كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
بعض الرجال يرى كون الكرامات
|
|
دليل حقٍ على نيل المقامات
|
فنحن هنا لا نريد أن نذكر من الكرامات الحسيّة للشيخ محي الدين، ويوجد منها الكثير مع أنه لم يصرّح بها أبدا، ولكنّ من يقرأ كتبه يدرك، كما نوّهنا، أنه كان يحادث الملائكة فيستفيد منهم ويفيدهم، ويصحب الأرواح، ويرى الرسل والأنبياء إلى ما هنالك. ولكن ليس هناك أي ذكر أنه فعل أي شيء خارق مثل المشي على الماء وحمل الجمر وما شابه ذلك، فليس هذا ديدنه رضي الله عنه. وإنني أعتقد أن من أعظم كرامات الشيخ محي الدين رضي الله عنه هو سعة صدره وحلمه وصبره لما وهبه الله من العلم والمعرفة، وهذا أدى به إلى الزهد في كل ما سوى الله وأنه لا يحاسب أحدا ولا يغضب لنفسه أبدا ويعطي العذر لكي من أساء له.
فقد ختم رضي الله عنه الفتوحات المكية بدعاء طويل شامل ثم سأل الله في آخر دعائه أن يجعل مثل ذلك لكل المسلمين والمسلمات "... ومن عرفني أو سمع بذكري أو لم يعرفني ... ومن ظنّ بي خيراً ومن لم يظن بي خيراً." ثم قال رضي الله عنه: "اللهم أني قد تصدقت بعرضي ودمي ومالي على عبادك فلا أطالبهم بشيء من ذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة وأنت الشاهد علي بذلك"، وختم بالصلاة على النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
فأيّ كرامة أكبر من ذلك! وكذلك روي أن رجلاً من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشرا، فلما مات هذا الرجل حضر ابن العربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجّه للقبلة، فلما جاء وقت الغداء أُحضر إليه فلم يأكل، ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء، ثم التفت مسروراً وطلب العشاء وأكل! فقيل له في ذلك، فقال: التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتى يغفر لهذا الذي يلعنني، وذكرت له سبعين ألف "لا إله إلا الله"، فغفر الله له.[1]
[1] جلال الدين السيوطي، "تنبيه الغبي": ص54-55.