موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

فصوص الحكم وخصوص الكلم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي

[نسخة أخرى فيها التعليقات فقط]
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


والجوهر، فإنه هو الذي يفيض عليك الوجود من وجوده. فالعبادة الحقة هي ما تحقق فيها الافتقار المطلق من جانب العبد، والغنى المطلق من جانب الحق.

والله وحده هو الغنى المفتقر إليه. بل إن الافتقار إلى الأسباب افتقار في الحقيقة إلى الله وحده. يقول ابن عربي في شرح قوله تعالى‏ «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله»: الفقراء هم الذين يفتقرون إلى كل شي‏ء من حيث إن ذلك الشي‏ء هو مسمى الله، فإن الحقيقة تأبى أن يفتقر إلى غير الله. وقد أخبر الله أن الناس فقراء إلى الله على الإطلاق، والفقر حاصل منهم، فعلمنا أن الحق قد ظهر في صورة كل ما يُفْتَقَر إليه‏ «1» ثم استمعْ إليه وقد صاح في أعماق قلبه صوت عاطفته الدينية التي لا تقل في حرارتها وقوتها عن عاطفة أي مؤله متدين، وهو يصف الحق معبوده ومعشوقه متحيراً في كنهه، مؤتنساً بقربه، مستوحشاً ببعده.

قال على لسان العرش: «أقسم بعليِّ عزته وقوي قدرته لقد خلقني، وفي بحار أحديته غرَّقني، وفي بيداء أبديته حيرني: تارة يطلع من مطالع أبديته فينعشني، وتارة يدنيني من مواقف قربه فيؤنسني، وتارة يحتجب بحجاب عزته فيوحشني، وتارة يناجيني بمناجاة لطفه فيطربني، وتارة يواصلني بكاسات حبه فيسكرني.

وكلما استعذبت من عربدة سكري قال لسان أحديته: «لَنْ تَرانِي»، فذبت من هيبته فرقاً، وتمزقت من محبته قلقاً، وصعقت عند تجلي عظمته كما خر موسى صعقاً. فلما أفقت من سكرة وجدي به، قيل لي أيها العاشق: هذا جمال قد صنَّاه، وحسن قد حجبناه، فلا ينظره إلا حبيب قد اصطفيناه‏ «2»».

هذا شعور بعيد عن متناول الماديين من أصحاب وحدة الوجود الذين يعتقدون‏


(1) الفتوحات ج 2 ص 21 س 17.

(2) شجرة الكون ص 27.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!