موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح بالي أفندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مصطفي سليمان بالي زاده الحنفي

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية


07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب شرح الشيخ مصطفى بالي زاده الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

أي العلوم المنسوبة إلى المرتبة العلية حاصلة في روح هذا النبي عليه السلام شرع في بيان هذه العلوم فابتدأ بالاسم الجامع لكونه أعلى المراتب الاسماعيلية.
""أضاف المحقق : يشرح هذا الفص بعض نواحي العلاقة بين الحق والخلق او بين الواحد والكثير وهو الموضوع الذي أشار إلى الأسماء الإلهية التي يطلق عليها اسم الأرباب وما يقابل هذه الأسماء مظاهر العالم العالم الخارجي وهي يطلق عليه اسم العبيد.""
بقوله: (اعلم أن مسمى الله تعالى أحدي بالذات) أي لا كثر في ذاته (كل بالاسماء) أي كل مجموع يجمع الأسماء والصفات فكان لمسمى الله أحديتان : الذاتية والاسمائية
فيسمى الأحدية الذاتية بالأحدية الإلهية والأحدية الأسمائية بمقام جمع الأسماء (وكل موجود فما له) أي فما لكل واحد من أفراد الإنسان (من) مسمى (الله تعالی) باعتبار كونه كلا بالأسماء ."كل الأسماء له"
(إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل) لذلك قال النبي عليه السلام: "رأيت ربي" ولم يقل : "رأيت رب العالمين" وإن كان حقيقته وروحه الأعظم مربوبا الكل إلا أنه بوجوده الحسي واستعداده الجزئي له رب خاص فوق سائر الأرباب. وكذلك سائر الأنبياء عليهم السلام يتنوع فيهم الكل بحسب استعدادهم فلا يمكن لأحد من هذا الوجه لكل من حيث هو كل .
(وأما الأحدية الإلهية) وهي الأحدية الذاتية التي يشير إليها بقوله: أحدي الذات (فما لواحد) من الأسماء (فيها قدم) أي وجود فليس لها الربوبية لأحد فكانت خارجة عن قوله عليه السلام : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" فلا تعرف بمعرفة النفس بل يعرف ما له الربوبية وبعد ذلك تعرف هذه الأحدية الإلهية عن كشف إلهي .
وإنما لم يكن لواحد من الأسماء فيها قدم (لأنه لا يقال لواحد منها) أي من الذات الأحدية (شيء ولآخر منها شيء) .
حتى يتعين الأسماء فيها بالوجود المنعين الذي يتميز به كل منها عن الآخر .
وانما لا يقال هذا القول في حقه (لأنها) أي لأن الأحدية الإلهية (لا تقبل التبعيض) حتى يقال لها هذا الكلام (فأحديته مجموع كله بالقوة) .
والضمير الأول راجع إلى مسمى الله والثاني إلى الأسماء باعتبار الاتحاد في هذه الأحدية .
فمعناه فأحدية مسمى الله ما كان كل الأسماء مجموعة فيه بالقوة فباعتبار جمعية الأسماء في مسمى الله بالقوة يسمى أحدي بالذات وباعتبار جمعيتها فيه بالفعل كل بالأسماء (والسعيد من كان عند ربه مرضيا وما ثمة) أي وما في العالم من العباد (إلا من هو مرضي عند ربه) وما في العالم شقي من هذا الوجه بل كله سعيد وإن كان بعضه شقية وبعضه سعيدأ من وجه آخر وإنما كان كل العباد مرضيا عند ربهم الخاص بهم (لأنه الذي يبقى عليه ربوبيته) أي ربوبية الرب.
(فهو) أي الذي يبقى عليه ربوبية ربه (عنده) أي عند ربه (مرضي) لبقاء ربوبيته عليه فإذا كان مرضي (فهو سعيد) والمراد من هذا الكلام إظهار عموم معنى السعادة المستورة عن إدراك أهل الحجاب لا السعادة النافعة المعتبرة عند الله. (ولهذا) أي ولأجل بقاء الربوبية على العبد .
(قال سهل) وهو من كبار الأولياء المعتمد عليه قوله : (إن للربوبية سرا) وسر الشيء روحانية ذلك الشيء وسبب بقائه (وهو) أي سر الربوبية (انت يخاطب كل عين لو ظهر) أي لو زال عن أن يكون سزا موجودا في غيب الله تعالی فيلزم أن يكون معدوما فبطلت الربوبية بعدمه.
(لبطلت) أي لزالت (الربوبية فادخل) سهل (عليه) أي على العين (لو وهو حرف امتناع لامتناع وهو) أي العين (لا يظهر) أي لا يزال أبد (فلا تبطل) أي فلا تزول (الربوبية) أبدا وإنما لا يزول العين (لأنه لا وجود لعين إلا بربه) والرب موجود دائم (والعين موجودة دائما) بحسب النشأة بدوام وجود علته فالربوبية موجودة دائما بدوام وجود علتها فهي العين.
فالرب سببا لوجود العين والعين سببا لوجود ربوبية ربه .
فإذا بقي ربوبية الرب بوجود عبده كان العبد مرضيا عنده (وكل مرضي محبوب) للرب الراضي عنه .
(وكل ما يفعل المحبوب محبوب) يعني كما أن ذات المرضي محبوب ذاته لربه كذلك كل ما يفعله محبوب عند ربه .
فإذا كان كل ما يفعل المحبوب محبوب (فكله) أي فكل ما صدر من المحبوب (مرضي) عند ربه وليس المراد من الحب و الرضاء من حيث أنهما نافعان لصاحبيهما ويصل العبد بسببيهما لدرجة القربة إلى الله تعالى .
وإنما المراد كشف سريان الحب والرضا، في كل أحد حتى يعلم أن إسماعيل عليه السلام بأي حكمة كان عند ربه مرضيا .
وإنما كان فعل المحبوب مرضي (لأنه) أي الشأن (لا فعل للعين بل الفعل لربها) يظهر (فيها فاطمانت العين من أن يضاف الفعل إليها فكانت) العين (راضية بما يظهر) أي بما يوجد (فيها وعنها) أي وبسبب ما يظهر عنه (من أفعال ربها) بيان لم (مرضية تلك الأفعال) أي العين كانت راضية بما يظهر بمرضية تلك الأفعال عند فاعلها وإنما كان الفعل مرضية عنه فاعله .
(لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته فإنه) أي الفاعل (وفي) بالتشديد (فعله وصنعته حق ما هي عليه) ويدل على ذلك قوله تعالى : ("أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ") [طه: 50].
أي بين وأخبر لنا بعد إعطائه كل شيء خلقه (أنه) أي الحق (أعطى كل شيء خلقه فلا يقبل) ذلك الشيء (النقص) عن استعداده (ولا الزيادة) على استعداده لأن الله تعالی أعطى الخلق على حسب استعداد كل شيء فكان كل موجود عند ربه مرضي (فكان إسماعيل عليه السلام بعثوره) أي باطلاعه (على ما ذكرناه عن ربه مرضيا) .
فتفرد إسماعيل عليه السلام بهذه المرضية عن غيره لورود النص في حقه دون غيره لأن هذا العلم مودع في روحه ويأخذ كل من علم هذا العلم من روحه عليه السلام ما عدا ختم الرسل .
(وكذا) أي وكـ إسماعيل عليه السلام (كل موجود مرضي عند ربه ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر).
فإن عبد المضل ليس مرضيا عند الهادي وبالعكس لعدم ظهور ربوبية كل منهما في عبد الآخر .
فلا يكون الأشقياء مرضيين عند رب السعداء حتى يدخلون دار السعداء معهم وإنما لم يكن ذلك العبد مرضيا عند رب عبد آخر .
(لأنه) أي لأن ذلك العبد (ما أخذ) أي لا يأخذ (الربوبية إلا من كل) بالأسماء (لا من واحد) أي لا من أحدي الذات، فإذا أخذ الربوبية من كل لا من واحد (فما تعين له) أي لا يتعين لذلك العبد (من الكل إلا ما يناسبه) أي إلا الذي يناسب ذلك العبد وما يناسب استعداده (فهو) أي ما تعين له من الكل (ربه) خاصة فلا يكون محلا لربوبية رب غير ذلك الرب حتى يرضي رب عبد آخر عنه فلا يكون مرضيا إلا عند ربه .
ولما كان في هذا المقام مظنة سؤال وهو أن يقال :
إن ما قلتم من أن العبد مرضي عند ربه غير مرضي عند رب آخر، بناء على أن كل عبد لا يأخذ الربوبية إلا عن كل ، فمسلم لأنه حينئذ يقتضي تميز الأرباب .
فلم لا يجوز الأخذ من حيث الأحدية ، فحينئذ لا تميز في الأرباب فمن كان مرضيا عند ربه كان مرضيا عند رب آخر لأن رب عبد عين رب عبد آخر .
فلزم حينئذ إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر أراد دفعه "إيضاحه" بقوله: (ولا يأخذه أحد) أي لا يأخذ من مسمى الله ربا (من حيث احديته) حتى كان من كان عند ربه مرضيا ، مرضيا عند رب آخر.
(ولهذا) أي ولأجل عدم أخذ أحد ربا من حيث أحدية الحق (منع أهل الله التجلي في الأحدية) أي منع عن طلب النجلي الأحدي لعدم حصوله لأحد ، لئلا يضيع أوقات السالكين في طلب المحال .
وإنما لا يمكن حصول التجلي الأحدي (فإنك إن نظرته به) أي نظرت الحق بالحق وهو النظر مع انتفاء التعين (فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه).
فما ظهر لك ذلك التجلي بل ظهر نفس الحق بنفسه (وأن نظرته بك) أي مع بقاء تعينك .
(فزالت الأحدية بك) أي لا أحدية حينئذ لوجود الاثنينية (وان نظرته به وبك) أي وإن جمعت في النظر إليه بينه وبينك (فزالت الأحدية) فلا أحدية .
(أيضا الأن ضمير التاء في نظرته ما هو عين المنظور) على كل التقادير الثلاث (فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرة ومنظورة فزالت الأحدية) لوجود الاثنينية في
كل واحد من الوجوه كما يدل عليه قوله : (وإن كان لم ير) الحق (إلا نفسه بنفسه ومعلوم أنه) أي الشأن (في هذا الوصف) وهو رؤية الحق نفسه بنفسه (ناظر ومنظور)، وهو يوجب الاثنينية ، وإن كان اعتباريا فإذا علمت هذ (فالمرضي) عند ربه (لا يصح أن يكون) عند ربه الخاص (مرضيا مطلقا)، أي عاما في جميع الأوقات .
بحيث لا ينفك عنه كونه مرضيا عند ربه في حال أصلا كما أن النص الوارد في حق إسماعيل عليه السلام كذلك (إلا إذا كان جميع ما يظهر به) أي بسبب المرضي (من فعل الراضي) بيان لم (فيه) أي في المرضي .
وأما إذا لم يظهر جميع أفعال الراضي في المرضي بل بعضه يظهر فيه وبعضه لم يظهر لم يكن المرضي مرضيا عند عدم ظهور ذلك البعض فلم يكن مرضيا مطلقا عند ربه فقد ثبت بالنص والكشف أنه مرضي مطلقة لظهور جميع فعل الراضي فيه.
فلما استوى كل موجود مع إسماعيل عليه السلام في كونه مرضيا عند ربه .
أراد أن يبين جهة امتيازه بقوله:
(ففضل إسماعيل عليه السلام على غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها: "ارجعي إلى ربك" فما أمرها أن نرجع إلا إلى ربها الذي دعاها) .
أي إلا إلى الرب الله الذي دعى النفس المطمئنة إليه بالرجوع (فعرفته) أي فعرفت النفس المطمئنة ربه (من الكل) بسبب قبول دعوته (راضية) عن ربه (مرضية) عند ربه ("
فادخلي في عبادي" من حيث ما) أي من الوجه الذي حصل (لهم هذا المقام) فأنت لائق مستحق بأن تدخل في زمرتهم بسبب كسبك هذا المقام.
(فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالی) من الكل (واقتصر) نفسه (عليه) أي على ربه (ولم ينظر إلى رب غيره) كما لم ينظر ربه إلى عبد رب آخر .
فإن النظر إلى رب غيره لا يكون إلا من الجهل بربه (من أحدية العين) .
أي مع أن ربه عین رب غيره في مقام أحدية الذات ومع ذلك ( لا بد من ذلك).
أي من عدم النظر إلى رب الغير فإن الأمر في نفسه على ذلك ("وادخلي جنتي" التي هي سري) بكسر السين أي حجابي .
(وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك) فذاتك حجاب بيني وبينك فادخلي ذاتك بإفنائك في ذاتي حتى تشاهد ذاتي .
فكما أن رؤية الله تعالى لا يمكن في عالم الصورة إلا بدخول الجنة في عالم الآخرة. كذلك لا يشاهد الحق في عالم المعاني
إلا بالدخول في الجنة المعنوية (فلا أعرف إلا بك) أي لا يظهر آثار ربوبيتي إلا بسببك لا بدونك .
(كما أنك لا تكون) أي لا توجد (إلا بې) أي بسببي فإذا لم أعرف إلا بك (فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف) إلا بك ، فأنت لا تعرف إلا بي.
كما قال عرفت الله بالأشياء وعرفت الأشياء بالله فتوقف معرفة كل منهما إلى الآخر .
الأولى مشاهدة المؤثر من الأثر والثاني مشاهدة الأثر من المؤثر وهو أتم من الأول معرفة ومعناه ،لا يعرفني عبد إلا أنت ولا يعرفك رب إلا أنا.
وجاز أن يكون معناه وأنا لا أعرف على البناء المعلوم إلا أنت فأنت لا نعرف إلا أنا إذ كل رب لا يعرفه إلا ما كان مظهر الربوبية .
كما أن كل عبد لا يعرف إلا ربه الخاص وقد انحصرت الأمر من الطرفين.
قال بعض الشراح وأنا لا أعرف بحسب الحقيقة وأنت لا تعرف بحسبها وإن كان له وجه لكنه لا يناسب المقام يظهر بأدني نأمل .
(فإذا دخلت نفسك دخلت جنته) فإذا دخلت جننه (فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها) أي عرفت نفسك بهذه المعرفة .
(حين عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون) بسبب دخولك جنته (صاحب معرفتين معرفة به) أي بالحق بك (من حيث) أنك (أنت ومعرفة به بك من حيث) أنك (هو لا من حيث أنك أنت) ولم تكن هاتين المعرفتين إلا لمن دخل جنة ربه الخاص.
(فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد)
و (شعر: فأنت عبد) من حيث التعين (وانت رب) من حيث الهوية (لمن له فيه أنت عبد) أي للذي أنت له في حقه عبد .
فالعبد رب لربه الخاص لا لغيره، كما أنه عبد له لا لغيره، فتعلق ربوبية العبد لمن تعلق عبوديته به.
و معنی ربوبية العبد ربه:
قبول أحكامه وإظهار كمالاته فيه ، وهذا مجازاة بين العبد وبين ربه الخاص .
وأما بين العبد وبين رب الأرباب وهو قوله :
(وأنت رب وأنت عبد ….. لمن له في الخطاب عهد)
وهو خطاب "ألست بربكم" والعهد قول المخاطبين قالو:" بلى شهدنا"، فإن هذا الخطاب عن مقام الجمع فكان الكل عبيدا للكل بسبب ربهم الخاص بهم.
فكان الخطاب عاما والعهد عاما فيتنوع العهد الكلي بحسب القوابل إلى العهد الجزئي الذي بين العبد وبين ربه الخاص .وأما بينه وبين رب المطلق وهو عهد كلي.
( فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد )
فإذن يتنوع العهد (فكل عقد) أي فكل واحد من العهد (عليه) أي على ذلك العقد (شخص) من المخاطبين المعاهدين .
أي ثابت على ذلك العقد بحفظه دائما على النقض والحل (يحله) أي يحل ذلك العقد (من سواه عقد) أي من له عقد سوى ذلك.
فإن من له العهد بينه وبين الاسم الهادي يحل العقد الذي بين الاسم المضل وبين عبيده فكان كل واحد من العبيد يحفظ عقده ويحل عقد غيره.
(فرضي الله) أي كل بالأسماء (عن عبيدة نهم مرضيون) لأن عبيد الأرباب عبيده ومرضي الأرباب مرضيه
(ورضوا عنه فهو مرضي) فكان الأمر الذي بين العبد وربه الخاص بعينه ثابت بينه وبين رب المطلق .
فكل عبد مرضي عند الله بالأمر الإرادي.
وأما بالأمر التكليفي فبعضهم مرضي كالأنبياء والأولياء ، وغيرهم من المؤمنين حسب مراتبهم.
وبعضهم ليس بمرضي كالكفار والعصاة .
فالنجاة من النار جمع الأمرين في الرضاء لا ينفع الرضاء بالأمر الإرادي مجردا عن الرضاء بالأمر التكليفي.
(فتقابلت الحضرتان) أي الربوبية والعبودية (تقابل الأمثال والأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان) المجتمعان والمثلان متميزان فلا يجتمعان.
(لا يتميزان فما ثمة) أي فما في العالم من حيث الوجود (إلا متميزا) واحد (فما ثمة) أي في العالم (مثل) لأن المثلية تقتضي الاثنينية.
(فما في الوجود مثل) إذ الوجود هو عين المتميز (فما في الوجود ضد فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه) فإذا ارتفع الأضداد والامثال بظهور وحدة الوجود.
(فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثمه موصول و ما ثم بائن)
(فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن) أي عالم الأكوان للفناء بها في الحق.
(فما ثمة) أي في الوجود (موصول ولا ثمة باين) أي لا موصول ولا واصل ولا مفارق لاستهلاك الكل في عين الوجود عند تجلي وحدة الوجود.
(بذا) أي بما ذكرنا من وحدة الوجود (جاء برهان العيان) وهو البرهان الكشفي (فما أرى بعيني) شيئ (إلا عينه) أي إلا ذات الحق لا غيره لاستهلاك جميع الأشياء في
نظري في ذات الحق.
(إذ أعاين) أي إذ أشاهد معانيه حقيقة الأمر وهذا لمن لم يخشى ربه أن يكون هو لعدم علمه بالتميز فهو فوق مقام الخشية .
وأما قوله (ذلك) أي "رضي الله عنهم ورضوا عنه" فهو (لمن يخشى ربه أن يكون هو لعلمه بالتميز) بين الربوبية والعبودية (لما دلنا على ذلك) التميز.
(جهل أعبان في الوجود) يتعلق بجهل وكذ (بما أتي به عالم) يتعلق به والمراد بما أتى به عالم ما ذكره من وحدة الوجود في الأبيات.
فعالم بالله يثبت التميز في مقام ويثبت عدم التمييز في مقام.
وأما من لم يكن عالما بالله فلا يثبت إلا التميز، فدلنا على التميز عدم علمهم بعدم التميز.
(فقد وقع التمييز بين العبيد) فإذا وقع التمييز بين العبيد (فقد وقع التمييز بين الأرباب) ضرورة وجوب وجود العلة عند وجود المعلول لأن التمييز بين العبيد أثر حاصل من التمييز بين الأرباب.
ولما كان في هذا الدليل نوع خفاء عند العقل إذ يجوز للعقل أن يمنع الملازمة أورد على ذلك الدليل بقوله: (ولو لم يقع التمييز) بين الأرباب (لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر به الآخر والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك لكنه) أي لكن المعز (هو) المذل (من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم أنه دليل على الذات وعلى حقيقته) أي حقيقة ذلك الاسم.
(من حيث هو فالمسمى واحد فـ المعز هو المذل من حيث المسمى والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته) وإنما لم يكن المعز هو المذل من حيث نفسه.
(فإن المفهوم مختلف في الفهم في كل واحد منهما) فدل اختلاف مفهومهما في الفهم على أن أحدهما ليس هو الآخر بحسب نفسه وحقيقته.
ولما بين في الأسماء جهة الاتحاد وجهة الاختلاف أراد أن يبين هذا المعنى بين الحق والخلق.
(فلا تنظر إلى الحق ….. وتعريه عن الخلق)
أي مع تعري الحق من الخلق من كل الوجوه بل اجعله معرى مستغنيا من حيث الذات عن الخلق واجعله متعلقة من حيث الصفات إلى الأكوان.
(ولا تنظر إلى الخلق ….. وتكسوه سوى الحق)
من كل الوجوه بل تكسوه بالغيرية في مقام الكثرة وتكسوه بالحق في مقام الجمع وهو مقام تحققه بصفات الحق.
(ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق)
(ونزهه وشبهه) أي نزه الحق في مقام التنزيه وهو مقام استغناء ذاته تعالى عن العالمين .
وشبه الحق في مقام الصفات بإثباتك له بالصفات الكاملة كالحياة والعلم والسمع وغير ذلك :
(وقم في مقعد الصدق) يعني إذا علمت ذوق ما ذكرنا لك وعلمت به فقد أقمت في مقام الكاملين وهو مقام الجمع بين الكمالين التنزيه والتشبيه .
فإذا نزهت وشبهت وقمته في مقعد الصدق ولا يبالي لك بعد ذلك.
(وكن في الجمع إن شئت ….. وإن شئت ففي الفرق)
لأنك حينئذ نلت درجة المحققين والموحدين، فلا يضرك في أي مقام كنت من الفرق والجمع .
فإذا تحققت بما قلنا لك (تحز) أي تقابل وتساوي (بالكل) أي بكل الناس في هذا الكمال (إن كل تبدی) أي أن قصد كل من الناس (قصب السبق) فلا يسبق عليك شيء منهم وأنت لا تسبق عليهم لأنه ليس وراء هذا المقام مقام آخر.
فقوله: إن كل شرط تحز جزاؤه والجملة الشرطية جواب الشرط محذوف كما ذكرنا الشرط المقدر .
(فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي)
فلما كان الأمر كما ذكرن (فلا تفنى) من حيث حقیقتك في فني يفتي (ولا تبقى) من خلقيتك وتعينك لتبدل أحكام الخلقة عليك (ولا تفني) الأشياء من جهة الحقية من أنني يفنى (ولا تبقى) من حيث التعينات من أبقي يبقى .
(ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي )
(ولا يلقى) على البناء للمفعول. (عليك الوحي في غير ولا تلفي) أي لا يلقي الله الوحي عليك في حق غير بل يلقيه على نفسه .
فإنك هو من حيث هويتك وحقيقتك وأنت مرتبة من مراتب تفصيله هذا إن كان الحق باطنا والعبد ظاهرا أو ولا يلقي الوحي في حق غيرك بل يلقيه على نفسك .
فإن الحق أنت من حيث الحقيقة هذا إن كان الحق ظاهرا والعبد باطنا والوحي من جانب الحق كونه سببا لوجود العبد ولكل ما يحتاج العبد إليه ومن طرف العبد كونه سببة لظهور كمالات الحق وأحكامه.
ولما بين أسرار الرض شرع في بيان أسرار الثناء :
فإن كلا منهما مودع في كلمة إسماعيل عليه السلام بقوله: (الثناء) یكون (بصدق الوعد لا بصدق الوعيد) بخلاف الرضا فإنه يكون بصدق والوعيد كما أثبت (والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات) من كان عبدا سعيدا كان أو شقيا فلا بد وقوع مطلوب
الحق من كل عبد.
فلا بد صدق الوعيد والتجاوز من الحق في حق كل عبد على حسب ما يليق بذواتهم حتى يحصل له الثناء المحمود من كل عبد حسب مراتبهم.
(فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد) أي لما طلب الذات الإلهية بذاته الثناء المحمود لا يثني عليها إلا بصدق، وعده بالتجاوز عن سيئاتهم وأداء الثناء المحمود لا يكون إلا بصدق الوعد لا بصدق الوعيد.
(بل) يثني عليه (بالتجاوز) عن وعيده بالعفو .
يدل على ذلك قوله تعالى: ("فلا تحسبن الله" مخلف وعده رسله ولم يقل ووعيده) لعدم الثناء المحمود بصدق الوعيد (بل قال "ونتجاوز عن سيئاتهم" مع أنه) أي الحق (توعد
على ذلك) أي على الشيء .
فدلت هذه الآية على أن الله تعالى يطلب بذاته عن عباده الثناء المحمود وإن هذا الثناء لا يحصل إلا بصدق وعده عباده و بالتجاوز عن سيئاتهم .
فعم التجاوز الخالدين في النار أبدأ بحصول النعيم الممتزج بالعذاب لهم فيثنون بذلك على الله تعالی فعم الثناء المطلوب .
فإذا كان الثناء في حق الحق بصدق الوعد (فأثني على إسماعيل عليه السلام بأنه كان صادق الوعد) فالثناء المحمود سواء كان من العبد على الحق أو من الحق على العبد ل
يكون إلا بصدق الوعد .
(وقد زال الإمكان) أي وقد زال بدلالة النص إمكان وقوع الوعيد على الأبد (في حق الحق لما فيه) أي وقوع الإمكان (من طلب مرجح) والطلب المرجح لوقوع الوعيد هو الذنب وذلك يرتفع بوعده تعالى بقوله: "ونتجاوز عن سيئاتهم" [الأحقاف: 16]
فإن وعده واجب الوقوع في كل عبد فزال ونوع الوعيد وقت ونوع التجاوز وليس التجاوز في حق الكفار التخليص عن ألم النار ، بل المراد بالتجاوز حصول الرحمة الممتزجة بألم النار .
فإذا زال صدق الوعيد شعر:
(فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين)
(فلم يبق إلا صادق الوعد وحده وما) أي ليس (لوعيد الحق عين تعاين) على البناء للمفعول أي شخص تعین له العذاب الخالص عن الرحمة على الأبد بالنصر (وإن دخلوا) أي الأشقياء (دار الشفاء فإنهم على لذة فيها) أي في تلك الدار (نعيم مباین) خبر مبتدأ محذوف (نعيم) منصوب بمباین.
(جنان الخلد فالأمر) أي نعيم جنات الخلد ونعيم دار الشفاء (واحد وبينهما) أي بين النعيمين (عند التجلي) أي عند الظهور (تباين) لأن نعيم الجنان رحمة خالصة عن العذاب ونعيم دار الشقاء رحمة ممتزجة لا يخلو عن العذاب أصلا .
فكانا عند التحقيق واحدة داخلا في حد النعم ومتباينان عند التجلي فهذا هو معنى قوله في الأمر واحد بينهما عند التجلي تباین.
(یسمی) نعيم دار الشفاء (عذابا من عذوبة طعمه) أي لأجل عذوبة طعم هذا النعيم لأهله، يعني كما أن العذاب الاصطلاحي متحقق في الكفار في دار جهنم .
كذلك العذاب اللغوي وهو اللذة متحقق فيهم فكانوا جامعين بينهما ومنحققين بهما على الأبد.
يدل على ذلك : (وذاك) أي عذابهم (له) أي لنعيمهم (كالقشر والقشر صائن) أي حافظ للبه ، فلا يزال العذاب صائنا للبه وهو نعيمهم .
فلا يزال العذاب الاصطلاحي عنهم أبدا كما هو مذهب أهل السنة فإن المصنف قسم الرحمة إلى رحمة ممتزجة بالعذاب وإلى رحمة خالصة من العذاب .
ثم قال لا يكون هذه الرحمة في الدار الآخرة إلا لأهل الجنان ثم أثبت النعيم المباين لأهل الشقاء.
فالنعيم هو عين الرحمة عنده وعند سائر أهل الله .
فالنعيم منه نعیم خالص مختص بأهل الجنان ومنه نعيم ممتزج بالعذاب مختص بأهل جهنم .
وبعض الشارحين حمل كلامه على خلافه مراده ، وقال في شرح كلامه في هذه المسألة أن العذاب منقطع مطلقا عن الكفار .
ومن ذلك ظن بعض الناس السوء على الشيخ وعلى أهل الله الذي على طريقته في العلم بالله تعالى .
وسنطلع حقيقة هذا المقام في آخر الفص الهودي إن شاء الله تعالی.

.


MhZsYh5HQtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!