كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
فإذا كان الأمر كذلك، فبمن تزوّج ابن العربي؟ ومن هي المرأة التي كانت أوّل زوجاته التي غيّرت حياته على هذا النحو؟ من غير المستبعد أن تكون نظام قرة العين هي التي غيّرت حياة ابن العربي بهذا الشكل فكانت أول امرأة فكّر بالزواج بها إن لم يكن فعلا قد تزوّجها، على ما سنذكره في الفقرة التالية.
قرّة العين
بعد هذه الحادثة وهذا التبادل الشعري بين الشيخ محي الدين ابن العربي وهذه الفتاة التي كانت لا شكّ تعرفه وتعرف مقداره، وبعد أن انصرفت الفتاة سأل عنها الشيخ محي الدين فعرفها، ويقول إنه بعد ذلك عاشرها ورأى عندها من لطائف المعارف ما لا يصفه واصف.
ولكن السؤال الذي أثار قريحة النقّاد وحتى المحبين: ما هي علاقة نظام بالشيخ محي الدين؟ هل هي علاقة مشروعة، أم هل يليق بشيخ مثله أن يتغزّل بفتاة، مهما كانت بالنسبة له.
في الحقيقة يصعب تحديد هذه العلاقة بشكل جازم، فليس لنا أن نحكم على الغيب الماضي إذا لم تتوفر لنا المصادر، ولكن من غير المستبعد، بل من الواضح وربّما من المؤكد، أن يكون الشيخ الأكبر رضي الله عنه قد تزوج هذه الفتاة، فإن جوابه لها فيه خِطبة صريحة ليس فيه مواراة؛ فعندما سألها عن اسمها، قالت: "قرة العين"، فرَدّ بدون تفكير: "لي". ثم يقول إنه بعد ذلك عرفها وعاشرها ورأى عندها من لطائف المعارف ما لا يصفه واصف. فلا يكون ذلك من غير أن يكون قد تزوجها، أو على الأقل خطبها ثمّ فرّق الزمان بينهما كما سنحلّل ذلك الاحتمال بعد قليل. ولا ننسى من هي ومن هو؛ فما هي غانية شاردة، بل هي بنت أصل وشرف ودين، وما هو إلا محي الدين وسلطان العارفين وخاتم الأولياء المكمّلين. فلا يجوز أن نترك المجال للقلوب المريضة أن تذهب شرقاً وغرباً، وتظنّ أنها قد اكتشفت في نظام الكون عيباً.
وهناك إشارات واضحة أخرى تؤكد ما ذهبنا إليه، فهو يقول في "محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار" بعد أن ذكر قصة لقائهما الأول التي رويناها أعلاه: "وكان لنا أهل تقرّ العين بها، ففرّق الدهر بيني وبينها، فتذكّرتها، ومنزلها بالحِلَّة من بغداد".[1] فكلمة "أهل" تعني بشكل صريح الزوجة، وعبارة "تقرّ العين بها" مشتقّة من اسمها "قرّة العين". ومعروف أن هذه الفتاة نظام وأهلها ليسوا من أهل مكة، بل هي روميّة، وكانت بلاد الروم في ذلك الوقت بلاد إسلام خاضعة مع شمال العراق إلى الدولة السلجوقية. وقد توفي والد نظام الشيخ أبو شجاع الأصفهاني سنة 609/1212، فمن غير المستبعد أن تكون نظام قد غادرت مع أهلها إلى العراق بعد وفاة والدها. بل يصرّح الشيخ محي الدين فيقول إن نظام، التي كتب فيها ومن أجلها ترجمان الأشواق، كانت ساكنة في بغداد، فيقول في كتاب ترجمان الأشواق الذي لم يُكتب في سنة 598/1201 حين التقى الشيخ محي الدين بنظام، بل بعد ذلك بسنوات عديدة في سنة 611/1214، مع احتمال كتابة بعض القصائد التي فيه قبل ذلك، يقول ابن العربي:
[1] محاضرة الأبرار: ج2ص58.