كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
المنام والتي تفيد المريدين والمتعلمين فقال أيضاً إنه رأى الإمام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة في المنام وعليه ثوب أبيض يجرّ منه في الأرض اثني عشر ذراعاً وهو على بابٍ يقال له باب الفتح، فقال له: يا مالك، ما أقرأ؟ فقال: تحبُّ أن تقرأ كتب الرأي؟ فرأى محي الدين شخصا كان يشتغل بكتب الرأي وهو ينظر في مزبلة معرضا عن مالك مقبلا على المزبلة، فقال للإمام: يا مالك، أخاف أن تقودني كتب الرأي إلى ما قادت هذا الشخص! فتبسم مالك رضي الله عنه وقال له: صدقت، عليك يا بني بتقييد الحديث والعمل به.[1]
وبذلك بدأ الشيخ محي الدين الاهتمام بالحديث النبوي الشريف وكتب عنه الكثير من المؤلفات الفريدة منها: "الأحاديث القدسية"، "اختصار الترمذي"، "اختصار البخاري"، "اختصار السيرة النبوية المحمدية"، "اختصار المحلى"، "اختصار مسلم"، "كتاب الأربعين حديثا في الطوالات"، "كتاب الأربعين المتقابلة في الحديث"، "المصباح في الجمع بين الصحاح"، "مشكاة الأنوار فيما روي عن الله من الأخبار"، ومعظم هذه الكتب لا تزال مخطوطات غير مطبوعة.
وقد حدّث الشيخ الأكبر عن كثيرٍ من الرجال ونقل الحديث وهو من رواة كتاب سنن الترمذي الذي أجازه به شيخه أبو شجاع في مكة سنة 598 كما سنرى في الفصل الرابع. وكذلك ذكر الشيخ الأكبر في بعض كتبه طرقا كثيرة يروي بها الأحاديث عن المحدّثين،[2] وقد قال العجلوني مؤلف كتاب "كشف الخفاء" نقلا عن الشيخ حجازي الواعظ شارح "الجامع الصغير" للسيوطي بأن الشيخ محي الدين ابن العربي معدود من الحفاظ، والحافظ هو من يحفظ مائة ألف حديث.
وتجدر الإشارة إلى أن الصوفية لهم طريقتهم الخاصة في نقل الحديث وتصحيحه، رغم أنهم لا يلزمون أحدا فيما ينقلونه ولا يخطّئون ما صحّ من الحديث في الصحاح وغيرها حتى وإن لم يصحّ عندهم من طريق الكشف.
الفقه والعلوم النظرية
وعلى ضوء ما ذكرناه أعلاه من تركيز الشيخ محي الدين على الحديث النبوي الشريف، بالإضافة إلى اعتماده كصوفي على العلم الكشفي الذوقي، فقد أعرض رضي الله عنه عن العلوم النظرية (من كلمة "النظر" وهو "الرأي") كالفلسفة وعموم علوم الرأي. فالصوفية لا يُقحمون أنفسهم بجدال الآراء والأقوال المختلفة المتضاربة، ولا يتكلمون إلا عن بصيرة، كما يقول الله تعالى في آخر سورة يوسف: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [108])).
ولكن الشيخ رضي الله عنه كتب بعض الكتب في الفقه، وخصّص كما ذكرنا أعلاه جزءاً كبيراً من
[1] رسالة المبشرات، مخطوطة بيازيد 1686.
[2] انظر مقدمته في كتاب "محاضرة الأبرار".