موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


وصية إياك والتأويل فإنه دهليز الإلحاد

وصية إياك والتأويل فإنه دهليز الإلحاد والزندقة، وإذا أولت على طريق أهل الإشارة فإياك أن تنفي الظاهر فإنه مراد الشارع بلا شك، ومن نفاه فقد كفر بلا شبهة. وليكن حالك في المتشابهات حال مالك رضي اللّه عنه حين سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

واحذر أن تكون من الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقف عند وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [ آل عمران: الآية 7 ] وإياك أن تكون على خلاف هذه الحالة فتكون من الذين في قلوبهم زيغ، وإذا وفقت لما أمرتك به فلا تأمن من مكر اللّه فتكون من الخاسرين وقل: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 8 ) [ آل عمران: الآية 8 ] .

وصية عليك بالعزلة

وصية عليك بالعزلة كما سنبيّنه لك إن شاء اللّه تعالى، واعرف زمانك وإخوانك، وعاملهم معاملة يستحقونها، وأغلق بابك دون الخلق، واغتنم الوحدة وكف جوارحك عن الفضول، وتعرض لنفحات اللّه فإن لربك في أيام دهرك نفحات «1»، وإياك الاختلاط بأهل الدنيا، وأعرض عنهم: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً [ النّساء: الآية 63 ] وحاسب نفسك قبل أن تحاسب «2»، وعاقبها قبل أن تعاقب، ومت بالاختيار حتى تحيى عند نزول هادم اللذات «3».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) يشير إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها». الهيثمي ( مجمع الزوائد 10 / 231 ). والطبراني ( المعجم الكبير 19 / 234 ). والزبيدي ( إتحاف السادة المتقين 3 / 280 ).

( 2 ) يشير إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا». الترمذي ( الجامع الصحيح حديث رقم 2459 ).

( 3 ) هادم اللذّات، أي الموت. وورد هذا اللفظ في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هادم اللذّات».

الترمذي ( الجامع الصحيح حديث رقم 2307 ). والموت في اصطلاح الصوفية له عدّة معان جماعها: قمع هوى النفس، ومنها: عدم رؤية الخلق في الضر والنفع، ومنها: الموت عن النفس والهوى والإرادة والمنى في الدنيا والآخرة. ومنها: انطواء الأنا الخلقية بالأنا الحقية أي إذا تجلّى القديم تلاشى الحاديث وبقي القديم وهو مقام الفناء الذي يتحقّق فيه السالك بقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: «كان اللّه ولا شيء معه». ويتحقّق بقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ( 26 ) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ( 27 ) [ الرحمن: الآيتان 26، 27 ] .

""***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!