المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف
لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله
38. الباب الثامن والثلاثون: قَولهم في الفَقْر
قال أبو محمد الجريرى: الفقر: أن لا تطلب المعدوم حتى تفقد الموجود "، معناه: أن لا تطلب الأرزاق إلا عند خوف العجز عن القيام بالفرض.
قال ابن الجلاء: الفقر: أن لا يكون لك، فإذا كان لك لا يكون لك "؛ على معنى قوله تعالى {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
قال أبو محمد رويم بن محمد: الفقر: عدم كل موجود وترك كل مفقود ".
وقال الكناني: إذا صح الافتقار إلى الله، صح الغنى بالله؛ لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بالآخر ".
قال النوري: نعت الفقير: السكون عند العدم، والبذل والإيثار عند الوجود ".
وقال بعض الكبراء: الفقير: هو المحروم من الإرفاق، والمحروم من السؤال؛ لقوله عليه السلام : {لو أقسم على الله لأبره}، فدل أنه لا يقسم ". >
قال الدراج: فتشت كنف أستاذي أريد مكحلة، فوجدت فيه قطعة فضة، فتحيرت، فلما جاء قلت له: إني وجدت في كنفك قطعة؟! قال: قد رأيتها! ردها، ثم قال: خذها واشتر بها شيئا. فقلت له: ما كان أمر هذه القطعة بحق معبودك؟ قال: ما رزقني الله من الدنيا صفراء ولا بيضاء غيرها، فأردت أن أوصى أن تشد في كفني فأردها إلى الله عز وجل ".
سمعت أبا القاسم البغدادي يقول: سمعت الدوري يقول: كنا ليلة العيد مع أبي الحسن النوري في مسجد الشونيزي، فدخل علينا إنسان، فقال للنوري: أيها الشيخ، غدا العيد، ماذا أنت لابسه؟ فأنشأ يقول:
قالوا غداً العيد ماذا أنت لابسه؟ *** فقلت: خِلْعَة ساقٍ عَبدَه جُرَعا
فَقر وصبر هما ثوبايَ تحتهما *** قلب يرى ربَّه الأعيادَ والجمعا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب بها *** يوم التزاور في الثوب الذي خَلعا
الدهر لي مأتم إن غِبْتَ يا أملي *** والعيد ما دُمت لي مرأى ومستمعا
سئل بعض الكبراء: ما الذي منع الأغنياء عن العود بفضول ما عندهم على هذه الطائفة؟ فقال: ثلاثة أشياء: أحدها: أن الذي في أيديهم غير طيب، وهؤلاء خالصة الله، وما اصطنع إلى أهل الله فمقبول، ولا يقبل الله تعالى إلا الطيب. والثاني: أنهم مستحقون، فيحرم الآخرون بركة العود عليهم والثواب فيهم. والثالث: أنهم مرادون بالبلاء، فيمنعهم الحق عن العود عليهم ليتم مراده فيهم ". >
سمعت فارسا يقول: قلت لبعض الفقراء مرة - ورأيت عليه أثر الجوع والضر -: لم لا تسأل الناس فيطعموك؟ قال: أخاف أن أسألهم فيمنعوني، فلا يفلحوا؛ وقد بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو صدق السائل ما أفلح من منعه ".