موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

متناقضات زينون في ضوء رؤية ابن العربي للزمن

نشر هذا المقال في العدد الأول من مجلة الإمارات الثقافية التي يصدرها مركز سلطان بن زايد.

تنزيل المقالة بصيغة pdf

 

الخلاصة:

أراد زينون أن يدافع عن نظرية أستاذه بارمنيدس أنّ الوجود في أصله وجودٌ واحدٌ وثابتٌ وما عداه من الصور والمظاهر ليس له وجودٌ ذاتي حقيقي. من أجل ذلك حاول زينون، من خلال متناقضاته الفلسفية، نقض ظاهرة الحركة بشكل يتحدّى كلّ النظريّات العلمية والفلسفية ويتحدّى أيضاً فهمنا المباشر للواقع. بالطبع إنّ زينون لا ينفي الحركة برمّتها، ولكنّه يريد أن يقول إنّ مفهومنا التقليدي الساذج عن الحركة ينطوي على الكثير من المغالطات الأساسيّة التي يتوجَّب علينا حلُّها إذا كنَّا نريد أن نفهم حقيقة الوجود. زينون نفسه لم يشرح لنا بدقَّة مفهومه الخاص عن الحركة، على الأقل فيما وصل إلينا من تلك الفترة الغابرة، ولكنَّنا وجدنا أنّ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي يتَّفق معه ومع أستاذه بارمنيدس فيما يخصُّ مفهوم الوجود الواحد ومفهوم الحركة والتغيير.

إنَّ رؤية ابن العربي الفريدة للوجود والحركة، وما يتبعها من مفهوم ثوري جديد عن الزمان والمكان، يمكن أن تشكِّل أساساً لنظريَّة علمية فلسفية جديدة للكون تستطيع ترميم الكثير من الثغرات الموجودة في النظريات الحالية، خاصَّة وأنَّ ابن العربي، بتراثه الهائل من الكتب والرسائل، فصَّل لنا رؤيته البديعة للكون، وإن بشكلٍ مبدَّد ومرموز في أكثر الأحيان، مما يحتاج منَّا للكثير من الدراسة والتحليل.

 

مقدمة:

إنَّ ظاهرة الحركة، كنتيجة مباشرة لقانون السببيّة، هي المحرِّك الرئيسي وراء كلّ نظريّات الفيزياء، منذ ما قبل سقراط وحتى نظريّة نيوتن للجاذبيّة إلى آخر نظريّات النسبيّة وميكانيكا الكمّ والجاذبيّة الكمّيّة. ولكنَّ العديد من الفلاسفة شكّكوا في هذه الظاهرة نفسها، على الرغم من تجاربنا اليومية التي لا يمكن أن تخلو من الحركة في كلِّ حين. وقد لا يكون من سبيل المصادفة أن نكتشف أنّ هؤلاء الفلاسفة لهم نظريّات مماثلة لرؤية ابن العربي للكون وبنيته، وما نُسب إليه من قوله بوحدة الوجود. وبشكل خاص كان الفيلسوف بارمنيدس، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، يؤكّد أنّ الوجود في أصله وجودٌ واحدٌ وثابتٌ وما عداه من الصور والمظاهر ليس له وجودٌ ذاتي حقيقي. ثم جاء بعده تلميذه الشهير زينون، الذي أسَّس علم الجدل الفلسفي وألَّف عدداً من المتناقضات المنطقيّة التي يحاول فيها نفي الكثرة والتغيُّر والحركة.

إنّ متناقضات زينون تتحدّى حقيقةً كلّ النظريّات العلمية التي أثبتت نجاحه العملي على نطاق واسع، وتتحدّى أيضاً جميع تجاربنا اليوميّة وفهمنا المباشر للواقع. لهذا السبب، اعتُبرت هذه المتناقضات في أغلب الأحيان سفسطة وهراءً فلسفيّاً، مع أنَّ أحداً لم يقدر على دحضها بشكلٍ جدِّي حتى الآن. ولكنّ العديد من الفلاسفة والعلماء، من جهة أخرى، أخذوا هذه المتناقضات على محمل الجدّ وكانت هناك بعض المحاولات للتخلّص منها عن طريق تطوير علم الرياضيّات، وخاصّة علم النهايات والسلاسل المتقاربة والمجموعات، والتي يمكن أن تتحدَّث الآن عن الحدود واللانهاية بدون الوصول إلى أيّ تناقض رياضي.

لكنَّ بعض الفلاسفة، مثل بيرتراند رسّل، لا يزالون يعتقدون بصعوبة المسألة، خاصّة مع ظهور تجارب حديثة في الفيزياء الذرّية وظهور متناقضات مماثلة ومحيّرة مثل ما يُعرف الآن بمفعول زينون الكمّي.[1] ولقد ظهرت في الفترة الأخيرة بعض الأبحاث العلمية التي تحاول، دون نجاح فعلي، تغيير مفهومنا التقليدي عن الحركة، حتى تتغلَّب على هذه المتناقضات.[2]

بالطبع إنّ زينون، وكذلك ابن العربي، لا يحاول نفي الحركة برمّتها، لأنّ ذلك أمرٌ واقعيٌّ مشهود لنا بشكل يومي، ولكنّه يريد أن يقول إنّ مفهومنا التقليدي الساذج عن الحركة ينطوي على الكثير من المغالطات الأساسيّة التي يتوجَّب علين حلُّها إذا كنَّا نريد أن نفهم حقيقة الوجود. زينون نفسه لم يشرح لنا بدقَّة مفهومه الخاص عن الحركة، على الأقل فيما وصل إلينا من تلك الفترة الغابرة، ولكنَّنا وجدن أنّ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي يتَّفق معه ومع أستاذه بارمنيدس فيما يخصُّ مفهوم الوجود الواحد ومفهوم الحركة والتغيير، وقد ترك لنا المئات من الكتب والرسائل التي فصَّل لنا فيها رؤيته البديعة للوجود.

إنَّ هذه الرؤية الجديدة للحركة، وما يتبعها من مفهوم ثوري جديد عن الزمان والمكان، يمكن أن تشكِّل أساساً لنظريَّة علمية فلسفية جديدة للكون تستطيع ترميم الكثير من الثغرات الموجودة في النظريات الحالية، ولقد ناقشنا هذا الموضوع بشكل مستفيض في كتاب " أيَّامُ الله: مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام".[3] خاصَّة وأنَّ ابن العربي، بتراثه الهائل من الكتب والرسائل، فصَّل لنا رؤيته البديعة للكون، وإن بشكلٍ مبدَّد ومرموز في أكثر الأحيان، مما يحتاج منَّا للكثير من الدراسة والتحليل.

 

متناقضات زينون:

يُعدّ زينون الإيلى (490 ق.م. ï؟½ 430 ق.م)[4] مؤسس المدرسة الرواقية التي قامت على تأكيد الخير والسلام الفكري الناتج عن حياة الفضيلة، وهو أيضاً مؤسس علم الجدل الفلسفي الذي برع فيه أفلاطون وكانط وهيجل، وهو من أنصار بارمنيدس في أنَّ عالم الحس وهمٌ باطلٌ وأنَّ الوجود واحد لا يقبل التجزئة، وقد أوحت أفكاره لإيمانويل كانط بفكرة إنكار حقيقة الزمان والمكان وأنهم حيلة يستخدمها العقل لإدراك الواقع والتعبير عن المحسوسات. وكذلك كان للمتناقضات التي قدَّمها زينون الفضل في تطوير علم الرياضيات وظهور علم النهايات (التفاضل والتكامل) على يد ليبنتز ونيوتن.

لكي يدافع زينون عن مذهب أستاذه بارمنيدس حول مفهوم الوجود الواحد الثابت، استعمل الجدل والمنطق في وضع أربعين متناقضة منطيقة تبرهن أن القول بالكثرة والتغيُّر والحركة لابدَّ أن يفضي إلى التناقض، غير أن كتاب زينون الذي يشرح فيه هذه المتناقضات قد فُقد ولم يصل إلينا منها سوى أربع متناقضات نقلها إلينا أرسطو في كتاب الفيزياء.[5]

المتناقضة الأولى هي متناقضة التنصيف، وتقول إنّ الجسم الذي يتحرّك بين نقطتين "أ" و"ب" يجب أن يصل أولاً إلى منتصف المسافة بينهما "ج"، قبل أن يصل إلى النهاية "ب". وكذلك لكي يصل إلى النقطة "ج" يجب أن يصل إلى منتصف المسافة بين "أ" و"ج"، وهكذا إلى ما لا نهاية له من التنصيف. فإذا فرضنا أنّ المسافة بين "أ" و"ب" تساوي الواحد فيجب أن يكون هذا الواحد يساوي: نصف + ربع + ثمن + ... إلخ. ولكن من الناحية الرياضيّة فإنّ هذا المجموع يساوي الواحد فقط بعد عددٍ لا نهائيٍّ من التقسيم والإضافات، وبالتالي هو عملياً يقترب من الواحد ولا يساويه أبداً، لأنَّ اللامتناهي لا يدخل في الوجود؛ أي إنّ الجسم لا يمكن أن يصل إلى غايته إلا بعد عدد لا نهائيٍّ من الحركات، وهذا غير ممكن. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ محاولة تنفيذ هذه العملية الرياضية بشكل عكسي تعني أنّ الحركة لن تبدأ أصلاً، لأنّه قبل أن يصل الجسم إلى نصف الطريق يجب أن يصل إلى الربع، وقبل أن يصل إلى الربع، يجب أن يصل إلى الثمن، وهكذ بشكل لا نهائي!

والمتناقضة الثانية هي متناقضة العدَّاء والسلحفاة، وفيها يقول زينون إنَّ البطل الإغريقي أخيل،[6] هو لا شكَّ أسرع بكثير من السلحفاة، إلاّ أنّه لن يستطيع أن يسبقها إذا ما بدأت بالحركة قبله بمسافة صغيرة! فلو فرضنا أنّ أخيل يسير بسرعة عشرة أمتار بالثّانية، والسلحفاة بسرعة متر واحد بالثّانية، وأنّه عندما بدأ السباق كانت السلحفاة أمامه بعشرة أمتار. فبعد ثانية واحدة سيصل أخيل إلى النقطة التي كانت بها السلحفاة حينم بدأ السباق، لكنَّ السلحفاة تكون قد تحرّكت متراً واحداً إلى الأمام في هذه الثانية. وعندما يقطع أخيل هذا المتر تكون السلحفاة قد تقدّمت عُشر هذه المسافة، وهكذا إلى ما لا نهاية له. وبهذا الشكل فإنّ أخيل لا يمكنه أبداً أن يسبق السلحفاة!

بالطبع إنّ أخيل في النهاية يسبق السلحفاة وكذلك فإن الجسم يتحرّك من "أ" إلى "ب"، ولكن من الواضح أنّ تصوّرنا للحركة وآليّة حدوثها يسببّ تناقضاً منطقياً ورياضياً؛ فلا شكّ أنّ هناك حركة ولكنّ فهمنا لآليَّتها لا يبدو صحيحاً.

يستند زينون في هاتين المتناقضتين أعلاه إلى حقيقة أنّ الكميّات المتّصلة، كالمسافة والزمان، قابلة للقسمة بشكل لا نهائي. والحلّ الوحيد للخروج من هذ التناقض هنا هو أن نفرض أنّ المسافة والزمان كمّيّتان منفصلتان، بمعنى أنّه يوجد حدّ أدنى للقسمة لا نستطيع بعده تقسيمهما إلى وحدات أصغر. ولكنّ المتناقضتان الأخريتان تؤدّيان إلى تناقض فقط إذا اعتبرنا المكان والزّمان كمّيّات منفصلة!

ففي المتناقضة الثالثة، وهي متناقضة السهم، يقول زينون إنّنا لو درسنا حركة السهم أثناء طيرانه في الفضاء، الذي نفرضه كمّيّة منفصلة، فإنّنا نجد أنّه لابدَّ أن يحتلّ مواقع محدّدة بين نقطة انطلاقه ونقطة وصوله؛ هذا ما يعنيه فرْضنا أنّ المكان كمّيّة منفصلة. لكنَّ وجود السهم في نقطة محدّدة يعني أنّ سرعته فيها تساوي الصفر. أي إنَّ سرعة السهم تساوي الصفر في كل نقطة يوجد فيها على طول مساره، فكيف تكون السرعة النهائيّة للسهم الذي يصل إلى هدفه لا تساوي الصفر وهي عبارة عن مجموع سرعات كلٌّ منها يساوي الصفر! ولو فرضنا أنّ السهم يتحرّك بين هذه النقاط لما كان المكان والزّمان كمّيّات منفصلة.

أمّا المتناقضة الرابعة فهي أكثر تعقيداً ممّا شرحناه ولكنّها تؤدّي إلى نفس نتيجة متناقضة السهم أنّ المكان والزّمان لا يمكن أن يكونا كمّيّات منفصلة. فلو تصورنا ثلاث قطع متساوية وطول كل منها أربع وحدات مسافة، ووضعناها بشكل متواز، وثبَّتنا قطعة واحدة، وحركنا الاثنتان الباقيتان باتجاهين متعاكسين إلى أن تصبح القطع الثلاث على صف واحد، فهذا يعني أنَّ القطعة المثبَّتة قد مرت بوحدتين من القطعة الثانية وكذلك مرت بوحدتين من القطعة الثالثة، في حين إنَّ القطعة الثانية مرت بأربع وحدات من القطعة الثالثة، وكذلك القطعة الثالثة مرت بأربع وحدات من القطعة الثانية، فى نفس الزمن، وهذا يتناقض مع كون الجسمين المتساوين في السرعة يجب أن يقطعا نفس المسافة فى مدة واحدة.

لكي يخرج أرسطو من هذه المتناقضات قال إنَّ المسافات المحدودة من المكان أو الفترات المحدودة من الزمان يمكن تقسيمها إلى ما لانهاية، وبالتالي يمكن للعدَّاء أن يصل إلى نهاية السباق لأنَّ المسافة المحدودة تتطلب فترة محدودة لقطعها. وكذلك فإنَّ السهم سيطير بالتأكيد لأننا يمكن أن نقسم المدة الزمنية بين اللحظتين اللتين يكون السهم فيهما ساكناً إلى عدد لانهائي من الفترات الصغيرة، وبالتالي سنحصل على تواصل واستمرار من لحظة إلى أخرى مما يبيِّن الحركة الاستمرارية للسهم. وعلى الرغم من أنَّ فرضيات أرسطو كانت متناقضة ولكنَّها برَّرت حدوث الحركة من خلال التقسيم اللانهائي للمسافات والأزمنة المحدودة التي يكون فيها الجسم ساكناً. ولكنَّ ميكاني الكمِّ، الذي تطوَّر في القرن الماضي، أكَّد من خلال مبدأ الارتياب لهايزنبرغ أنَّ الجسم لا يمكن أن يشغل موضعاً محدداً ويكون في نفس الوقت متحركاً.

إنَّ هذه المتناقضات الأربع التي اخترعها زينون أدَّت إلى اختلافات جذرية بين مختلف المدارس الفلسفية في مفهومها عن الزمان والمكان والحركة، وهذا ما أدّى بالفيلسوف الشهير كانط للزعم بأن المكان والزمان ليس لهما حقيقة وجودية خارجية، بل هما أمر نفسي يفرضه العقل حتى يدرك الأشياء الخارجية، وذلك بعكس مفهوم نيوتن الذي يفرض أنَّ المكان والزمان يمتدان بشكل مستقل عن الأشياء.

 

الانفصال والاتصال:

ليس هناك أدنى شكّ أنّ زينون أثار مشكلة عميقة حول مفهومنا الشائع عن الحركة، ورغم قرونٍ طويلةٍ من الجهود لمحاولة حلّ هذه المتناقضات، لا نزال نفتقر إلى حلٍّ مقنعٍ حقاً. فكما يقول فرانكل إنّ العقل الإنساني، عندما يفكّر في حقيقة الحركة، يجد نفسه أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، وكلاهما حتمي، لكنّهما في نفس الوقت متعارضان؛ فإمّا أن نعتبر الحركة تدفّقاً مستمرّاً وبالتالي يكون مستحيلاً علينا أن نتخيّل الجسم في أيّ موقع معيّن، أو أنّنا نعتبر أنّ الجسم يحتل مواقع محدّدة خلال مسار حركته؛ وبينما نحن نثبّت فكرنا على ذلك الموقع المعيّن لا نستطيع إلاّ أن نثبّت الجسم نفسه ونعتبره ساكناً للحظة قصيرة واحدة في ذلك المكان.[7]

وهذه في الحقيقة هي المعضلة الأساسية في الفيزياء والتي قد نتجاهلها أحياناً لكنّها لا تلبث أن تظهر من جديد في بعض أشكال المتناقضات التي تقضّ مضجع الفيزيائيين النظريين: أي هل الزّمان والمكان كميّات منفصلة أم متّصلة؟ فالمشكلة أنّه ليس هناك خيار آخر حتى الآن وكلاهما في النهاية يؤدّي إلى تناقض. لقد ظهرت هذه المشكلة مثلاً في النقاش التاريخي الطويل حول طبيعة الضوء فيما إذا كان جسيمات أو موجات، ولكن بعد نجاح النظريّة الموجية في القرن التاسع عشر، بدا وكأنّ نظريّة الكمّ المتّصل قد ربحت. ولكن في عام 1899، عندما حلّ ماكس بلانك مشكلة إشعاع الجسم الأسود[8] بأن فرض أنّ الذرّات يمكن أن تمتصّ أو تبعث الطاقة فقط بكميّات منفصلة، عندئذٍ بدء عهد النظريّة الكمّية للمادّة، رغم إنّها لا تزال تعتبر الزّمان والمكان متّصلان. بعد ذلك استعمل نيلز بوهر مفهوم الكمِّ لبناء النموذج الأوّل الناجح للذرّة، وكذلك استطاع آينشتاين أن يفسّر المفعول الكهروضوئي فقط بتبنّي الطبيعة الكمّية للضوء. ولكنّ نظريّة الكمّ ما زالت عاجزة عن تفسير الحركة والتغيّر، حيث يبدو أنّ النظريّة النسبيّة، المتّصلة، أكثر نجاحاً.

فالعقل الإنساني تعوّد على تصنيف الكمّيّات إمّا قابلة للعدّ أو غير قابلة للعدّ، أي إمّا منفصلة أو متّصلة؛ فهذا أمرٌ حتميٌّ وليس هناك طريق آخر لفهم الواقع المفعم بالأجسام المتعدِّدة الكثيرة التي تتفاعل مع بعضها البعض، إلا إذا أعدن النظر بالتعدّد والكثرة التي نراها في الظاهر!

رؤية ابن العربي:

يُعدّ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي (560/1165-638/1240) أحد أبرز العلماء في التاريخ الإسلامي، خاصةً فيما يتعلق بالتصوف والفكر الإسلامي والعلوم الإلهية. وفي العصر الحديث بدأ الاهتمام به وبعلومه يزداد بشكلٍ كبيرٍ، وقد تُرجم العديد من كتبه إلى اللغات الأجنبية وتوجد بعض المجلات العلمية المتخصصة في نشر الأبحاث التي تتعلَّق به، ومع ذلك فهو في الحقيقة لم يحظَ بالاهتمام اللائق به، في حين إنّ غيره من المفكرين المسلمين قد دُرسوا بالتفصيل على العديد من المستويات الأكاديمية والثقافية. وربما يعود السبب في ذلك إلى صعوبة دراسة الشيخ محي الدين والأسلوب الرمزيّ الذي يتّبعه في معظم كتبه بالإضافة إلى تعقيد الموضوعات التي يناقشه وصعوبة فهمها كونها في كثير من الأحيان تخالف الواقع الملموس.[9]

إنَّ رؤية ابن العربي للكون لا يمكن فهمها إلا على أساس ما يُسمّى بنظرية وحدة الوجود، لأنها المفتاح الأساسي لفهم رؤيته للوجود وما يحويه من أجسام وأرواح والظواهر التي تتعلق بها كالحركة والزمان والمكان. وعلى الرغم من أنّه لم يسبق له أن استخدم هذا التعبير المشهور مباشرة، إلا أنّ مفهوم وحدة الوجود يسيطر على كتاباته بقوّة؛ فهو يشرح كلَّ شيء تقريباً اعتماداً على هذه النظرية، ولكن ليس بمفهومها البسيط الشائع أنَّ الله والوجود شيء واحد. وبشكل خاصّ فإنّ بنية العالَم وأصله وعلاقته بالخالق سبحانه وتعالى لا يمكن فهمها وفق ابن العربي إلا على أساس نوعٍ من وحدانية، أو بالأحرى أحديّة، الوجود، بمعنى أنَّ الوجود الحقيقي المخلوق واحدٌ في ذاته، متعدِّدٌ في صوره ومظاهره، وهو موجود بالله الواحد الأحد، وليس معه، إذ لو كان معه لكان مستقلاً عنه، وهذا لا يجوز. وبهذا الشكل فإنَّ ابن العربي ل يُنكر أبداً الفرق بين الخالق والخلق، ولا يناقضُ أسس العقيدة الإسلامية والشريعة بأحكامها المختلفة، فهو يعتمد على هذا المفهوم من أجل فهم الكون وأصله وعلاقته بالخالق سبحانه وتعالى، ولكنّه لا يزال يقبل التعدّد والكثرة الملحوظة على شتى المستويات الظاهرية، وإنّما هو يقول إنّ هذه الكثرة ليس لها وجود حقيقي مستقلّ، بل هي تستمدُّ حقيقتها من حقيقة الحقِّ، فهي مفتقرة إليه في كلِّ حين، وهو غنيٌّ عن العالمين.

يقول ابن العربي في كتاب كشف الستر:[10]

إنّما الكونُ خيالٌ
والذي يُدرك هذ

 

وهو حقٌّ في الحقيقة
حاز أسرار الطريقة

ولكي يشرح ابن العربي هذه المسألة العويصة يمثِّل الوجود بدائرة ويقول إنّ العالَم موجود ما بين المحيط والنقطة التي في المركز، والتي تقابل كلَّ نقطة من نقاط المحيط بكامل ذاتها من غير تركيب.[11] فالنقطة هنا تشير إلى الحقيقة الوجودية الموجودة بالحقِّ، فهي صورة الحقِّ الواجب الوجود لنفسه، وهي واجبة الوجود به، بينما محيط الدائرة هو مجموع المخلوقات، وهي صور وأعراض هذه الحقيقة الوجودية، فوجودها ليس واجباً بل هو وجود إمكان. وأمّا م هو بعد هذا المحيط فهو بحر العدم أو الباطل (المستحيل الوجود). والشكل التالي يوضّح هذا التقسيم الذي يعتمد عليه ابن العربي كثيراً، وهو مأخوذ ببعض التصرّف من الباب 360 من الفتوحات المكية.[12]

 

 

 

 

 

 

 


(العلاقة بين الحق والخلق والباطل، أو واجب الوجود وممكن الوجود ومستحيل الوجود.)

ثم يوضّح ابن العربي في الباب 47 من الفتوحات المكية أنّ كلّ خطٍّ يخرج من النقطة المركزيّة إلى المحيط مساوٍ لصاحبه وينتهي إلى نقطة من المحيط، والنقطة في ذاتها ما تعدّدت ولا تزيّدت مع كثرة الخطوط الخارجة منها إلى المحيط، فهي تقابل كلَّ نقطة من المحيط بذاتها؛ إذ لو كان ما تقابل به نقطةً من المحيط غير ما تقابل به نقطةً أخرى لانقسمت ولم يصحّ أن تكون واحدة. وبهذا الشكل تظهر الكثرة عن الواحد وهو لم يتكثّر في ذاته، مما ينافي قول الفلاسفة إنّه لا يصدر عن الواحد إلا واحد.[13]

هذه المقولة الفلسفيّة الأخيرة تنطلق من الفلسفة الأفلوطينية الجديدة، التي تعتمد على نظريّة الفيض، وهي مقبولة على مستوى واسع خاصّة بين أتباع مدرسة ابن سين الفلسفية، كونها نتيجة عقلية منطقية لا يمكن تصوُّر خلافها؛ لأنّ العقل لا يمكن أن يربط بين وحدانيّة الحقِّ وكثرة الخلق من غير تخيّل نوع من تعدُّد الوجوه لكي يقابل كلَّ فرد من الكثرة الموجودة في الخلق بوجهٍ غير الذي يقابل به الأفراد الآخرين، فتعدّد الوجوه بهذا الشكل يتناقض مع صفة الأحدية والتي تعني أنّ الله سبحانه وتعالى واحدٌ لا يتكثّر وأحدٌ لا يتجزّأ.

لكنّ ابن العربي يوضِّح أنَّ هذه المقولة الفلسفية المذكورة أعلاه تصحّ بالنسبة للكائنات والأجسام الطبيعيّة، لكنّها ليست صحيحة فيما يخصّ جناب الحقّ الواحد الأحد.[14] فلا يصدر عن الواحد أبداً في قضيّة العقل إلا واحد، إلا أحديّة الحقّ فإنّ الكثرة تصدر عنها لأنّ أحديّته خارجة عن حكم العقل وطوره؛ كيف يدخل تحت الحكم مَن خَلق الحكم والحاكم، أي كيف يحكم منطق العقل على حضرة الله سبحانه وتعالى وهو الذي خلق العقل والمنطق، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.[15]

ولكي يفسِّر ابن العربي كيفيَّة ظهور الكثرة عن الحقِّ الواحد الأحد يقوم بتعديل هذه المقولة عن طريق إدخال عامل الزّمن بطريقة بديعة, فيقول إنَّ الله مع كلّ شيء، فلا يتقدّمه شيء ولا يتأخّر عنه شيء، وليس هذا الحكم لغير الله، ولهذا فإنَّ لله إلى كلِّ موجودٍ وجهٌ خاصّ، لأنّه سبب كلِّ موجود؛ وكلُّ موجود واحد لا يصح أن يكون اثنين، وهو واحد؛ فما صدر عنه إلا واحد، فإنّه في أحديّة كلّ واحد، وإن وُجدت الكثرة فبالنظر إلى أحديّة الزّمان الذي هو الظرف، فإنَّ وجود الحق في هذه الكثرة في أحديّة كلِّ واحد. ثمَّ يقول ابن العربي إنَّ هذه المسألة لا يدركها إلا أهل الله[16] في حين إنَّ الحكماء، أي الفلاسفة، أخطأوا بقولهم غير ذلك،[17] مما أدّى بهم إلى نظريَّة الفيض التي تؤدي بدورها إلى نوع من الإشراك أو التثليث.

فالله سبحانه وتعالى، الذي أبدع الوجود وخلقه عن عدمٍ،[18] له وجه خاص بينه وبين كلِّ فرد من أفراد الوجود يحفظ عليه وجوده؛ فلو أعرض الله عن هذا المخلوق لحظة واحدةً فَنِيَ من الوجود دفعة واحدة تلقائياً.[19] ولِكي نحلّ مشكلة العلاقة بين وحدة الحقّ وكثرة الخلق، من غير تصوُّر كثرة أو تركيب، يقول ابن العربي إنّ هذه العلاقة بين ذات الحقّ الواحد الأحد وأعيان الخلق الكثيرة لا تحدث في نفس الوقت، بل في أيّ لحظة واحدة هناك في الواقع علاقة واحدة بين الحق وواحدٍ فقط من أعيان الموجودات في العالَم. ولكن ماذا يحدث في هذه اللحظة المعيّنة بالموجودات الأخرى في العالَم، حيث إنّ وجودهم منوط بهذه العلاقة الفريدة بينهم وبين خالقهم الواحد الأحد؟ إنّ الجواب على هذا السؤال المشروع هو أنَّهم يزولون من الوجود فعليّاً، ثمَّ يعيد الله خلقهم من جديد مراراً وتكراراً في كلِّ يوم من الأيّام الأصلية (أي في كلّ لحظة)، كما وضَّحنا في كتاب أيام الله.[20]

فلِكي يوفّق إذاً بين وحدانية الحقّ وكثرة الخلق، يضيف ابن العربي الزّمن إلى المقولة الفلسفية السابقة التي يمكن إعادة صياغتها لتصبح: لا يصدر عن الواحد إلاّ واحد في كلّ وقت. إنّ هذه الصياغة الجديدة هي في الحقيقة المفتاح الأساسي لفهم رؤية ابن العربي الفريدة للزمن ووحدة الوجود وحلّ لغز العلاقة بين وحدة الحقّ وكثرة الخلق؛ وبهذه الطريقة فإنّ الله تعالى يخلق العالَم بشكل متسلسل وليس دفعة واحدة.[21] ولكنّ ابن العربي يعود ويؤكّد أنّ هذا النمط المعيّن للخلق لم يُفرض على الله سبحانه وتعالى بل هو اختاره ليكون هكذا، ولكن كونه سبحانه اختار أن يخلق العالَم بهذا الشكل المرتّب وفق الأسباب والمسبّبات أصبح لدينا من ضمن المنطق العقلي الطبيعي، في العالم الذي نعيش فيه،[22] أن نقول ما قلنا أنّه لا يصدر عن الواحد إلاّ واحد، لكن لو شاء الله أن يصدر عنه العالَم كلّه دفعة واحدة من غير ترتيب زماني ولا مكاني ولا سببيّ لفعل ذلك، ولكنّه شاء غير هذا وحصل ما شاء.[23]

في الحقيقة إنّ معنى هذا المبدأ أو هذه المقولة، بعد تعديلها وإدخال مفهوم الزمن عليها، مشتقّ مباشرة من الآية المشهورة في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه وتعالى في سورة الرَّحمن: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [29])، أي إنَّ الله سبحانه وتعالى يخلق شأناً واحداً كلَّ آنٍ، والآنُ هو الزمن الفرد وهو يوم الشأن الذي ل يتجزّأ، كما بيَّناه بمزيد من التفصيل في كتاب أيام الله.

ولكي نلخّص رؤية ابن العربي البديعة للوجود، حتى نطبِّقها على فهم متناقضات زينون، نقول: إنَّ الحقَّ سبحانه وتعالى، الواحد الأحد الباطن الذي لا تدركه العقول، خلق جوهراً فرداً واحداً، وهو الذي يتّصف بالوجود الظاهر الحقيقي في أيّ وقت، وهو يظهر في صور وأعراض العالَم المختلفة؛ صورةً واحدة في كلِّ وقت أو في كلِّ يومٍ من أيَّام الله، وهي الأيّام الأصلية (أيّام الشأن)، ثمَّ يظهر بصورة أخرى، وهكذا فإنّ الكون هو عبارة عن مجموع الصور المتعاقبة التي يظهر بها هذا الجوهر عبر الزّمان والمكان، فالجوهر واحد والمظاهر متعدِّدة وكثيرة، وهذه الأعراض أو الصور التي يظهر بها الجوهر الفرد لا يمكن أن تبقى بعد زمان وجودها بل تفنى تلقائياً، ثم يُعاد خلقها ثانيةً بصورة مختلفة، مما يُظهر الحركة التي تترتَّب في الزمان والمكان. كما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [19])، والكلام هنا عن الحياة الدنيا كما هو واضح من استخدام الأفعال المضارعة، وكذلك يقول سبحانه وتعالى في سورة ق: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [15])، أي إنَّ خلق السماوات والأرض لم يُتعب الله سبحانه وتعالى بل هو يخلق الخلق من جديد في كلِّ آن ولكنَّ ذلك ملبوس على الناس لأنهم محجوبون بحكم العادة التي توهم استمرار الوجود وكثرته.

وإذا كان الأمر كذلك، أصبح الآن الخروج من متناقضات زينون، والتوفيق بين الوحدة والكثرة، وبين ظاهرية الحركة واستحالتها في الحقيقة، أمراً سهلاً. فإنَّ تجديد الخلق يعني أنَّ الله سبحانه وتعالى يعيد خلق الأجسام في أماكنها الجديدة بشكل مستمرّ، ممّا يوهمنا بحصول الحركة؛ تماماً كما يحصل على شاشة التلفزيون أو الحاسوب؛ فنحن لا نشكّ مطلقاً أنّه ليس هناك أيّ جسمٍ حقيقي يتحرّك بشكل فعليٍّ على الشاشة، ولكنّ تعاقب الصور يوهمنا بالحركة. ولقد صرّح ابن العربي بوضوحٍ أنّ الجسم الذي نراه يتحرّك لا ينتقل في الحقيقة، وإنّما يُعاد خلقه في كلِّ آن في الأماكن المختلفة بين نقطة بداية الحركة ونقطة نهايتها.[24] وأكثر من ذلك يتساءل ابن العربي في كتاب الدرَّة البيضاء كيف أنّ عامّة الناس (ناهيك عن الفلاسفة والفيزيائيين) لا يُدركونَ وَهْمَ الحركةِ والمكان، وذلك أنّ كُلّ شيءٍ عندما يتحرّك لا يتحرّك إلى ملاء بل لابدّ إن يتحرَّك إلى خلاء؛ أي إن الشيء لا يمكن أن يملأ مكاناً جديداً قبل أن يخلو له هذا المكان. فلو أعملنا قليلاً من المنطق هنا لوجدنا أنّ نتيجة الحركة تسبقها وهذا لا يجوز، فكيف يتفرّغ المكان بسبب الحركة قبل هذه الحركة![25] فإذاً لابدّ أنّ هناك خللاً حقيقياً هو الذي منع العلم الحديث من الوصول إلى الحقيقة وحلّ التناقضات التي خلص إليها رغم أنه نجح بشكل رائع على المستوى التطبيقي والعملي.

 



[1] انظر في:

B. Misra, E. Sudarshan, ï؟½The Zeno's Paradox in Quantum Theoryï؟½, Journal of Mathematical Physics 18, 756 (1977).

[2] انظر في:

Lynds, P. Time and Classical and Quantum Mechanics: Indeterminacy vs. Discontinuity. Foundations of Physics Letters, 15(3), (2003).

[3] نشر هذا الكتاب سنة 2008 باللغة الإنكليزية: (Mohamed Haj Yousef, Ibn Arabi: Time and Cosmology, Routledge-London, New York : 2008) وقد تمَّ مؤخراً ترجمته إلى اللغة التركية عن طريق دار (Nefes). ولقد قمت كذلك بإعادة صياغة هذا الكتاب باللغة العربية تحت عنوان: (" أيَّامُï؟½ الله: مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام) ولكنه لم ينشر بعد.

[4] هذا التاريخ تقريبي، لأننا لا نعرف الكثير عن حياة زينون وأستاذه بارمنيدس، إلا من خلال كلام بلاتو الذي وصف لنا زيارتهما إلى أثين عندما كان أستاذه في الخامسة والستين من عمره وكان وقتها سقراط (469 ق.م. ï؟½ 399 ق.م) لا يزال شاباً.

[5] انظر في:

T. L. Heath, A History of Greek Mathematics From Thales to Euclid (Dover Publications, 1981), pp. 273-83.

[6] أخيل (Achilles) هو البطل الإغريقي في إلياذة هومر الشهير.

[7] راجع: H. Frankel, ï؟½Zeno of Elea's Attacks on Pluralityï؟½, Amer. J. Philology 63 (1942), pp. 1-25, 193-206.

[8] مشكلة الجسم الأسود نتجت من ملاحظة أنّ بعض المواد (وخاصة الأجسام السوداء) يمكن أن تمتصّ جميع الترددات أو أطوال الموجات الضوئية، لذلك فعندما نسخّنها يجب أن تشعّ أيضاً جميع الترددات الضوئية على حد سواء على الأقل نظرياً. ولكنّ التردّدات وأطوال أمواج الضوء الذي تشعّه هذه الأجسام لم يكن متوافقاً أبداً مع هذه التنبؤات للفيزياء الكلاسيكية.

[9] للمزيد عن سيرة الشيخ الأكبر راجع كتاب شمس المغرب: سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه، محمد حاج يوسف، دار فصِّلت-حلب، 2006.

[10] كشف الستر لأهل السرّ، مطبوع ضمن مجموعة رسائل ابن العربي، تحقيق قاسم محمد عباس، دار أزمنة، عمّان، 2004: ص73، وانظر كذلك في فصوص الحكم، تحقيق أبو العلا عفيفي، القاهرة، 1946: ص157.

[11] الفتوحات المكية [الفتوحات المكية في معرفة الأسرار الملكية والمالكية]، قامت بطباعتها دار الكتب العربية الكبرى بمصر (بمطبعة مصطفى الحلبى وأخويه، وهي مطبعة الميمنية) سنة 1329 هـ، وقد تم إعادة طباعتها في دور نشر عديدة منها دار صادر ودار الكتب العلمية ببيروت: ج1ص154س22.

[12] الفتوحات المكية: ج3ص275.

[13] يقتبس ابن العربي هذا التعبير الفلسفي كثيراً في كتبه وخاصّة في الفتوحات المكّيّة وهو ينسبه إلى الحكيم (الفتوحات المكّيّة: ج2ص458س20)، مع إنّه ليس من الواضح تماماً من المقصود بالحكيم فهو قد يعني الفيلسوف عموماً وقد يشير إلى بطليموس خصوصاً الذي تنسب إليه مثل هذه الرؤية والتي يبدو أنّ ابن سينا نقلها عنه. انظر في: H.A. Davidson, Alfarabi, Avicenna and Averroes: Their Cosmology, Theories of the Active Intellect, and Theories of the Human Intellect. New York, Oxford University Press, 1992.

[14] الفتوحات المكية: ج1ص42س14، ج1ص260س5، ج2ص31س14، ج1ص260س5، ج1ص715س12، ج2ص434س20. وانظر أيضاً في كتاب الدرّة البيضاء: ص140.

[15] الفتوحات المكية: ج2ص31س11.

[16] يستعمل ابن العربي هذا التعبير "أهل الله" للدلالة على أوليائه المحقّقين، وقد وردت في بعض الأحاديث عبارة "أهل القرآن" (كنز العمّال: حديث رقم 2277، 4038، 2342، 2279، 2278). راجع أيضاً الفتوحات المكية: ج2ص299س18، ج1ص352س27، ج1ص372س14، ج1ص510س12، ج3ص103س34، ج3ص121س35.

[17] الفتوحات المكية: ج2ص434س18.

[18] الخلق عن عدم يعني أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وكوَّنه بعد أن لم يكن، وهذا غير القول بالخلق "من عدم" المرفوض عقلياً لأنّ العدم أمرٌ سلبي لا يمكن أن يتكوَّن منه شيء، فالعدم ليس له وجود فلا يمكن أن يصدر عنه شيء.

[19] الدرّة البيضاء (ضمن مجموعة رسائل ابن عربي، مؤسسة الانتشار-بيروت، 2002-2004.): 133.

[20] الفتوحات المكية: ج2ص385س4.

[21] الدرّة البيضاء: 139.

[22] هذا ويوضِّح ابن العربي أنَّ هذا المنطق العقلي الطبيعي الذي فطرنا الله عليه في هذا العالم يمكن خرقه في عوالم أخرى يتحدَّث عنه ابن العربي في الباب الثامن من الفتوحات المكية، وهي ما يسميه بأرض الحقيقة التي يحدث فيها كثير من المحالات العقلية التي قام الدليل الصحيح العقلي على إحالتها.

[23] الدرة البيضاء: ص139.

[24] الفتوحات المكية: ج2ص457س31.

[25] رسالة الدرّة البيضاء: ص142.