كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
تماشيا مع الفتوحات الإسلامية هاجر الكثير من العرب إلى المغرب العربي والأندلس، ولا شكّ أن بني طيء أجداد ابن العربي كانوا من بين هؤلاء الناس وربما من بين الجنود الذين فتحوا الأندلس؛ حتى إن الكثير من الأوس والخزرج من سكّان المدينة المنوَّرة هاجروا كلّيّا إلى الأندلس واستقرّوا هناك، ولم يعُد لهم وجود يُذكر في المدينة.
ويَذكر المؤرخ حسين مؤنس في كتابه "فجر الأندلس" وفود طوالع العرب الأولى إلى الأندلس حينما أقبل "الحرّ بن يوسف الثقفي" إليها في ذي الحجة سنة 97/716 بعد فتحها بخمس سنوات، واصطحب معه أربعمائة رجل فأقاموا في قرطبة وما حولها.[1] ثم أقبلت القبائل العربية إلى الأندلس، فسكن في مرسية ربيعة جذام ودوس وغافق، وملكان وأفصي بن مضر وجميعهم من اليمن، فلا شكّ أن عائلة ابن العربي كانت منهم، ومن أجل ذلك يفخر الشيخ محي الدين بنسبه اليمني كما رأينا في بداية الفصل الأول.
ويقول المقرِّي في نفح الطيب:
ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى الأوس أخي الخزرج، ومنهم من ينتسب إلى غافق بن عكّ بن عدنان بن هزّان بن الأزد، ... ومن كهلان من ينتسب إلى مذحج، ومذحج: اسم أكمة حمراء باليمن، ... وطيء ابن أدد بن زيد بن كهلان، قال ابن غالب: بنو سراج الأعيان من أهل قرطبة ينتسبون إلى مذحج. ومنزل طيء بقبلي مرسية.[2]
ينتمي ابن العربي إلى عائلة عريقة مشهورة بالعلم والأخلاق، وكانوا من المقرَّبين إلى الأمراء والحكّام، غير أنه كما قلنا يصعب تتبع النسب بعد عبد الله الطائي، الجدّ الأعلى لابن العربي. ويبدو أنّ هذه الكنية كانت شائعة في المغرب العربي حيث يوجد الكثير من المشاهير بهذا النسب من غير أن يكونوا بالضرورة من نفس العائلة أو القبيلة. وقد تميّز اثنان فقط بهذا النسب (ابن العربي) هما شيخنا محي الدين، والذي عادة ما يعرف بين علماء المشرق بابن عربي (من غير ألف لام التعريف)، والقاضي أبو بكر ابن العربي (مع ألف لام التعريف)، كما ذكرنا في المقدمة. وهذان العالمان الجليلان، مع أنهما عاشا في عصر واحد وفترات متقاربة زمانا ومكانا ولكنهما ليسا بالضرورة من عائلة واحدة. كما ويوجد غيرهما ممن عُرف باسم ابن العربي أو ابن عربي ولكن أقل شهرة، كما ذكرنا أيضاً في المقدمة. وربما يكون سبب اشتهار هذه الكنية يعود لكون المغرب بربريا في الأصل وعندما فتحه المسلمون العرب وسكنوا فيه كان هذا الاسم ميّزة لبعض الرجال منهم الذين ربّما سكنوا في منطقة بربرية في المغرب أو الأندلس فكان يقال لهم "العربي" لتميّزهم عن غيرهم بهذا الوصف. كما أننا نجد أن أغلب الذين عُرفوا بهذا اللقب إنما ينتمون إلى قبيلة طيء، فربما يكون بينهم قرابة بعيدة من جهة الجدود.
كان أبو محمد يتقلّد منصباً مهمّاً عند الأمير ابن مردنيش ثم بقي في خدمة سلطان الموحدين
[1] فجر الأندلس، حسين مؤنس، الشركة العربية للطباعة والنشر-القاهرة، 1959، ص400.
[2] نفح الطيب: ج1ص294-296.