحشيشة فجاء بها فقال: استنشقها. فاستنشقها أبو بكر فانقطع عنه الدم، فعلم فضله عليه في علم الحشائش، وأسعد الناس بهذه السدرة أهل بيت المقدس، كما أن أسعد الناس بالمهدي أهل الكوفة، كما أن أسعد الناس برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل الحرم المكي، كما أن أسعد الناس بالحق أهل القرآن. وإذا أكل أهل السعادة من هذه الشجرة زال الغل من صدورهم، ومكتوب على ورقها سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح، وإلى هذه الشجرة تنتهي أعمال بني آدم ولهذا سميت سدرة المنتهى.

وللحق فيها تجلّ خاص عظيم يقيد الناظر ويحير الخاطر، وإلى جسدها منصة تلك المنصة مقعد جبريل عليه السلام، وفيها من الآيات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر «1»، كما قال عليه الصلاة والسلام إنه لا يستطيع أحد أن ينعتها إنما تنظر إليها فيدركك البهت انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) يشير إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه: «يقول اللّه عزّ وجلّ: لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، لا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا، بله ما أطلعكم اللّه عليه». رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب فلا تعلم نفس. . . حديث رقم ( 4779 ). ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة. . . ، حديث رقم ( 4 - 2824 ).

"***"

فإن لم تقف معه رفع لك عن عالم الحيرة، والقصور والعجز، وخزائن الأعمال، وهو علّيون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعلم أنك إذا وصلت إلى السدرة فسترى صور أعمال السعداء من النبيين وأتباع الرسل، وترى عملك في جملة أعمالهم فتشكر اللّه تعالى على ما وفقك من اتّباع الرسول عليه السلام، وتعاين هناك أربعة أنهار منها نهر كبير عظيم وجداول صغار تنبعث من ذلك النهر الكبير، وذلك النهر تنفجر منه الأنهار الكبار الثلاثة، فستسأل عن تلك الأنهار والجداول فيقال لك: هذا مثل مضروب أقيم لك هذا النهر الأعظم هو القرآن، وهذه الثلاثة الأنهار الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والزبور، وهذه الجداول الصحف المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن شرب من أي نهر كان أو أي جدول فهو لمن شرب منه، وكل حق فإنه كلام اللّه تعالى، والعلماء ورثة الأنبياء بما شربوا من هذه الأنهار والجداول، فاشرب من النهر الكبير تفز بكل سبيل للسعادة، فإنه نهر محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي صحت له النبوة وآدم بين الماء والطين، وأوتي جوامع الكلم وبعث عامة ونسخت به فروع الأحكام ولم ينسخ له حكم بغيره، وتنظر إلى حسن النور الذي غشي تلك السدرة، فلا يستطيع أحد أن ينعتها للغشاء النوري الذي لا تنفذ فيه الأبصار، ثم يقال لك: هذه شجرة الطور فيها مرضاة الحق من هنا شرع في غسل الميت للقاء اللّه الماء والسدر ليناله طهور هذه السدرة، وإليها تنتهي أعمال بني آدم السعادية وفيها مخازنها إلى يوم الدين وهنا اقدام السعداء، والسماء السابعة منتهى الدخان ولا بد لها ولمن تحتها من الاستحالة إلى صور كانت عليها أو على أمثالها قبل أن تكون السماء، هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وإلى بعضه أشار بقوله:

( فإن لم تقف معه ) أي مع ما يكشف لك عنه في السماء السابعة ( رفع لك عن عالم الحيرة والقصور والعجز وخزائن الأعمال وهو عليون ) الذي فيه كتاب الأبرار

قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ( 18 ) [ المطفّفين: الآية 18 ] ،

وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ( 19 ) [ المطفّفين: الآية 19 ] كِتابٌ مَرْقُومٌ ( 9 ) [ المطفّفين: الآية 9 ] ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ( 21 ) [ المطفّفين: الآية 21 ] .

وقد علمت مما نقلناه من كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه أنه عبارة عن السدرة وإنما جعله عالم الحيرة والقصور والعجز، لأن نور الهوية قد أحاط به فلا يدركه أحد ولا يبصره لشدة النور والنظر في الهوية يورث الحياة كما لا يخفى.

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب السدرة قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بعد ما أوردناه من كلامه فيما جرى بينه وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام: فلما فارقته جئت سدرة المنتهى فوقفت بين فروعها الدنيا وفروعها القصوى وقد غشيها أنوار الأعمال وصدحت في ذرى أفنانها طيور أرواح العالمين وهي نشأة الإنسان، وأما الأنهار الأربعة فعلوم الوهب الإلهي الأربعة التي ذكرناها في جزء لنا سميته «مراتب علوم الوهب»، ثم عاينت متكئات رفارف العارفين فغشيتني الأنوار حتى صرت كلي نورا، وخلع علي خلعة ما رأيت مثلها وقلت إلهي الآيات شتات فأنزل علي عند هذا القول:

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 136 ) [ البقرة: الآية 136 ]

فأعطاني في هذه الآيات كل الآيات وقرب عليّ الأمر وجعلها لي مفتاح كل علم، فعلمت أني مجموع من ذكر لي، وكانت لي بذلك البشرى بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد عليه السلام، فإنه آخر مرسل وآخر ما إليه ينزل، أتاه اللّه جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم، فعم برسالته لعموم ست جهاته فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفهق عليك، فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه، فعند ما حصل لي ذلك قلت حسبي حسبي قد ملأ أركاني فما وسعني مكاني وأزال علي به إمكاني، فحصلت في هذه الإسراء معاني الأسماء كلها فرأيتها ترجع إلى مسمى واحد وعين واحدة وكان ذلك المسمى مشهودي وتلك العين وجودي، فما كانت رحلتي إلا فيّ ودلالتي إلا عليّ ومن ذلك الوقت علمت أني عبد محض ما في من الربوبية شيء أصلا انتهى كلامه رضي اللّه تعالى عنه.

ثم ذكر أنه فتح خزائن هذا المنزل، فبنى فيه علوما كثيرة من نفائس العلوم الإلهية، لا يليق بهذه الرسالة إيرادها لما تؤدي إليه من التطويل.

مطلب في بيان فلك المنازل

ثم يقال لك بعد ما تريد الرحيل عن السدرة: أرق فترقى إلى فلك المنازل أعني فلك الثوابت وهو الفلك الثامن، فيتلقاك من هناك من الملائكة بالأهل والترحبات فتعاين منازل السائرين بالأعمال المشروعة، فلم تزل تقطعها منزلة منزلة

"***"

مطلب في بيان عالم الجنان ودرجاته وجهنم ودركاته

فإن لم تقف معه رفع لك عن عالم الجنان، ومراتب درجاته، وتداخل بعضه في بعض، وتفاضل نعمه، وأنت واقف على طريق ضيق. ثم أشرف بك على جهنم، ومراتب دركاتها، وتداخل بعضها في بعض، وتفاضل عذابها، ورفع لك عن الأعمال الموصلة إلى كل واحد من الدارين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بسبع حقائق أنت عليها، وهي البصر والسمع واللسان واليدان والبطن والفرج والقدمان، كما تقطع فيها السبع الدراري ولكن في زمان أقرب حتى تقف على حقائقها بأجمعها، فإذا عاينت كل منزلة منها ورأيتها وجميع ما فيها من الكواكب تقطع في فلك آخر فوقها فتطلب الارتقاء إليه لترى ما أودع اللّه في الأمور من الآيات والعجائب الدالة على قدرته وعلمه، فعند ما تحصل على سطحه تحصل في الجنة الدهماء، فترى ما وصف اللّه تعالى في كتابه من صفة الجنات، وتعاين جناتها وغرفها وما أعد اللّه تعالى لأهلها فيها، وترى جنتك المخصوصة بك، وتطلع على جنات الميراث وجنات الاختصاص وجنات الأعمال، وتذوق من كل نعيم منها بحسب ما يعطيه ذوق موطن القوة الخيالية، ولا تتوهم أن الجنة أمر خيالي فإنها أمر محسوس كما هي المحسوسات عندنا، وإنما تراها في هذا العروج في قوة خيالك لأنك ما انفصلت عن عالم الدنيا الانفصال الكلي الذي لا يصح إلا بالموت الطبيعي، حتى تصل إليها كما تصل إليها في الآخرة لأنها من عالم الآخرة وأنت بعد في عالم الدنيا هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وإليه أشار بقوله.

مطلب في بيان عالم الجنان ودرجاته وجهنم ودركاته ( فإن لم تقف معه ) أي مع ما يكشف لك عنه في عالم الحيرة والعجز والقصور وخزائن الأعمال ( رفع لك عن عالم الجنان ومراتب درجاته وتداخل بعضه في بعض وتفاضل نعمه وأنت واقف على طريق ضيق ) وهو الطريق المشروع ( ثم أشرف بك على جهنم ومراتب دركاتها وتداخل بعضها في بعض وتفاضل عذابها ورفع لك عن الأعمال الموصلة إلى كل واحد من الدارين )

اعلم أن مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه هو أن الجنة والنار عبارة عن دارين محسوستين، تحوي الواحدة على لذات حسية مثل مطعومات شهية ومشروبات طيبة ونساء كاعبات وولدان كالبدور وأمثال ذلك مما ذكره اللّه تعالى في كتابه العزيز وورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتحوي الأخرى على نار محسوسة ومقامع من حديد وزمهرير وشجرة يقال لها شجرة الزقوم وسرابيل من قطران وغير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة، ولا تتوهم أنهما من عالم الخيال كما

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يقول به بعض الحكماء الإشراقية،

فإن الشيخ رضي اللّه تعالى عنه صرح في مواضع لا تحصى أن القيامة والحشر وما تحوي عليه أرض المحشر والجنة والنار ما هي من الأمور الخيالية والمعنوية بل من الأمور الحسية الحقيقية كما هي المحسوسات في هذه الدار، وليس في مشرب التحقيق ما يمنع ذلك ولا يحيله العقل، وقد أجمع على القول به كمل أهل الكشف، وبه قال جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، وليس لمنكره ما يستند إليه إلا الجهل الصرف واللّه تعالى يعصمنا من ذلك بمنه وكرمه، وموضع الجنة عند الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بين محدب فلك الثوابت ومقعر الأطلس كما ورد أن أرض الجنة الكرسي وسقفها عرش الرحمن، وموضع النار عند جوف فلك الثوابت لأن اللّه سبحانه وتعالى يحيل صور السماوات والعناصر وما فيها بعد الفصل بين العباد إلى جهنم وما فيها،

هذا هو مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، وليس في الشرع ما يمنعه ولا يحيله العقل بل له من الشرع ما يعضده، ولولا مخافة التطويل لأوردنا كلامه في ذلك مؤيدا بالكتاب والسنة، ولكن نورد من كلامه ما يتعلق بهذا المحل ويكون له كالشرح حتى تقع به الفائدة ونعرض عمّا سواه. قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: اعلم أن الجنة جنتان جنة حسية وجنة معنوية والعقل يعقلهما معا، كما أن العالم عالمان عالم معنوي وعالم حسي، والنفس الناطقة المخاطبة المكلفة لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف من طريق نظرها، ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات من طريق قواها الحسية من أكل وشرب وجماع ولباس وروائح وحديث وأمثالها، كل ذلك تنقله الحواس إلى النفس الناطقة.

واعلم أن اللّه خلق هذه الجنة المحسوسة بطالع الأسد، وخلق الجنة المعنوية التي هي روح هذه الجنة الحسية من الفرح الإلهي من صفة الكمال والابتهاج والسرور، واعلم أن الجنات ثلاث جنات جنة اختصاص إلهي: وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من أول ما يولد ويستهل صارخا إلى انقضاء ستة أعوام، ويعطي اللّه تعالى من يشاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء. والجنة الثانية: جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة، وهي الأمكنة التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها. والجنة الثالثة: جنة الأعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم، فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر، وسواء كان الفاضل دون المفضول أو لم يكن غير أنه فضله في هذا المقام لهذه الحالة، فما من عمل من 

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأعمال إلا وله الجنة ويقع التفاضل فيها بين أصحابها بحسب ما تقتضي أحوالهم.

ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: لبلال رضي اللّه تعالى عنه، يا بلال: بم سبقتني إلى الجنة فما وطئت منها موضعا إلا وسمعت خشخشتك أمامي.

فقال يا رسول اللّه ما أحدثت قط إلا توضأت، ولا توضأت إلا صليت ركعتين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «بهما» «1». فعلمنا أنها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لبلال: بم نلت أن تكون مطرقا بين يدي تحجبني، من أين هذه المسابقة إلى هذه المرتبة، فلما ذكر له ذلك قال صلى اللّه عليه وسلم: «بهما فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها».

والتفاضل على مراتب فمنها بالسن ولكن في الطاعة والإسلام، فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل بالسن فإنه أقدم منه فيه، ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الأزمان وكل زمان عينه الشارع، ويتفاضلون أيضا بالمكان فالصلاة بالمسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة، وكذلك الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى، وخذ أشباه هذا.

ويتفاضلون بالأعمال فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى، وقد فضل اللّه تعالى الأعمال بعضها على بعض، ويتفاضلون أيضا في نفس العمل الواحد كالمتصدق على رحمه فيكون صاحب صلة رحم وصدقة، والمتصدق على غير رحمه دونه في الأجر، وكذلك من أهدى هدية لشريف من أهل بيت النبوة أفضل ممن أهدى لغير شريف.

واعلم أن جنة الأعمال مائة درجة لا غير كما أن النار مائة درك، غير أن كل درجة تنقسم إلى منازل، وهذه المائة درجة في كل جنة من الثمان الجنان، وصورتها جنة في جنة، وأعلاها جنة عدن وهي: قصبة الجنة وفيها الكثيب الذي تقع فيه الرؤية، وهو أعلى درجة في الجنات تدور عليها سبعة أسوار بين كل سورين جنة، فالتي تلي جنة عدن من الجنات جنة الفردوس وهي: أوسط الجنات التي دون جنة عدن وأفضلها، ثم جنة الخلد، ثم جنة النعيم، ثم جنة المأوى، ثم دار السلام، ثم دار المقام، وأما الوسيلة فهي أعلا درجة في أعلا جنة وهي: جنة عدن فإنها أعلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) رواه الترمذي في صحيحه عن بلال وابن بريدة، حديث رقم ( 3689 ).

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الجنات وهي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدعاء أمته، وتحوي درجات الجنة التي من الدرجات فيها خمسة آلاف درجة وخمسة أدراج لا غير، وقد يزيد على القدر بلا شك ولكن ذكرنا ما وقع عليه الاتفاق من أهل الكشف، انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

وقال رضي اللّه تعالى عنه: اعلم أن جهنم من أعظم المخلوقات، وهي سجن اللّه في الآخرة يسجن فيها المعطلة والمشركون والكافرون والمنافقون قال تعالى:

وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً [ الإسراء: الآية 8 ] أي سجنا، وسميت جهنم لبعد قعرها يقال: بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهي تحوي على حرور وزمهرير ففيها البرد على أقصى درجاته وفيها الحر على أقصى درجاته، وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين. واختلف الناس في خلقها هل خلقت بعد أم لم تخلق ؟

والخلاف مشهور فيها وفي الجنة بين علماء الرسوم وكل له حجة شرعية. وأما عندنا وعند أصحابنا من أهل الكشف فهي مخلوقة وغير مخلوقة ؛ فأما قولنا مخلوقة فكرجل أراد أن يبني دارا فإذا دخلها لم ير إلا حيطانا تحوي على ساحة فيها، ثم بعد ذلك ينشئ بيوتها وغرفها وسراديبها ومهالكها ومخازنها وما ينبغي أن يكون فيها، ثم يدخر فيها من الآلات التي تستعمل في عذاب الداخل، وهي دار حرورها هواء محترق لا جمر لها البتة سوى بني آدم والأحجار المتخذة آلهة، والجن لهيبها قال تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ الأنبياء: الآية 98 ]

وقال تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ( 94 ) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ( 95 ) [ الشّعراء: الآيتان 94، 95 ] وتحدث فيها الآلات بحدوث الأنس والجن الذين يدخلونها. وأوجدها اللّه تعالى بطالع الثور ولذلك كان خلقها في الصورة كصورة الجاموس سواء، هذا هو الذي يعول عليه عندنا، وقد تمثل لبعض الناس من أهل الكشف صورة حية فيتخيل أن ذلك شكلها كأبي القاسم بن قسي وغيره، ولما خلقها اللّه تعالى كان زحل في الثور وكانت الشمس والمريخ في القوس، وكانت الدراري في الجدي، وخلقها اللّه تعالى من صفة قوله تعالى «1»: ( جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ) «2» الحديث، وهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) أي في الحديث القدسي الشريف.

( 2 ) يشير إلى الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي هريرة ونصه: قال رسول اللّه: «إن اللّه عزّ وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك ؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني -

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أعظم نزول ينزله الحق إلى عباده في اللطف بهم فمن هذه الحقيقة خلقت جهنم.

فلذلك تجبرت على الجبابرة وقصمت المتكبرين، وجميع ما يخلق فيها فمن صفة الغضب الإلهي ولا يكون ذلك إلا عند دخول الخلق فيها من الأنس والجن متى دخلوها، وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم فيها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة اللّه منعمون متلذذون مسبحون لا يفترون.

قال اللّه تعالى: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى [ طه: الآية 81 ] أي ينزل بكم غضبي، فأضاف الغضب إليه، وإذا نزل بهم فيكونون محلّا له، وجهنم إنما هي محل لهم، وهم النازلون فيها، وهم محل الغضب، وهو النازل بهم. فإن الغضب هو عين الألم فمن لا معرفة له ممن يدعي طريقنا، ويريد أن يأخذ الأمر بالتمثيل والقوة والمناسبة في الصفات، فيقول: إن جهنم مخلوقة من صفة القهر الإلهي، وإن الاسم القاهر هو ربها والمتجلي لها ولو كان الأمر كما قاله لشغلها ذلك بنفسها عما وجدت له من التسلط على الجبابرة، ولا يتمكن لها أن تقول هل من مزيد، ولا أن تقول أكل بعضي بعضا، فنزول الحق برحمته إليها وحنانه وسع لها المجال في الدعوة والتسلط على من تجبر على من أحسن إليها، هذا الإحسان وجميع ما تفعله بالكفار من باب شكر المنعم، حيث أنعم عليها، فما تعرف منه سبحانه إلا النعمة المطلقة التي لا يشوبها ما يقابلها، والناس غالطون في شأن خلقها، ولقد سألت اللّه أن يمثل لي من شأنها ما شاء فمثل لي حالة خصامهم

وهو قوله تعالى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ( 64 ) [ ص: الآية 64 ] ،

وقوله تعالى: قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ ( 96 ) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 97 ) [ الشّعراء: الآيتان 96، 97 ]

لضلالهم وإلهتهم إذ نسويكم برب العالمين فما شبهت خصامهم فيها إلا بخصام أصحاب الخلاف في المناظرة إذا استدل أحدهم، فإذا رأيت ذلك تذكرت الحالة التي أطلعني اللّه تعالي عليها ورأيت أن الرحمة كلها في التسليم والتلقي من النبوة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب وكيف أطعمك ؟ وأنت ربّ العالمين.

قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا ربّ كيف أسقيك، وأنت ربّ العالمين ؟ قال:

استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي». صحيح مسلم، كتاب البرّ والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، حديث رقم ( 43 - 2569 ). ورواه غيره.

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والوقوف عند الكتاب والسنة، ورأيت من دركات أهل النار من كونها جهنم لا من كونها نارا ما شاء اللّه أن يطلعني منها، ورأيت فيها موضعا يسمى الظلمة نزلت في درجه نحو خمسة أدراج، ورأيت مهالكها، وخلق اللّه تعالى لجهنم سبعة أبواب، لكل باب جزء من العالم ومن العذاب مقسوم، وهذه الأبواب مفتحة، وفيها باب ثامن مسدود لا يفتح وهو باب الحجاب عن رؤية اللّه تعالى، وعلى كل باب ملك من ملائكة السماوات السبع عرفت أسمائهم هناك، والكواكب كلها في جهنم مظلمة الأجرام عظيمة الخلق، وكذلك الشمس والقمر والطلوع والغروب لها في جهنم دائما، والتكوينات عن سيرها بحسب ما يليق بتلك الدار من الكائنات، وما تغير فيها من الصور في التبديل والانتشار، فذوات الكواكب فيها صورتها صورة الكسوف عندنا سواء، غير أن وزن الحركات في تلك الدار خلاف ميزانها هنا، فإن الكسوف فيها لا ينجلي والهواء فيها تطفيف، فيحول بين الأبصار وبين إدراك أنوار الكواكب كلها فتبصرها الأعين بلا شك غير نيرة الأجرام. وحد جهنم بعد الفراغ من الحساب ودخول أهل الجنة الجنة مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين، فهذا كله يزيد في جهنم مما هو الآن ليس بمخلوق فيها ولكن ذلك معد حتى تظهر الأماكن التي قد عينها اللّه تعالى من الأرض، فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة مثل الروضة التي بين منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبين قبره، وكل مكان عينه الشارع وكل نهر فان ذلك كله يصير إلى الجنة، وما بقي فيعود نارا كله وهو من جهنم، ولهذا كان يقول عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنهما إذا رأى البحر: يا بحر متى تعود نارا وقال اللّه تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ( 6 ) [ التّكوير: الآية 6 ]

أي أججت نارا، وكان عبد اللّه بن عمر يكره الوضوء بماء البحر ويقول: التيمم أحب إلي منه. ولو كشف اللّه تعالى عن أبصار الخلق اليوم لرأوه يتأجج نارا ولكن اللّه يظهر ما شاء ويخفي ما يشاء ليعلم أن اللّه تعالى على كل شيء قدير، وأن اللّه قد أحاط بكل شيء علما انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

واعلم أنه لا يصح عندك أن الجنة وجهنم من عالم الشهادة إلا إذا ثبت أن الحشر والنشر والقيامة أمر حسي حقيقي، وهو مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه أن النشأة الآخرة محسوسة غير خيالية، والقيامة أمر محقق موجود حسي مثل ما هو الإنسان في الدنيا انتهى كلامه.

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!