كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
رسالة الدكتوراه التي بدأت بإعادة صياغتها باللغة العربية وستنشر قريبا إن شاء الله تعالى.
إخفاء حبه له وإظهار الشدة
ويقول الشيخ محي الدين أن الشيخ يوسف الكومي كان يحبه كثيرا ولكنه كان لا يظهر ذلك له، ويقرّب غيره ويطرده، ويصوّب كلام غيره ويوبخه في المحافل والمجالس ويشتمه حتى كان أصحابه الذين معه ينسبونه إلى قلة الهمّة، والحقيقة أنه كان أفضلهم فما برع من تلك الجماعة غيره، وكان الشيخ الكومي رضي الله عنه يقول ذلك.
ولكنه كان أحيانا يحاول أن يباسط ابن العربي الذي كان شديد الاحترام للشيوخ فكان إذا قعد بين يديه وبين يدي غيره من شيوخه يرتعد مثل الورقة في يوم الريح الشديد ويتغير نطقه وتتخدر جوارحه، وقد رأينا في الأعلى كيف أن الشيخ الأكبر في بدايته لم يستطع القراءة في رسالة القشيري أمام الشيخ يوسف الكومي. فكان الشيخ يحاول أن يؤنسه ولكن ذلك كان لا يزيده إلا مهابة وإجلالا.
كرامة من بركة الشيخ أبي مدين (إشبيلية، قبل سنة 580/1184)
كما ذكرنا في أول هذا الفصل أن الشيخ يوسف الكومي اصطحب مرة معه بعض تلاميذه ومنهم ابن العربي إلى جبل المنتيار وهو جبل عال على بعد فرسخ من إشبيلية. فيضيف الشيخ محي الدين في روح القدس أنهم لما رجعوا إلى المدينة ركب الشيخ يوسف فرسه وكان ابن العربي يمسك الركاب والشيخ يحدثه بفضائل الشيخ أبي مدين وكراماته رضي الله عنه. ومن شدّة استغراقه بالحديث فني ابن العربي في كلام شيخه ووصفه لأبي مدين فكان لا يحسّ بنفسه وهو يرفع إليه وجهه وينظر إليه في أكثر الأوقات، وكان الشيخ يوسف ينظر إليه ويبتسم ويهمز فرسه فيسرع ويسرع هو معه. ثم وقف وقال له أنظر ما تركت خلفك؟ فنظر الشيخ محي الدين فرأى الطريق الذي مشى به كله شوكاً يصل إلى معقد الإزار وشوكاً آخر منبسطا في الأرض. قال له الشيخ يوسف: أنظر إلى قدميك، فنظر إلى قدميه فلم ير بهما أثراً. قال له: أنظر إلى ثوبك فلم ير أثراً كذلك. حينئذ قال له الشيخ يوسف: هذا من بركة ذكرنا أبا مدين رضي الله عنه؛ إلزم الطريق يا بني تفلح. وهمز فرسه وترك ابن العربي خلفه.
فلا شك أن هذه الحادثة التي حدثت قُبيل دخوله إلى طريق الله تعالى، كان لها أثر كبير على ابن العربي وربما كانت الدافع الرئيسي الذي أدى به إلى سلوك طريق التصوف.
وأضاف إلى ذلك أنهم عندما وصلوا إلى المدينة قعد ابن العربي معه بعد العصر فرآه يتعلق للخروج، فقال له الشيخ يوسف: ما شأنك؟ فقال محي الدين له: علي أربع حوائج أريد أن أقضيها ولي أيام أروم قضاءها وأتعمّل فيها ولا أجد الأشخاص الذين الحوائج بأيديهم. فتبسّم الشيخ يوسف وقال إن تركتني ومشيت ما تنقضي لك منها حاجة! فاقعد معي أذكر لك من أحوال أبي مدين رضي الله عنه، وأنا أضمن قضاءها. فقعد، فلما حان وقت المغرب قال له: أخرج الساعة إلى منزلك فإنك لا تصلي المغرب حتى تنقضي الحوائج كلها. فخرج ابن العربي والشمس قد غربت فوصل إلى منزله ومؤذن المغرب يؤذن. فيقول: فوالله ما أحرمت بالصلاة للمغرب حتى انقضت حوائجي.