موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح بالي أفندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مصطفي سليمان بالي زاده الحنفي

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية


13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زاده على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ مصطفى بالي زاده الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
ولما التجأ لوط عليه السلام إلى الله لضعف نفسه وقوة قومه بقوله : "لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد" نسب الحكمة الملكية في كلمته عليه السلام (الملك) بفتح الميم وسكون اللام (الشدة والمليك الشديد يقال : ملكت العجين إذا شددت عجينة قال قيس بن الخطيم يصف طعنته) بشدة ضربه العدو بالرمح.
"" أضاف المحقق :من أهم المسائل التي تثار في هذا الفص مسألة "القوة" مصدرها وظهورها في الإنسان، وصلتها بقوته الروحية المسماة بالهمة، ومتى يجب عليه أن يستخدمها في التصرف بوساطة هذه القوة، ومتى ينبغي عليه أن يكف عن هذا التصرف.""
شعر قيس بن الخطيم الأوسي :
ملكت بها كفي فانهرت فتقه ... يرى قائماً من دونها ما وراءه
أي فأوسعت فتق الطعنة حتى (يري قائم من دونها ما وراءها) أي يري القائم ما وراء الطعنة من جانب آخر (أي شددت بها كفي يعني الطعنة فهو) أي الملك المذكور مستفاد (عن قول الله على لسان لوط عليه السلام وهو).
أي قول الله تعالى: "لو أن لي بكم قوة " لمقاومتكم "أو آوي" أي التج "إلى ركن شديد" [هود: 80] إلى قبيلة غالية على الأعداء.
(فقال رسول الله عليه السلام: يرحم الله أخې لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، فنبه عليه السلام أنه كان مع الله مع كونه شديدا) فكان غالبا على أعدائه مع نصرة الله من ركن شدید فكان له أبو طالب رکنا شدیدا . أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة
(والذي قصد لوط عليه السلام) مبتدأ (القبيلة) خبره (بالركن الشديد ) يتعلق بقصد ( والمقاومة ) عطف على القبيلة ( بقوله : "لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً" يتعلق بقصد ( وهي الهمة هنا من البشر خاصة ) أي القوة الروحانية المؤثرة في النفوس لا القوة الجسمانية .
فإن القوة الروحانية أقوى تأثيرا من القوى الجسمانية فطلب لوط عليه السلام من اللّه لمقاومة قومه القوة الروحانية وهي الهمة هنا من البشر خاصة وهي همة الأنبياء والأولياء لا همة عامة في جميع البشر ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبي بعد ذلك إلا في شدة ومنعة من قومه ) يمنعون شرّ العدوّ منه الحديث.
هكذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم يرحم اللّه أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فمن ذلك الوقت ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه ( فكان يحميه قبيلته ) أي يحفظونه ويمنعون عن ضرر عدوّه ( كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فقوله له :أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) يعني إنما قال لوط عليه السلام هذا القول .
( لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول اللّه الذي خلقكم من ضعف بالأصالة ) فالضعف منشأ ومبدأ للخلق ( ثم جعل من بعد ضعف قوة فعرضت القوة ) على الضعف الأصلي (بالجعل ) أي بالخلق الجديد ( فهي قوة عرضية ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة فالجعل تعلق بالشيبة ) لكونه أمرا وجوديا عرضيا كالقوة وأوجدها الحق سبحانه بالخلق الجديد ( وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ") وهو عدم القوة فلا يتعلق الجعل به
فإن قلت :
فكيف يصح هذا التوجيه فإن قوله تعالى : " ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً " [ الروم : 54 ] ظاهر في تعلق بهما قلنا : صدقتم في قولكم هذا لكنه لما كان الشيب صفة عارضية للإنسان اعتبر المصنف تعلق الجعل إليه بمعنى الإيجاد .

ولما كان الضعف وصفا أصليا له اعتبر الجعل إليه بمعنى الردّ إلى أصله لذلك قال : ( فردّه ) أي ردّ اللّه الإنسان ( لما ) أي إلى ما ( خلقه منه ) وهو الضعف والشيبة سبب موجب لرد الشيء إلى أصله وهو الضعف وأورد دليلا على أن الضعف بعد القوة رد على أصله لا يتعلق به الجعل.

قوله تعالى : ( كما قال الشيخ رضي الله عنه : "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً " [ النحل : 70 ] فذكر ) في هذه الآية ( أنه ردّ ) الحق الإنسان ( إلى الضعف الأول ) فلا يتعلق الجعل إلى الضعف فإن الرد رجوع إلى الأصل فينافي تعلق الجعل إليه فازداد الإنسان بالشيخوخة إلى الضعف الأول ( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) لذلك ناسب حركة الشيخ الطفل (وما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النقص والضعف فلذ ) أي فلأجل إدراك لوط عليه السلام معنى قول اللّه بالنور الإلهي.

( قال :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " مع كون ذلك ) أي مع وجود القوة الجسمانية ( يطلب همة مؤثرة ) فظهر أن ما طلب لوط عليه السلام ليس بقوة جسمانية .
( فإن قلت : وما يمنعه من الهمة المؤثرة وهي موجودة في السالكين ) يتصرفون بها في بعض الأشياء ( من الاتباع والرسل عليهم السلام أولى بها ) أي بالهمة المؤثرة (قلنا : صدقت ولكن نقصك ) أي منعك عن التصرف ( علم آخر وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرف فكلما علت معرفته ) أي معرفة الشخص ( نقص تصرفه بالهمة وذلك ) أي منع المعرفة التصرف بالهمة .

قال رضي الله عنه : ( لوجهين الوجه الواحد لتحققه ) أي لتحقق العارف ( بمقام العبودية ونظره إلى أصل خلقه الطبيعي ) الذي هو الضعف وهذه المعرفة والنظر إلى أصله تمنع لوطا عليه السلام عن التصرف بالهمة مع وجود الهمة فيه .
قال رضي الله عنه : ( والوجه الآخر أحدية المتصرف والمتصرف فيه فلا يرى ) من اطلع هذا المقام ( على من يرسل همته فيمنعه ) عن التصرف ( ذلك ) العلم فعلم من ذلك أن المعرفة تمنع العارف عن التصرف وأن من تصرف من الأنبياء عليهم السلام والأولياء رضوان اللّه عليهم إنما هو بأمر اللّه تعالى.
( وفي هذا المشهد ) أي وفي مقام شهود الأحدية ( يرى ) المشاهد ( أن المنازع له ) وللأنبياء عليهم السلام والأولياء رضوان اللّه عليهم .

قال رضي الله عنه : ( ما عدل عن حقيقته التي هو ) أي المنازع ( عليها ) أي على تلك الحقيقة ( في حال ثبوت عينه وحال عدمه فما ظهر في الوجود إلا ما كان له (في حال العدم في الثبوت فما تعدى حقيقته ولا أضل طريقته ) فكما أن الأنبياء عليهم السلام والأولياء رضوان اللّه عليهم ما عدلوا عن حقائقهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم من الطاعة لأمر اللّه .
كذلك المنازع لهم ما عدل عن حقيقته التي هو عليها من المخالفة لهم كل ذلك بتقدير اللّه وإرادته فما ثمة أي أحد تعدى حقيقته وأضل طريقته فلا نزاع في الحقيقة.
قال رضي الله عنه : ( فتسمية ذلك نزاعا ) مطلقا وإنما قلن : مطلقا فإن أهل اللّه يسمى نزاعا بحسب الأمر التكليفي ولا يسمى نزاعا بحسب الأمر الإرادي وأما أهل الحجاب فيسمون نزاعا مطلقا ( إنما هو ) عائد إلى التسمية باعتبار النزاع ( أمر عرضي أظهره الحجاب الذي على أعين الناس ) المانع للاطلاع على سر القدر .
فإنهم لعدم وقوفهم بسر القدر يزعمون أن الناس كلهم قابل للهداية واتباع الرسل عليهم السلام فيما جاءوا بهم وم يعلمون أن كلا موافق لطريقته التي عينت لهم في الأزل من عند اللّه بحسب اقتضاء عينهم الثابتة في العلم لذلك يسمون عدم اتباع الكفار نزاعا ومخالفة مطلقا فلو علموا ما علم أهل الكشف ما كانوا يسمونه نزاعا مطلقا بل يسمونه نزاعا من وجه واتباعا من وجه.
( كما قال اللّه تعالى فيهم ) أي في حق أهل الحجاب ("ووَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ") [ الأعراف : 187 ] . سر القدر
قال رضي الله عنه : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا )أي ما ظهر في نشأتهم الدنيوية ( وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ )أي عن النشأة الأخروية التي يظهر عندها سر القدر( هُمْ غافِلُونَ )وهم الذين قلوبهم في غلاف ( وهو ) الغافل ( من ) باب ( المقلوب فإنه ) أي الغافل مأخوذ ( من قولهم :"قُلُوبُنا غُلْفٌ" أي
في غلاف )
فقلب اللام والفاء بالقلب المكاني فكان أصل غافلون غافلون أي غالفون قلوبهم في غلاف الحجاب ( وهو ) أي الغلاف ( لكن الذي يستره ) أي يستر القلب ( عن إدراك الأمر على ما هو عليه ) وهذا الكن هو الذي ذكر الحق في قوله تعالى :" إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً " [ الكهف : 57 ] . ( فهذا ) أي التحقيق بمقام العبودية والنظر إلى أصل الخلقة والاطلاع على أحدية التصرف والمتصرف فيه .
قال رضي الله عنه : ( وأمثاله يمنع العارف من التصرف بالهمة في العالم ويدل عليه ما قال الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن قائد للشيخ أبي السعود بن الشبلي لم لا تتصرف فقال أبو السعود تركت الحق يتصرف لي كما يشاء يريد قوله تعالى آمرا :فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا فالوكيل هو المتصرف ).

فاتخذ أبو السعود الحق وكيلا يتصرف ( ولا سيما وقد سمع ) أبو السعود أن ( اللّه يقول وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فعلم أبو السعود والعارفون ) بالعلم الشهودي .
قال رضي الله عنه : ( أن الأمر الذي بيده ليس له وأنه مستخلف فيه ) أي في ذلك الأمر وإفراد الضمائر باعتبار الكل إذ اللام في العارفون للاستغراق أي فعلم كل واحد من العارفين ( ثم قال له ) أي لأبي السعود ( الحق هذا الأمر الذي استخلفتك فيه وملكتك إياه اجعلني واتخذه فيه وكيلا ) أي فقد تجلّى اللّه لأبي السعود في هذه الآية (فامتثل أبو السعود أمر اللّه فاتخذوه وكيلا فكيف يبقى لمن يشهد مثل هذا الأمر همة يتصرف بها والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا يتسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه وهذه المعرفة تفرقه ) أي تفرق صاحبها .

قال رضي الله عنه : ( عن هذه الجمعية فيظهر المعارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف قال بعد الأبدال للشيخ عبد الرزاق رحمه اللّه قل للشيخ أبي مدين بعد السلام عليه : يا أبا مدين لما لا يعتاض علينا شيء ) إذا أردنا حصوله يحصل بتصرفنا ويلين لنا ولا ينازعنا .
"" أضاف المحقق : الشيخ أبو مدين :هو شعيب بن الحسن المغربي الأنصاري الأندلسي ( ت 589 ه - 1193 م ) ( أبو مدين ) صوفيّ خافه المنصور لكثرة أتباعه . من تصانيفه : أنس الوحيد ونزهة المريد في علم التوحيد ، الحكم ، حكم أبي مدين"".
قال رضي الله عنه : ( وأنت تعتاض عليك الأشياء ) أي لا يتبع على مرادك يعني نحن نتصرف وأنت لا تتصرف ( و ) الحال ( نحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا وكذلك كان ) أبو مدين يعتاض عليه الأشياء فلا يتصرف وغيره يرغب هو في مقام غيره ( مع كون أبي مدين كان عنده ذلك المقام ) وهو مقام الإبدال صاحب التصرف ( وغيره ) أي وغير ذلك المقام ( ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه ) أي من أبي مدين ( ومع هذا قال له هذا البدل ما قال وهذا ) أي الذي منع أبا مدين من التصرف ( من ذلك القبيل ) أي من قبيل ما يمنع أبا السعود وأمثاله من التصرف وهو المعرفة التامة .

قال رضي الله عنه : ( أيضا ) كأبي السعود وغيره من العارفين فظهر أن للبدل الذي قال لأبي مدين نصف من المعرفة ولو علم ما قال له لعلمه أن العارف لا يتصرف بالاختيار بل بالجبر والأمر من اللّه تعالى ( وقال صلى اللّه عليه وسلّم في هذا المقام عن أمر اللّه له بذلك ) المقام وهو مقام العجز والضعف ( ما أدري ما يفعل بي ولا ) أدري ما يفعل ( بكم أن اتبع إلا ما يوحى إليّ فالرسول يحكم ما يوحى إليه به ما ) أي ليس ( عنده غير ذلك ) أي غير الوحي ( فإن أوحي إليه بالتصرف ) بجزم ( تصرف وإن منع امتنع وإن خير اختار ترك التصرف ) لظهوره بمقام العبودية من العجز والضعف ( إلا )استثناء منقطع .
قال رضي الله عنه : ( أن يكون ) المخير ( ناقص المعرفة ) فإنه اختار التصرف لعدم علمه بمقام عبوديته .
قال رضي الله عنه : ( قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به إن اللّه أعطاني التصرف ) أي أعطاني قدرة للتصرف وخيرني فيه ( منذ خمس عشر سنة وتركناه تطرفا ) أي اختيارا ولم يقل وتركناه لكمال المعرفة مع علمه بذلك إظهارا لعجزه وضعفه وتنبيها للمخاطبين على أن المقام الأصلي مقام العبودية وتأدبا بمقام العبودية حيث لم يثبت لنفسه كمال المعرفة مع حصولها له .

وإلى هذا أشار المصنف بقوله : ( وهذا ) الذي ذكر أبو السعود لأصحابه في وجه ترك التصرف وهو قوله تركناه تطرفا ( لسان إذلال ) أي لسان عبودية وفناء لا لسان بيان عن الحقيقة فليس التطرف وجها في ترك التصرف في حق الكاملين وإنما الوجه فيه كمال المعرفة وهو لسان الوجود وبينه.
بقوله : ( وأما نحن ما تركناه تطرفا وهو تركه إيثارا وإنما تركناه لكمال المعرفة ) أي نحن نقول في وجه ترك التصرف على ما هو الأمر عليه وهو لكمال المعرفة ولا نقول كما يقول أبو السعود وهو للتطرف وليس الأمر على ما يقوله فترك لسان الإذلال .
واختار لسان الوجود لكونه مأمورا بالبيان عن حقيقة الأمر ولم يظهر هذا المعنى إلا بقوله لكمال المعرفة بخلاف أبي السعود فإنه مختار في الإظهار لذلك لم يكشف الأمر لأصحابه مع علمه بحقيقة الأمر .
كما قال في حقه فكيف يبقى لمن يشهد مثل هذ الأمر همة فإن من شهد هذا المشهد يعلم أنه أيّ شيء منعه عن التصرف وإنما اختار أبو السعود هذا اللسان تعليما لأصحابه طريق الفناء والتوحيد وهو بذل النفس وترك التصرفات بالاختيار ( فإن المعرفة ) أي كمال المعرفة ( لا تقتضيه ) أي التصرف ( بحكم الاختيار ) فلا اختيار للعارف في التصرف .

ولما يوهم ظاهر كلام أبي السعود أن العارف يتصرف بالهمة عن اختيار قال هذا لسان إذلال.
(فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وخبر لا باختيار ولا شك أن مقام النبوة يطلب التصرف لقبول الرسالة ) إذ التصرف سبب لقبول الرسالة ( التي جاء ) الرسول ( بها ) أي بهذه الرسالة ( فيظهر عليه ) أي على الرسول جاز كونه من الإظهار فكان فاعله ضميرا عائدا إلى التصرف أو من الظهور فاعله ( ما يصدّقه ) أي الذي يصدق الرسول في دعوى الرسالة ( عند أمته وقومه ) من المعجزات.
وكذلك ( ليظهر ) من الإظهار فاعله ضمير عائد إلى الرسول أو من الظهور فاعله ( دين اللّه والولي ليس كذلك ومع هذ ) أن الرسول يحتاج إلى التصرف في إظهار الدين ( فلا يطلبه ) أي التصرف ( الرسول في الظاهر ) أي من حيث النشأة العنصرية وأما من حيث النشأة الروحانية يطلب التصرف لذلك وإنما لا يطلب الرسول التصرف وهو إظهار المعجزة .
( لأن للرسول الشفقة على قومه فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجة عليهم فإن في ذلك ) أي في ظهور الحجة ( هلاكهم ) اسم أن والظروف مقدم خبره ( فيبقى ) من الإبقاء (عليهم ) حجابهم لتعطفهم ( وقد علم الرسول عليه السلام أيضا أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة فمنهم من يؤمن عند ذلك ) أي عند ظهور المعجزة ( ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التصديق به ظلما وعلوّا وحسدا ومنهم من يلحق ذلك بالسحر والإيهام ) أي الشعبذة .
( فلما رأت ) أي شاهدت ( الرسل ذلك ) الأمر من أعيان قومه ( و ) رأت ( أنه ) أي الشأن ( لا يؤمن ) أحد وإن ظهرت المعجزة له ( إلا من أنار اللّه قبله ) في علمه ( بنور الإيمان ) الأزلي (ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا ) عند الظهور فلا يظهر التصديق عن مثل هذا الشخص لعدم تنور قلبه بنور الإيمان الأزلي ( فلا ينفع في حقه الأمر المعجز ) فإذا علمت الرسل هذه الأحوال من قومهم ( فقصرت الهمم ) أي همم الرسل ( عن طلب الأمور المعجزة ) من اللّه لإظهار دين اللّه وإنما قصرت همم الرسل عن طلب المعجزة .
( لما لم يعم أثرها ) أي أثر المعجزة (في الناظرين ) كله فإن بعض ناظري المعجزة لا يقرّ بها أي لا يؤثر المعجزة في ناظري المعجزة ( ولا ) يعم أثرها ( في قلوبهم ) فإن بعض قلوب الناظرين لا يصدق به فكان من الناظرين من يقرّ بلسانه ويجحد بقلبه وهم المنافقون لذلك قال ولا في قلوبهم فيختص أثر المعجزة من الناظرين لمن نوّر اللّه قلبه بنور الإيمان الأزلي فقصرت المعجزة فقصرت الهمم ولو عمت لعمت.
( كما قال في حق أكمل الرسل واعلم الخلق وأصدقهم في الحالإِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فلا أثر للهمة ( ولو كان للهمة أثر ولا بد لم يكن أكمل من رسول اللّه عليه السلام ولا أعلى درجة وأقوى همة منه وما أثرت ) همة ( في إسلام أبي طالب عمه فيه ) أي في حق أبي طالب ( نزلت الآية التي ذكرناها وكذلك قال في الرسول أنه ما عليه إل البلاغ ) وهو قوله تعالى :" فَإِنَّم عَلَيْكَ الْبَلاغُ " [ النحل : 82 ] فنفى عنه ما عدا التبليغ .
( وقال لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فنفى عنه هدايتهم كل ذلك نفي لتأثير همته مع كونه أكمل البشر بل أكمل الموجودات .
ولما كان إيضاح هذه المسألة موقوفة على سر القدر بينه بقوله ( وزاد ) الحق تعالى نفى أثر الهمة ( في سورة القصص وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي بالذين أعطوه ) أي الحق ( العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة فأثبت ) الحق ( إن العلم تابع للمعلوم ) .
فإذا كان العلم تابعا للمعلوم.
قال رضي الله عنه : ( فمن كان مؤمنا ) أي فمن كان أعطى العلم للحق بإيمانه ( في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده وقد علم اللّه ذلك ) أي الإيمان ( منه أنه هكذا يكون )أي الذي كان مؤمنا في حال عدمه يكون مؤمن في وجوده الخارجي ( فلذلك ) العلم ( قال "هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" فلما قال مثل هذا ) القول وهو قوله :" وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ( قال أيضا ما يبدل القول ) وهو حكم اللّه بإيمان البعض وكفر البعض ( لديّ لأن قولي على حد ) أي على حسب (علمي في خلقي "وَم أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" أي ما قدرت عليهم ) أي على العبيد .
( الكفر الذي يشقيهم ) بدون اقتضاء أعيانهم الثابتة وطلبهم مني .
( ثم طلبتم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ) حتى لا أكون ظالم للعبيد فكل أمر الحق بهم ما ليس في وسعهم من أحوال عينهم الثابتة وهذا هو الكلام الذي قطع عرق الحبر عن كليته فلا ظلم أصلا فلا جبر قطعا لا صرفا ولا متوسطا إذ م مآل الجبر الظلم فلا يصح الجبر أصلا كما لا يصح الظلم .
قال رضي الله عنه : ( بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم وم علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم بما عليه ) في حال عدمهم فما كان اللّه ظالما للعبيد في هذه المعاملة ( فإن كان ظالما ) هذا مجرد تقدير وفرض لإلزام الخصم ( فهم الظالمون ) لأنفسهم لا الحق لاقتضاء أعيانهم الثابتة هذا الظلم وطلبته من اللّه فما فعل الحق بهم بظلم إلا ما فعلوا بأنفسهم من الظلم فما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ولذلك قالوَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فلما كانوا هم الظالمين.
قال رضي الله عنه : (وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ) فما طلب الحق منهم بما ليس في وسعهم إلا على حسب اقتضاء أعيانهم في حال عدمهم فكما أن م عاملناهم إلا بحسب ما أعطونا من نفوسهم من العلم بهم.
قال رضي الله عنه : ( كذلك ما قلنا ) والمراد من القول التكاليف الشرعية أي ما أمرنا ( لهم إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم وذاتن معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا و ) ومن أن ( لا نقول كذا ) فكما أعطى الحق لهم ما طلبت ذواتهم من الكفر أو الإيمان وغيره من الأحوال كذلك أعطى الحق لذاته تعالى ما اقتضت ذاته من القول كذا وعدم القول كذا.
قال رضي الله عنه : ( فما قلنا إلا ما علمنا ) من ذاتن ( أنا نقول قلنا القول منا ) أي الأمر التكليفي يدل على ذلك قوله : ( ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السماع منهم ) فإن عدم الامتثال لا يمكن في الأمر الإرادي .
(فالكل منا ومنهم ... والأخذ عنا وعنهم)
( فالكل ) أي القول والامتثال وعدم الامتثال ( منا ) أي من الحق من وجه.
قال رضي الله عنه : ( ومنهم ) أي من العبيد من وجه ( والأخذ ) أي التعذيب بمن لم يمتثل الأمر التكليفي ( عنا ) أي عن الحق ( وعنهم ) أي عن العبيد فهم كانوا من
( أن لم يكونوا منا فنحن لا شك نكون منهم )
تحقيقا للعبودية والربوبية فإذا إذا لم يكن الحق منهم على تقدير عدم كونهم من الحق لم يتحقق الربوبية والعبودية .

فكون الحق منهم محال بالضرورة فكانوا من الحق والحق ليس منهم وأما الأحوال التي بينهم وبين الحق فهي كلها منه ومنهم ويجوز أن يكون معناه فالكل أي إعطاء الكل منا ومنهم والأخذ أي أخذ الكل عنا وعنهم فكان الحق معطيا وآخذا والعبد معطيا وآخذا فهذا هو المعاملة بين الرب والعبد إن لم يكونوا يأخذون منا ما لم يعطونا أوّلا .
فنحن لا شك نأخذ عنهم ما لم أعطه قبله لهم وهو العلم فإن علمه بهم يأخذ عنهم ولم يعطه أوّلا ذلك العلم لهم لأن علمه تعالى تابع لمعلومه بخلاف العبد فإنه لا يمكن له أن يأخذ عن الحق ما لم يعطه للحق أوّل إلا الوجود بل الوجود أيضا فائض عليهم من اللّه تعالى على حسب طلبهم ولاشتمال هذ الفص على المسائل الكلية اللطيفة أوصى بالتحقيق.

قال : ( فتحقق يا وليّ هذه الحكمة الملكية من الكلمة اللوطية فإنها لباب المعرفة)
(فقد بان لك السر ... وقد اتضح الأمر)
(فقد بان) أي ظهر ( لك السرّ ) أي سرّ القدر . ( وقد اتضح الأمر ) الذي اشتبه على علماء الظاهر .
(وقد أدرج في الشفع ... الذي قيل هو الوتر)
( وقد أدرج في الشفع )أي في الخلق ( الذي ) قائم مقام الفاعل لأدرج ( قيل هو الوتر ) أي الحق كما أن الاثنين يحصل من الواحد كذلك الخلق يحصل من الحق .
فأدرج الحق في الخلق كما أدرج الواحد في الاثنين.
يعني أن تحققت الحكمة الملكية يظهر لك هذه المذكورات التي لا وسع لكل أحد أن يطلع عليها .
....

19A4wQC5k0E

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!